الخميس، 31 مارس 2011

المدوّنات الالكترونية تواجه بلطجة الاعلام العربي ... انتهى زمن التعتيم

خلقت المدونات مجالاً مهماً للتعبير الحر بدون حواجز

باختصار، انه عصر المدونات الالكترونية التي يستعملها المئات من الشباب العربي المؤمن بالتغيير الايجابي على كافة المستويات. هذا الجيل الذي تعايش مع انظمة فاسدة تعيش على منطق القمع والاذلال، انتفض على الطغيان وقرر ان يقول كلمته بعيداً جداً. فكانت شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي متنفساً اساسياً له، وشكّلت المدونات الالكترونية فيها العامود الاساسي لقيادة "التغيير" بقوة الكلمة.

المدونات تحولت في فترة قياسية الى وسيلة مهمة للشباب من كل انحاء العالم للتعبير عن ارائهم، فكيف بالاحرى بالنسبة للمثقفين والمتعلمين والمقموعين من الشباب في عالمنا العربي الذي كسر حاجز الصمت وانتفض بوجه طغاته وملوكه ودكتاتورييه بعد سنوات من السبات الطويل.

انتهى عصر التعتيم الاعلامي وقتل الحريات في مهدها، وكسر الاقلام، وتحويل الحبر الاسود الى دم يُسفك في الشوارع والازقة والمناهج التربوية. فالمدونات الالكترونية انطلقت ونمت وانتشرت، والحقائق الفاضحة، والتجارب الصارخة خرجت الى العلن في وقت نواجه فيه اعلاماً بلطجياً تعتيمياً حجرياً، لا يحترم الرأي الاخر، ولا يقيم اي قيمة للحريات، ولا يعطي اي فرصة للتعبير الحقيقي عما يدور في مجتمع يختبىء خلف نفسه، ويُخبّىء عوراته وانتهاكاته باوراق من توت بدعاية غوبلزية سخيفة لا يمكن ان تُهضم.

للاسف، فان غالبية اعلامنا العربي ينتمي الى عصر الجاهلية. تراه يمنع شبابه من التعبير عن انفسهم. يضعهم في قالب جامد، مروّجاً لثقافة تطبيعية مع الانظمة الاستبدادية الطائفية الفاسدة، يغسل الادمغة والعقول. يستبعد النخبة ويستجلب اصحاب الرؤوس الفارغة لتدير الحوارات الطنانة والرنانة المبجّلة لهذا الزعيم وذاك القائد او تلك القبيلة.

لم يعد عالمنا العربي يطاق اذا ما استمرت هذه السياسة الاعلامية القذرة التي امتهنت الحقيقة واصطنعت اخرى. اعلام صحّافي يعتمد على البروباغندا ويبتعد عن الواقع. ولهذا باتت المدونات الشخصية تُشكّل وسيلة اعلامية بديلة يستعملها جيلنا في مواجهة كل القوى التي تسعى الى التعتيم وفرضه.

ولأن الكلمة قادرة على جرح مستبد واستقالة ديكتاتور، وازعاج كل من لا يريدها. ولاننا نشهد كل يوم اعتداءات وانتهاكات بحق قادة الفكر والرأي في المنطقة والعالم بسبب ما يكتبونه وما ينشرونه من وقائع فاضحة، فان المدونات وحسابات التويتر والفايسبوك واليوتيوب اتت اليوم لتنهي عصر السكوت ولترسم بخط يدها عالماً جديداً مبني على "الكلمات والصور القاتلة" لا اكثر ولا اقل، لتضع حداً لسياسة الجوع والتجويع، ولمراوغة الانظمة واستخفافها بارادة الشعوب.

ولينتبه اصحاب رؤوس الاموال ووحوش النهب والفساد، ومدراء تحرير الصحف والشاشات الصدئة، وتلك الرسمية والتابعة للنظام والحاكم وحاشيته ان زمن الاقصاء ولّى الى غير رجعة، وان صورة جديدة للاعلام رُسمت بخط جديد وبأفق واسع يمثل الحقيقة والواقع الحقيقي لا اكثر ولا اقل، بدون اي "روتوشات" او اضافات.

المدونات باتت اقوى من دوي الرصاص، وتفاهة التهديد والوعيد. والصوت والصورة والكلمة التي ننقلها اصبحت قادرة على جرح مستبد واستقالة ديكتاتور، ودفع شبه دول بأكملها الى الاهتزاز. مستمرون ولن نتوقف. انه زمن الحرية. انه زمن المدونات.

تجدر الاشارة الى ان ما دفعني لكتابة هذا المقال المقتضب هو فيديو قصير قام بانتاجه الزميل الصديق جاد شحرور (صاحب مدوّنة انشالله كون غلطان) لموقع جنوبيّة.كوم اللبناني، تناول خلاله موضوع المدونات باسلوب مميز، حيث تكلّم فيه عدداً من الزملاء المدونين اللبنانيين، ومن بينهم خضر سلامة (صاحب مدونة جوعان) وهاني نعيم (صاحب مدوّنة هنيبعل يتسكّع في الارجاء)، اضافة لمدوّنة الكلمات القاتلة.

شكر كبير للصديق جاد شحرور على الاضاءة على هذا الملف، على امل ان يستمر كل مدوّن حرّ في عالمنا العربي بفضح كل الممارسات وبقول كلمة الحقّ مهما كانت جارحة .... انه عصر الكلمات القاتلة.

سلمان العنداري ...SA

للاطلاع على التحقيق الخاص لجاد شحرور يمكنكم مشاهدة هذا الفيديو على اليوتيوب:


موقع جنوبيّة على الانترنت: http://www.janoubia.com/

الأربعاء، 30 مارس 2011

بشّار الاسد ... ومسرحية مجلس الشعب

مجلس الشعب بدا اليوم اشبه بمسرحية

استمعت بدقة الى كلمة الرئيس السوري بشار الاسد التي وُصفت "بالتاريخية والمفصلية والمهمة"، الا اني لم اجد اي شيء جديد يضاف الى ما يقوله الاسد الابن في كل مناسبة واستحقاق.

وفي قراءة سريعة لابرز ما استخلصتها من المشاهدة المباشرة لما قاله الاسد، يمكن رصد بعض النقاط:

كلمة مهمة القاها الاسد من "مجلس الشعب" بعد ايام من المظاهرات والاحتجاجات التي انطلقت في عدد من المدن السورية للمطالبة بالحرية ووقف الاستبداد والقمع والظلم التي يمارسها النظام بوجه شعبه منذ عقود.

الصورة لم تتغيّر. شعارات ووعود بالتغيير والاصلاح والحرية. هتافات وتصفيق حاد اعتدنا عليه. خطاب خشبي مميز بطريقة تقديمه وممهور بتهديدات مبطّنة لمن قال لا بوجه استمرار التسلّط والاستبداد.

المضحك في الامر هو مجلس الشعب نفسه الذي يفترض به ان يمثل كل قطاعات الشعب والمكونات السورية. فالمجلس هذا انشغل بالتصفيق الذي لم يتوقف خلال القاء "القائد الرئيس" كلمته "التاريخية".

دخل الرئيس بابتسامة عريضة على وقع حلقات الدبكة والتصفيق وقصائد الشعر والمعلقات المرحبة بالقائد: " الشعب يريد بشار وبس"، و"بالروح بالدم نفديك يا بشار"، يا عالي الجبين يا صامداً في كل حين يا كريماً للمحسنين والمخطئين". عبارات تثير الضحك في نظام يعيش تحت قبضة حديدية.

"سرّ ونحن وراؤك... نحن معك نحن معك يا بشار". اخراجية مهمة ومُتقنة لتبيان حجم الدعم الكبير لبشار الاسد من مجلس الشعب المصادر اصلاً والمُعيّن.

 ابتسم الرئيس متناسياً القتلى والجرحى الذين قضوا على يد قواته الامنية والمخابراتية التي قمعت المطالبين بالاصلاح الحقيقي لا الاصلاح الشكلي كما يدّعي.

مسرحية مجلس الشعب استمرت على وقع كلمة الاسد الابن. التصفيق لم ينته، والمسرحية استمرت باخراج فني مدروس.
اكثر ما استفزني عندما "قفزت" امرأة من مقعدها ثائرة منتفضة قالت: "دماء الشهداء تقول نحن معك، والاطفال والنساء....كلما معك يا سيادة القائد"... اذ يبدو ان ممثلي الشعب يقتاتون على الدماء التي ازهقت ويجيرونها لصالح مشروعهم ولصالح استمرارهم الى جانب الاسرة القطرية الحاكمة التي ارتكبت.

شعار مضحك علا في القاعة: "الوطن العربي قليل عليك وانت يجب ان تقود العالم يا سيادة الرئيس"... هرج ومرج في مجلس الشعب . "الله سوريا بشار وبس. الله معك والشعب معك".

استعان الاسد بآيات قرانية للتأثيرعلى الناس. ابتسم وضحك عالياً واستعمل النكات وتواضع كثيراً للتأثير على "القواعد الشعبية" التي تشاهده في كل انحاء القطر.

منذ تسلمه السلطة عام 2000 بعد وفاة والده المريض، لم يقم بشار الاسد باي اصلاحات تذكر في نظامه الذي ورثه. فاعتلى المنبر وبدأ يحاضر بالاصلاح، رافضاً ان يكون قد انتهز هذه الفرصة، او انه استمع  للضغوط الشعبية المتنامية.

تسلّح "الرئيس" بالمشهد الشعبي الكبير الذي ارتسم في شوارع عدد كبير من المدن السورية ليرجم المعارضة تحت شعار "لا لتفتيت سوريا ولمواجهة المخطط العدو الاسرائيلي".

عن اي تواصل مباشر بينه وبين المواطنين يتكلم الاسد. وعن اي علاقة مع الشعب يتحدث عندما قال "البوصلة هو المواطن"، الا ان بوصلته الحقيقية تكمن في استمرار الفساد والتسلط وعقلية المخابرات والتلويح بتجويع الشعب اذا ما طالب بالحرية.

 بدا الرئيس مرتاحاً وواثقاً نوعاً ما. شرحه المسهب ومقدماته ولغة جسده دلّت على هذا الارتياح، فكان حريصاً على ايصال الفكرة، فاعتبر (ومعه حق في ذلك) ان التظاهرات الحاشدة غير المسبوقة في انحاء "القطر" اشعرته بالثقة.

اظهر الاسد في كلمته انزعاجاً شديداً من دور بعض الفضائيات في تغطية الحدث السوري، فاتهم بعضها بالتشويش ونشر اخبار كاذبة، وبانها مشاركة بالمؤامرة الكبرى التي تستهدفه وبلاده، الا انه نسي اعتقالات الصحفيين ومنع كل وكالاتالانباء من تغطية الاحتجاجات.
البقاء من دون اصلاح مدمر للبلد... صحيح هذا الكلام، الا ان الاصلاح يتطلب فعلاً حقيقياً بدل الاكتفاء بالوعود. والايام والشهور المقبلة ستُظهر نية النظام الحقيقية في الشروع في هذا الاصلاح.

قال ان سوريا تتعرض لمؤامرة كبيرة، وصف ما يجري بانها صرعة الثوارت. واعتبر ان من قام بالاحتجاجات تدخل بالسلاح بدأ بقتل الاشخاص عشوائياً... واشار الى مجموعات دعم في اكثر من محافظة وفي الخارج.

اللافت ايضاً تهكمه كثيراً على تأثير ودور الانترنت بعد ان كان مطمئناً بان وسائله الاعلامية ستبقى تمارس التعتيم الهائل على الشعب والرأي العام.

قال ان العلاقة بين الدولة والشعب لا تبنى على ضغوط، فهل تبنى اذن على الاستبداد والقمع والقتل وخنق الحريات وكمش الاعلام ومنع الاحزاب والحركات السياسية؟.

الاخطر قوله ان الشعب سيقوم بتطويق القلة القليلة التي ارادت اثارة الفوضى وتفتيت الوحدة الوطنية في تهديد مبطن للثوار، وفي كلامه دعوة صريحة الى ثورة مضادة والى مواجهة كل متظاهر بالقوة والبطش والتخوين .

علينا مواجهة الازمات بثقة كبيرة، المؤامرة كبيرة ونحن لا نسعى الى معارك. وأد الفتنة واجب وطني واخلاقي وشرعي وكل من يستطيع ان يساهم في وأدها ولا يفعل فهو جزء منها. اذا فرضت علينا المعركة اليوم باهلاً وسهلاً بها. هذا المشروع سوف يسقط... فهل بشار الاسد اعلن الحرب على التغيير.

المشاهدات المباشرة لا تنته، بينما تستمر المسرحية في صرح مجلس الشعب. الا انه يبقى القول ان الكل يريد سوريا الازدهار والتطوير والامل والحرية والديمقراطية والمحبة والوحدة، على امل ان تصدق النيات وان يقرر الشعب ما يريده بعيداً من اي ضغوطات. فهل بدأ ربيع دمشق، وهل ستتحقق الاصلاحات، ام ان النظام السوري يتحضر مجدداً للقضاء على الثورة الناشئة من الشمال وصولاً الى درعا؟؟... سؤال تجيب عنه الايام المقبلة.

سلمان العنداري ...SA

الجمعة، 25 مارس 2011

بعيداً عن انظمة المخابرات والقمع والشعارات والتنظير ... قراءة سيكولوجيّة في الحريّة


للحرية معاني انسانية ونفسية وايديولوجية

الحرية كلمة تجتاح العالم العربي من المحيط الى الخليج بعد عقود وعقود من القهر والظلم والاستبداد والدكتاتورية. اذ ان الشعب اليوم خرج عن صمته وارتفعت في الساحات العامة والشوارع والميادين اللافتات والصرخات والهتافات المُطالبة باستعادة الحرية وبانهاء وصاية القمع والقتل والمخابرات والمباحث وسياسة الاحباط.

الجميع يتكلم بالحرية ويجاهر بها ويدعو اليها. الادارات الغربية والشرقية، الدول الرأسمالية والاشتراكية، الدول الديمقراطية وتلك التي تدعيها، والدول الدكتاتورية والقمعية والاوتوقراطية، الفقير والغني... كلهم ينادون بالحرية وينظّرون بها.

ولهذا، وبعيداً من القواميس والمصطلحات السياسية الاجتماعية والمفاهيم الاقتصادية التي تعرّف بالحرية، قررت البحث في موسوعات علم النفس عن سيكولوجية الحرية ومعانيها النفسية، علّني أضيف شيئاً جديداً لما يجري اليوم من نقاش على اكثر من صعيد وعلى اكثر من مستوى. 

 الحرية في علم النفس هي "تحرر" من القيود والخوف والعوز. وان يصدر سلوك المرء دون تأثير عليه من خارجه. وهي "حرية لأن" يفعل الفرد الحر ما يريد وان يختار لنفسه، ويفكر بوحي من نفسه.

 وحرية الارادة تقابلها الحتمية او الجبرية. وهي القول بان الحرية مقيّدة. وان السلوك تحكمه الضوابط والظروف. وان الانسان محتوم من داخله وخارجه، وان لسلوكه محددات في امكانيات الفرد وقدراته وميوله واتجاهاته، وفي انتماءاته الطبقية والثقافية، وتكوينه البنيوي، وسماته او خصائصه النفسية والعقلية، وبيئته الطبيعية والاجتماعية.

ويذهب انصار الحرية الى ان للحرية سيكولوجية، وان الظروف النفسية والاجتماعية والمادية ليست عبئاً على الحرية ولا تحددها، لأن هناك باستمرار اختيارات وبدائل على المرء ان يفاضل بينها. والحرية هي الشرط الاساسي لكل موجود فاعل، وليست لها ماهية لان وجودها يسبق الماهية ويحددها. فالحرية تصير بالافعال، وهي ليست صفة مضافة او خاصية من خصائص طبيعة الفرد، وانما هي نسيج وجود كل انسان.

واذا كان الانسان مقدوراً فهو مقدور بالحرية، ولا مناص من ان يكون حراً. ولا فكاك له من الحرية. وقد يقال هذا حر وذاك عبد. وتلك مغالطة لها ظاهر التعبير عن الواقع، الا ان الانسان دائماً هو الانسان الحر، لان الحرية هي وجود الانسان وليست اي وجود اخر.


والعبارة "انت حرّ" تعني ان لك ان تختار بنفسك، ولكن ان يتحقق اختيارك وان تنجح في نيل ما تريد فهذا شيء اخر بخلاف الحرية. فالنجاح لا يهم الحرية، الا انه لما كان الاختيار هو نفسه الفعل. فان الاختيار يفترض امكان تحقيقه، وذلك ما يميزه عن الحلم او الامنية.

وتحكي قصة آدم وحواء في الجنة ان آدم عصى ربه فحكم الله عليهما بالهبوط الى الارض، وان يعانيا الخوف والحاجة والعداء. ومعنى ان آدم وحواء اختارا ان يأكلا من شجرة المعرفة انهما قاما بأول فعل حرّ، ومارسا اول اختيار انساني، والانسان يعرف الحرية ويختار عندما يكون حرّاً.

وجوهر الفعل هو الحرية والمغزى الواضح من القصة ان الانسان منذ ان خُلق محكوم عليه بالحرية، او بتعبير "هايدجر" انه ألقي به في الحرية. وكان بمقدور آدم ان يُذعن فتكون له الجنة خالصة فلا يتعب ولا يحتاج ويعيش في امان، ولكنه كان نفسه، وفضّل الحرية، قتقطّعت اسبابه بالجنة.

والقصة كلها تلخص حياة الانسان عموماً، فأولاً ان الانسان في بداية وجوده كان غريزياً، ولكنه انفك عن قيود الغريزة وتصرّف بحرية. واختار سلوكه وارتقى في مدارج الاستقلال، واصبحت له هوية وفردية .

والطفل ثانياً يبدأ معتمداً على امه واسبابه بها عضوية او بيولوجية، وكلما نما تقطّعت اسبابه البيولوجية بامه، وتخلّص من سيطرتها النفسية واستقل بنفسه واصبح الراشد الواعي الحرّ. ومع ذلك فسيكولوجية الحرية جدلية، فاذا كان الانسان قد تحرر واستقل، وصار ضاتاً وله هوية وفردية، فانه بحريته قد اصبح وحده واغترب عمن حوله، ووحدته واغترابه يصيبانه بالقلق، وهو يعي الموت لأنه يواجهه وحده وفي عزلة، وهذه ازمة الحرية التي يعاني منها الانسان.

ومن اجل ذلك قد يلجأ البعض الى الهرب من الحرية والتحلّل منها، ربما بأن يعهد بحريته لغيره يفكّر له، في مقابل ان يضفي عليه حمايته، والهارب من الحرية إما ماسوشي يعيش معتمداً على الاخر، واما سادي يؤكد ذاته بأن يسيطر على ذوات الاخرين.

 والماسوشي يستثمر الحرية بالمعنى السلبي، بأن يتخلص من وحدته وعزلته وشعوره بالعجز، وبأن ينصاع للاخرين. والسادي يستشعر الحرية سلبياً ايضاً بأنها السيطرة على الاخرين واخضاعهم او استغلالهم، او انها تدمير لكل ما يبعث في نفسه الخوف ويُشعره بالوحدة ويستشعر منه الخطر.

وقد يختار الماسوشي الدور الذي ناط به وتكون له قيم الناس والشخصية النمطية في المجتمع، وتزول المفارقة بين الانا عنده والعالم من حوله، اي بأن يتأتمت ويفقد ذاته.

والحرية الايجابية هي التي يعيشها الفرد باعتباره ذاتاً مستقلة، ولكنه ليس معزولاً عن الناس، وفي توحّد مع العالم والطبيعة والاخرين. وهو يحقق ذاته بان يكون نفسه ويعيش فكره ويعبر عن وجداناته، وكل فرد يستطيع ذلك.

والحرية الايجابية هي ان تكون لنا شخصياتنا المتكاملة، وان نمارس الحياة تلقائياً. وليست التلقائية فعلاً عفوياً صادراً عن الشعور بالعجز وبتأثير الوحدة، وليست الفعل المؤتمت الذي تشايع فيه الاخرين على ما يذهبون، ولكنه النشاط الحر للذات، الصادر عن ارادة حرة ، وعن انفعال حقيقي واقتناع كلمل بأدائه.

 ولعل خير مثال للنشاط التلقائي هو نشاط الفنان ونشاط الطفل، وكلاهما يعايش فكره ومشاعره ويعبّر عن ذاته. ومن خلال التحقق التلقائي يتوحّد الانسان من جديد بالعالم والناس والطبيعة نفسه، والحب الاعظم ما يؤلف هذا التوحّد. وهو ليس الحب الذي يعني ان يذوب الفرد في الاخر، او الحب الذي يعني امتلاك الاخر، ولكنه الحب الذي هو تأكيد تلقائي للاخرين. والذي يدمج الفرد في الاخرين.

ولعل الصفة الدينامية للحب هي الازدواجية. انه يصدر عن الحاجة الى الغاء التمايز والتباعد، ويؤدي الى الاتحاد والوحدة ، ومع ذلك لا يلغي الفردية.

والعمل عنصر اخر من عناصر النشاط التلقائي، وهو ليس العمل الذي تأتيه قسراً وقهراً وهرباً من الوحدة، وليس العمل بمعنى السيطرة على الطبيعة، وليس هو العمل الذي يتضمن الاستعباد والاستغلال، ولكنه العمل بمعنى الابداع، وان يخلق الانسان ويضاهي الطبيعة.

 وما يصدق على الحب والعمل يصدق على كل النشاط التلقائي، سواء كان تحقيقه لمتعة حسية او مشاركة في الحياة السياسية، وهو يؤكد فريدة الذات، وفي الوقت نفسه يوحّدنا بالانسان والطبيعة، وبذلك تختفي الثنائية الاساسية الكامنة في الحرية والتي تشكل ازمتها السيكولوجية وتصنع منها مشكلة نفسية – ثنائية ميلاد الفردية. والالم الوحدة والعزلة.

وفي النشاط التقائي يحتضن الفرد العالم ولا تظل ذاته كما هي. وانما تكبر وتمتُن، لان الذات تكون قوية طالما هي ذات فاعلة، ولا توجد قوة حقيقية في الامتلاك والحيازة والملكية المادية، ولا في الاستغلال والنفوذ والسيطرة والهيمنة.

وانما القوة هي ان تحقق الذات نفسها اولاً وان يكون انتسابها بما تملكه فعلاً، وينتسب لها على الحقيقة، وهو نشاطها الخلّاق المبدع، وهو مضمون الحرية الايجابية.

سلمان العنداري ... SA

الخميس، 24 مارس 2011

ماذا يجري في المنامة؟ : ايران تستهدف الخليج "العربي"... ونصرالله يصدّر الثورة "الفارسية" الى البحرين

الواضح ان طهران تستغل ما يجري في البحرين لتنفيذ مشروعها الاستراتيجي للسيطرة على منطقة الخليج العربي


منذ ايام خرج الامين العام لحزب الله "اللبناني" السيد حسن نصرالله في احتفال اقامه "الحزب" في ضاحية بيروت الجنوبية تضامناً مع انتفاضات الشعوب العربية في تونس ومصر والبحرين وليبيا واليمن (وسط تجاهل تام لما يجري من احداث دامية وخطيرة في كلّ من سوريا وايران التي تُعتبر من الجهات الاساسية الداعمة والممولة لهذا الحزب)... وفي كلمته "الثورية"  - والتي لم تخلُ من المزايدة والتهديد والوعيد - ، تدخل نصرالله بشكل سافر في شؤون اكثر من دولة عربية، ومن بينها مملكة البحرين التي تعيش ازمة سياسية – مذهبية بفعل "استغلالات" اقليمية للمطالبات الشبابية والشعبية الداعية الى التغيير فيها. فأشار الى ان دول الخليج "ارسلت الجيوش للدفاع عن نظام غير مهدد"، واكد ان "ما يجري في البحرين ليس تحركاً طائفياً ومذهبياً وانما القول بذلك هو سلاح يستخدمه العاجز في مواجهة حق اي انسان له حق، وهذا لن ينال من ارادة الثائرين".

وتوجه "قائد الثورة" الى البحرينيين بألا يتأثروا باصوات الطائفيين وان يصبروا ويثبتوا في الدفاع عن حقوقهم". فاستمر في التحريض قائلاً: "دماؤكم وجراحكم ستهزم الظالمين والطواغيت وتجبرهم على الاعتراف بحقوقكم المشروعة"، ومضيفاً: "لديكم قيادة حكيمة وعاقلة وشجاعة في نفس الوقت فاسمعوا لها وانسجموا معها".

وختم حديثه متوجهاً للحكام في ليبيا والبحرين واليمن بالسؤال: "كيف تتصورون ان تستقر حكوماتكم وتدوم انظمتكم بعد كل هذه النظالم والجرائم وسفك الدماء. فمهما طال عنادكم مصيركم الهزيمة فاستجيبوا لشعوبكم قبل فوات الاوان".

هذا الكلام لم يمر على خير. اذ سارعت وزارة الخارجية البحرينية الى تحذير المواطنين من السفر الى لبنان كما نصحت المواطنين المتواجدين هناك بمغادرتها فورا. وذكر بيان صادر عن الوزارة انه "نظرا للتهديدات والتدخلات التي تعرضت لها البحرين من قوى إرهابية، فإنها تحذر وتنصح مواطنيها الكرام بعدم السفر إلى الجمهورية اللبنانية وذلك لما قد يتعرضون له من أخطار تهدد بسلامتهم، وتنصح مواطنيها المتواجدين في الأراضي اللبنانية بمغادرتها فورا".

وفي وقت لاحق أعلنت شؤون الطيران المدني في البحرين عن توقف رحلات كل من طيران الخليج وطيران البحرين من وإلى لبنان إلى أجل غير مسمى. وقال بيان صادر عن الطيران المدني إن "هذا الإجراء أتخذ إثر التصريحات والمواقف غير المسؤولة الصادرة من لبنان ضد البحرين وشعبها وقيادتها الكريمة"، مؤكدا أن "مثل هذه المواقف والتدخل في الشؤون الداخلية للبحرين ولدول مجلس التعاون الخليجي يسيء للعلاقات بين لبنان ودولنا ويضر بالخصوص بمصالح لبنان في دول مجلس التعاون".

كلام "حزب الله" الاستفزازي ليس بريئاً ولم يكن نابعاً من "غيرة" هذا الحزب على شباب البحرين ومطالبهم بالتغيير في المنامة (وبعض هذه المطالب محق وشرعي)، بل يتعدى ذلك بكثير، اذ يبدو ان ما يجري اليوم يشير الى امر بالغ في الخطورة على مستوى الامن الاستراتيجي لدول الخليج، وعلى مستقبل هذه المملكة الصغيرة التي تعيش كابوساً حقيقياً يتجاوز ما يجري في ساحاتها من تحركات، الى ما يحضّر لها من "انقضاضات" ايرانية – فارسية على نظامها السياسي.

بغضّ النظر عما يجري في البحرين من تحركات، وكيف تتعاطى معها السلطات الامنية والسياسية، فان تدخل "حزب الله" في الشؤون الداخلية لدولة عربية شقيقة يشكّل رسالة خطيرة بكل معانيها. كيف لا ويعرف القاصي والدامي بان "ايران التي تُحرّك حزبها في لبنان، تحاول بشراسة غير مسبوقة استغلال الحراك الشعبي في العالم العربي لصالحها عن طريق خوض معركة مذهبية ايديولوجية تنقضّ على اساسها على منطقة الخليج العربي لتحوله الى خليج فارسي محكوم بقبضة ايرانية حديدية تتربّع طهران على عرشها في المنطقة، فتكسب مزيداً من الاوراق التي تمكنها من تحسين شروطها التفاوضية وموقعها مع الدول الغربية والمجتمع الدولي، من دون ان ننسى مشروعها النووي ومتطلباته الهائلة من كل النواحي.

ان توهم ايران نفسها بان ما يحدث في العالم العربي هو جزء من الثورة الاسلامية عام 1979، وبالتالي فان "التوقيت" اليوم يبدو مثالياً لاستكمال تصدير هذه الثورة عبر استغلال بعض الجماعات المذهبية والحزبية وحثّها على الانقلاب على الدولة والانظمة تحت شعارات تحريضية غير مقبولة.

ووسط هذه الصورة يبدو ان "حزب الله" قد نسي ان شوارع سوريا مليئة بالثوار الذين قرروا ان يكسروا حاجز الصمت ويطالبوا بالتغيير والاصلاح والحرية، فلا ينطق بكلمة واحدة عن استبداد نظام بشار الاسد وفريقه الحاكم وممارساتهم اليومية بحق المواطنين التواقين للخروج من السجن الكبير وللانضمام الى رفاقهم في العالم العربي "الثائر على نفسه"، كما نسي الحزب ان يتحدث عن الانتفاضة الشعبية العريضة المشتعلة في ايران، فلا يقول حرفاً واحداً عما يجري في شوارع طهران، وكيف تقتل سلطة احمد نجاد الناس من دون اي رحمة.

لقد سبق لممارسات "حزب الله" ان اساءت الى العلاقات مع مصر وسابقاً الى العلاقات مع الامارات العربية المتحدة، وبالتالي فان ما يقوم به برسم الرأي العام اللبناني والرأي العام الشيعي بالتحديد. فهل هذا ما يريدون من علاقات مع الدول العربية؟ وهل يريدون فعلاً الانصياع الكامل للسياسة الايرانية بشكل اعمى بغض النظر عن اي حسّ وطني او ديمقراطي او حريات، الا اذا كانت الحريات في البحرين اهم من الحريات في طهران، او ان النظام في البحرين هو نظام دكتاتوري والنظام في طهران ديمقراطي.

على ايران ان تعي ان استخدام لبنان منطلقاً وورقة في تأجيج الصراعات الداخلية في البلدان العربية عبر ادواتها لن يمر ولن ينجح، لأن الشعب اللبناني لن يوافق على تحويل بلدهم الى ساحة لتصدير الثورات السلبية بأي شكل من الاشكال على غرار الثورة الصفراء التي تقودها طهران، والتي تعمل فيها على زعزعة الاستقرار العربي وتهديد الدول والسيطرة عليها بالمال والايديولوجيا والشعارات.

وكما قال رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري فان " الجمهور اللبناني عموماً ، والجمهور الاسلامي تحديداً بجناحيه السني والشيعي لن يقف عند هذه الترددات والدعوات الخطيرة، وهو لن يسمح بفتح الابواب امام اية مغامرة بمصالح لبنان وعلاقته مع اشقائه العرب".

والسؤال يُطرح: هل يتجرّأ الامين العام لحزب الله بالخروج بمؤتمر صحافي على الهواء، والتوجه الى "اهلنا واحبائنا في ايران وسوريا الذين يعانون ابشع وافظع درجات القمع والاستبداد لحريتهم وكرامتهم وعيشهم واستقرارهم؟". وهل بمقدور السيد حسن نصرالله وحلفاء النظام السوري – الايراني ان يعترضوا على القتل المتعمد، وعلى الانتهاك الصارخ والمستمر لحقوق الانسان في طهران ودمشق؟، وهل بامكان السيد ان يعلن تأييده الكامل لاي حركة ثورية تحررية حقيقية يقررها الشعب بعيداً من اي توجيهات اقليمية او عقائدية على غرار ما يحصل في بعض الدول العربية؟... فهل يملك السيد اجابات على هذه الاسئلة يا ترى؟.

فليتوقف حزب الله عن التدخل في ما لا يعنيه، ولتتوقف طهران عن توريط لبنان في اجنداتها التوسعية، ويبقى توجيه كل التحية الى شعب البحرين الذي يعي تماماً خياراته ومصيره ومستقبله.

ملاحظة هامة: سيُقال الكثير عن هذه المقالة التي كتبتها. الا اني اؤكد اني داعم للثورة وللحركة الشعبية ولبعض المطالب المشروعة للمعارضة البحرينية . الا انه لا بد من الاضاءة على مطامع ايران في هذا البلد وعلى انعكاس التأثير والتدخل الايراني سلباً على العالم العربي اجمع. ولا يختلف اثنان ان طهران تريد الانقضاض على المملكة الصغيرة في اطار معركتها الفارسية في المنطقة.

سلمان العنداري ... SA

الاثنين، 21 مارس 2011

رسالة من الشباب العربي الى من يعنيهم الامر: عندما ينهار الجدار ... يتبدد الخوف

خاص المدونة: كسر جدار الخوف بداية الطريق لقلب النظام

خوف، قلق، ظلم، استبداد... حالات طوارىء مُعلنة لعقود وعقود. انقلابات وانتفاضات مقموعة. اصوات مقهورة، سجناء رأي وحريات معدومة... وقتل متسلسل، والحبل على الجرار.

حكّام وانصاف رجال، يجلسون على عروشهم، والشعوب جائعة تلهث وراء كسرة خبر ولقمة عيش تسد بها عطشها وفقرها، واجساد تموت وتحترق كالجثث المنتشرة في ساحة حرب، في وقت يزداد فيه التسلّط والفوقية والبطش يوماً بعد يوم.

ذمّة الامير اختلطت بخزينة الدولة، فضاعت الاموال في الجيوب بين حاشية الملك، وابناء الرئيس، وزوجة القائد رضي الله عنه.

وعن الفساد لا تسألوا، لأنه منتشر كالسرطان في كل دائرة وكل وزارة وكل مؤسسة عامة وخاصة. اذ يحلو للحكام ما لّذ وطاب من كل اشكال الفساد والافساد، طبعاً تحت شعار  "لمصلحة الامة وشعبها".

حالة وحشية من الرفاهية والترف الفاحش في تبذير اموال الدولة وتبديدها كالبخار، واغفال احوال الفقراء والجياع والفلاحين والعمال والطلبة والشباب والعاطلين عن العمل.

تُبنى القصور المذهّبة والتماثيل الرهيبة التي تتوسط الساحات العامة. وتُنظّم الاعياد الوطنية الباهظة الاثمان على حساب مستقبل الشعب وتطلعاته.

انها باختصار احوال عالمنا العربي المثقل بالهموم، والممزوج بعقلية التابع والمتبوع، والاستعباد والاستهتار والتهديد والوعيد.

اما وقد دقت ساعة التحوّل التاريخي اليوم، يمكن القول ان جدار الصمت الكبير بدأ بالتصدّع، لأن عقوداً من الاستزلام والبقاء في زنازين القهر لم تعد مقبولة بعد سنوات من الغدر والاحتضار تحت عباءة "الكذبة الكبيرة".

انهيار جدار الصمت هذا وتصدّعه اتى بعد مخاض طويل من الظلم والعيش في اوضاع صعبة اجتاحت كل بقاع عالمنا العربي المحكومة من قبل مجموعة حُكام، اقل ما يقال عنهم انهم طغاة العصر حتى اشعار آخر.

مشهد عالمنا العربي اليوم وهو ينتفض يكاد يثلج القلوب. العصر الحجري انتهى، حان وقت خوض غمار مرحلة جديدة مبنية على الحداثة والتقدم والديمقراطية الحرية والامل.

انقلاب الصورة والموازين في اكثر من بلد عربي يحثّنا على المضي قدماً الى الامام، وعلى عدم التراجع عن مطالبنا ونضالنا واندفاعنا من اجل عالم عربي غير مرتهن، عالم عربي حقيقي، متضامن، متسامح، متنوع، حديث.

تستمر احلامنا نحن الشباب بعالم عربي مليء بالفرح والامل، من سهول السودان والصومال الخصبة، الى صحارى المغرب العربي وجبال لبنان واحياء الاعمال في دبي وقطر والمنامة.وصولاً الى ضفاف نهر النيل ودجلة والفرات، من دون ان ننسى تونس الخضراء واسواق الشام القديمة.

نحلم بعالم عربي جريء يقول كلمته على الملأ. عالم عربي لا يخاف من شعبه. يمارس الحرية والديمقراطية بسخاء .

عالم عربي لا يحكمه هاجس الفتنة بين السنة والشيعة. عالم عربي يرفض الارهاب ويؤمن بالتعدد والتسامح والحوار.

عالم عربي يستعيد فلسطين ويعيدها الى قلبه النابض، الى اولوياته السياسية والخارجية، فلا يسمح لاي جهة اقليمية اخرى بسرقتها والمتاجرة بها تحت اي شعارات.

عالم عربي واثق وليس مكسور الخاطر او منفصم الشخصية. عالم عربي يحترم شعبه، وقوي في مواجهة العدو الاسرائيلي وفي مواجهة اي تدخل خارجي بشؤونه.

عالم عربي، عروبي حقيقي. عالم نابض بشبابه وبطموحاتهم وابداعاتهم واحلامهم. عالم عربي يفتح الابواب امامهم ويشرّعها لهم في كافة الميادين والمجالات.

نعم... قررنا نحن الشباب ان نحلم وان نقول كلمتنا في الساحات، وعلى صفحات الجرائد، وفي المنتديات، وبين الازقة والاحياء، وعلى المنابر. نريد الحرية ايها الطغاة، ونريد الحياة بعد عقود من الموت البطيء والزاحف.

وبانتظار اكتمال الصورة، يمكن القول ان جدار برلين حقيقي بدأ بالانهيار في العالم العربي، واسوار اليأس والاحباط والكبت بدأت تتداعى وتتصدع وتتشقّق، وازهار الربيع وشمسه ستزهر وستشرق من المحيط الى الخليج، رغم حمامات الدم، والاثمان الباهظة التي ندفعها...

لقد تبدّد الخوف يا حكّام العرب... ومشروعيتكم سقطت. لقد آن الاوان لسقوطكم ورحيلكم. فإرحلوا... الان !!.

سلمان العنداري ... SA

الأحد، 20 مارس 2011

جدار الصمت يتداعى والشعب يُشعل الثورة ... بشار الاسد يسأل: هل حان دوري ؟؟

من كان ليصدّق ... ان الصمت ينهار في سوريا ؟؟

لا شك ان مشهد خروج مئات والاف المتظاهرين هاتفين بالتغيير والاصلاح والديمقراطية كان اشبه بتاسع المستحيلات وضرب من ضروب الجنون قبل اشهر في سوريا.

اليوم ومع سقوط حواجز الخوف في كل ارجاء العالم العربي، خرج اهل الشام عن صمتهم. واسقطوا كل الاقنعة بوجه جبروت النظام الحديدي الممسك بزمام الامور منذ عقود. ليفتحوا بأيديهم بوابة سجن اوصد بالاغلال، وليساهموا بانتفاضتهم الناشئة بقدوم ربيع سياسي الى مؤسساتهم وشوارعهم وبيوتهم ومدارسهم واجيالهم، انه ربيع الياسمين التي بدأت براعمه الصغيرة بالازهار.

بشار الاسد يبدو مربكاً في هذه الاثناء. يراقب المشهد الداخلي المتفجّر في بلاده. يحاول قدر المستطاع التعتيم على حجم الحدث. يصارع التغيير بدم بارد. يراقب ما يجري في العالم العربي ويسأل نفسه: "هل حان دوري؟".

خمس عقود من حالة الطوارىء, بطالة ومعاناة اقتصادية, قمع وظلم, ومشاركة ممنوعة, وانتخابات معلّبة, واعتقالات بالجملة... اليوم حان وقت الخروج عن الصمت والانتفاض على الاستبداد.

الاعلام السوري الخشبي تغاضى بشكل تام عما يجري من تظاهرات وتحركات في ارجاء البلاد، اذ خرجت صحيفة "البعث" التابعة للادارة السورية البعثية يوم الجمعة الماضي بخبر رئيسي على صفحتها الاولى تحت عنوان: "استغلوا تجمع المواطنين قرب المسجد العمري، مندسّون يلحقون اضراراً في الممتلكات العامة والخاصة في درعا".

التعامي عن حقيقة ما يجري يثير الغثيان ويكشف تعاطي النظام مع هذه الاحداث من خلال الشائعات ومحاولة التخدير الجماعي لذر الرماد في العيون، اذ يتم تسويق مقولة ان "عملية الإصلاح في البلاد ماضية وتسير بخطا منتظمة يرافقها حملة كبيرة لمكافحة كل أشكال الفساد، وأن كل ما يقلق السوريين أو ما يمكن أن يقلقهم يتم بحثه علناً وفي بعض الحالات مباشرة مع الرئيس بشار الأسد الذي يتابع شؤون المواطنين وهمومهم بشكل دائم". انها بالفعل اعلى درجات النفاق والكذب على الشعوب.

والمضحك في الامر، فقد رأت صحف النظام ان الأفلام التي يتم تصويرها من الهواتف وبثها على موقع «يو تيوب» هي عبارة عن مجموعة اكاذيب لا ترقى الى الحقيقة، اذ اعتبرت ان اغلبيتها مزيف وتستخدم صور قديمة لتجمعات في «سوق الحميدية» وأمام سفارتي مصر وليبيا لدمجها مع صور أخرى وإخراج فيلم على أنه من تظاهرات الاحتجاج. كما تم تجنيد فضائيات لبث الأخبار الكاذبة وأخرى لبث الفتنة والطائفية في مجتمع كان ولا يزال وسيبقى رافضاً لأي خطاب طائفي ولأي فتنة يمكن أن يراهن عليها من يبث كل هذه السموم على قنواته.

اصابع الاتهام  لم توفر روّاد الانترنت، اذ اتهمت "بعض المجموعات المتطرفة من خارج سوريا، والقريبة من عبد الحليم خدام وبعض السفارات الاجنبية بأنها تساهم في تأجيج الحملة والزام الدول الغربية باصدار مواقف تدين سوريا، واثارة الشك في نفوس السوريين انفسهم بأن ما يحصل له ابعاد خطيرة جداً".

نظرية المؤامرة على الدولة الحامية لشعبها وقائدها استمرت في اوساط النظام التي هاجمت موقعي "تويتر" و"الفايسبوك"، زاعمةً ان بعض الجهات المنظمة تبث اخباراً كاذبة لتحريض الناس على التظاهر و«مناصرة إخوانهم المهددين». حيث اتهمت مواقع الانترنت ببث اخبار كاذبة عن محاصرة درعا من قبل الجيش، وعن عمليات إنزال وترهيب للمواطنين "سرعان ما أثبت عقلاء درعا أن لا أساس لها من الصحة".

"أن كل ما ينشر لا يمت للحقيقة بصلة مصممين على ألا يخرب حياتهم وأمنهم أي مجموعة مهما كانت مطالبها لأنهم على ثقة بأن أي مطلب يمكن الحصول عليه من خلال الحوار وإيصال الصوت إلى أعلى المستويات"... هكذا اراد التلفزيون السوري ان يطئمن شعبه الذي لم يعد يصدّق اكاذيب النظام بعد اليوم.

وقد وصلت حدود الوقاحة الى القول انه " تم استقبال المتظاهرون في بأحذية المصلين في الأموي قبل أن يخرجوا وتفرقهم قوات الأمن وكذلك الأمر في حمص أما في بانياس فأخذت التظاهرة الطابع السلمي ولم يقترب منها أحد".

وفي تهديد واضح لمن يطالب بالتغيير، يختم احد "كتبة" المقالات" في احدى الصحف السورية: "ليتذكر الجميع أننا نتعامل هنا مع مجموعات مهنية للغاية تدرك جيداً ما تقوم به من خطوات وهي بحاجة إلى مواجهة شاملة من كل المجتمع السوري".

ان مسيرة التغيير يا سيادة الرئيس بدأت بالفعل، ولا عودة الى الوراء. ولا يفيدكم ارسال الوفود الحكومية، وانقضاض الاجهزة الامنية بلباس مدني على الناس. لان زمن الصمت انتهى، ونظرية المؤامرة والتخويف والترهيب والتعتيم لم تعد تجدي نفعاً... لقد حان دور سوريا ...


سلمان العنداري ... SA

الخميس، 17 مارس 2011

وئام وهاب وميشال عون نموذجاً ... عندما تتجاوز "اخلاق" 8 آذار الاحمر بالخط العريض...

قلة ادب موصوفة .... وئام وهاب - لبنان

وصلت وقاحة وئام وهاب وقلة ادبه السياسي الى حد التطاول المباشر على "مقدّسات" دينية اسلامية بعد وصفه المرأة المحجبة المسلمة في المملكة العربية السعودية بـ"اكياس القمامة" السوداء. الامر الذي اثار حفيظة وغضب عدد كبير من اللبنانيين الذين ملّوا صمتاً وسكوتاً لكلام هذا "النصف وزير سابق" غير المدروس، والمليء بالأحقاد والكره والعنصرية.

تصريح هذا "البوق الاصفر" سخيف وخطير ولا بد من التوقف عنده لرصد مستوى "الحقارة الخطابية" التي وصلت اليها قوى الثامن من آذار في التعبير عن آرائها السياسية.

وليس بعيداً من "تفاهة" وهّاب، أطلّ رئيس تكتل التغيير والاصلاح من الرابية مجدداً ليقصف ويهدد ويتوعد بعد التظاهرة الحاشدة التي شهدتها ساحة الشهداء يوم الأحد الماضي.

حاول عون ومن على منبره البرتقالي "فهم" مضمون الخطاب والمشروع الذي حصلت على اساسه هذه التظاهرة، الا انه لم يجد اي سبب مقنع لاحتشاد مئات الآلاف على ما يبدو. ولكنه شاء التذكير بأن "المسّ بالجهاز الدفاعي للمقاومة سيُقابله 7 ايار جديد".

ولم يكتف الجنرال برمي قنابله الدخانية "المُسيّلة للاخلاق" و"المثيرة للغثيان"، بل كرر موقفه من مسألة "الشهيد" رفيق الحريري الذي قيّمه برتبة "فقيد"، محدداً "اصول" تصنيف الشهداء من وجهة نظره العونية المتعجرفة التي تنسى التاريخ وتحرّف الوقائع، وتقلب الحقائق ببساطة وخفّة وبكثير من الازدراء والاحتقار.

تشتهر قوى الثامن من آذار"بقلة ادب" سياسية موصوفة، وخالية من الادبيات المعهودة. اذ يستخدم ازلامها عبارات سوقية ساقطة لا ترتقي الى مستوى الخطاب السياسي المنطقي والعقلاني الهادىء.

ولا يختلف اثنان على ان "مشروعهم" السياسي يحتاج الى جرعة كبيرة من التعابير "القوية" التي تطبع في "لاوعي" المتلقي، وتحضّه على القبول والرضوخ تحت تهديد قوة خفية لا تقبل الرفض. وها هم اليوم يستمرون بإطلاق التصريحات الفارغة بكل وقاحة.

وليس بعيداً من "ضجيج" وهاب و"عبقرية" اميل رحمة، و"سذاجة" نبيل نقولا، و"دسامة" ميشال عون، و"وسامة" طلّة جبران باسيل، عاد "حزب الله" الى خطابه السابق محذراً من "التطاول" على سلاحه، تحت طائلة قطع الايدي والألسن والأرجل ونحر الرؤوس دون رحمة.

اما عن وسائل اعلام هذا الفريق، فحدّث ولا حرج. اذ تستمر الشاشات الصفراء بخوض لعبة التهويل وبث الشائعات والأكاذيب والتحليلات الخيالية، اضافةً الى عشرات الأقلام "الثقيلة" التي تكتب بحبر جاف على صفحات بعض الجرائد مضخّمة الواقع، ومشوّهةً الصورة التي تساهم بشكل او بآخر في تعزيز ثقافة الرفض والكره والفلتان الكلامي على انواعه.

نهج الثامن من آذار يكمن في "تمجيد الذات" بفوقية غير مسبوقة تسمح لنفسها بتسفيه الطرف الآخر ورفضه وتدنيسه الى حد اتهامه بالعمالة والخيانة والقاء شتى التهم والصفات البالية بحقّه.

أقل ما يُقال عن ممارسات "8 آذار" على الساحة الداخلية بأنها صبيانية ومراهقة وغير لائقة الى اقصى الحدود. هذا ولم نتكلم بعد عن الممارسات الميليشياوية التي قام بها "حزب الله" واعوانه لتحقيق مكاسب سياسية ولتغيير وقلب المعادلات القائمة، واحداث السابع من ايار، وعائشة بكار، وبرج ابي حيدر، ومسرحية "القمصان السود" ماثلة امام الجميع.

وبالعودة الى كلام "المهرّج" وئام وهّاب المُسيء و"المُخجل"، يمكن القول ان تطاوله هذه المرة تجاوز كل الضوابط الاخلاقية وكل الحدود المسموح بها، لأن ما قاله يمسّ بعقيدة وطقوس ومحرمات معينة، مما دفع "مُحرّكه" الاساسي "حزب الله" لاصدار بيان استنكار على وجه السرعة، مع العلم ان "معالي الوزير الاسبق" ناطق رسمي لما لا يريد "الحزب" التصريح به، فكانت السقطة الكبرى في اطار هجومه على المملكة العربية السعودية، عندما "انزلق" لسان "ابن الجاهلية" وقال ما قاله من "اهانات".

طائفة الموحدون الدروز تبرّأت من كلام "ابنها الضال" لأنها تعلم تمام المعرفة ان ما تم التصريح به يمثّل اقصى درجات الإهانة للإسلام في لبنان والعالم العربي والعالم اجمع، وللمرأة المحجّبة، وللإلتزام الديني والشرعي والأخلاقي تجاه الخالق.

وتجدر الإشارة الى ان "التفوّه" بهكذا كلام يضرّ ايضاً المسيحي والمسلم على السواء، على اعتبار ان لبنان بلد متنوع ومنفتح على كل الحضارات والثقافات والديانات والطوائف، الا ان "معالي الوزير اللبق" يريد كسر هذه الصورة "بسخافاته" و"قرفه السياسي" المستمر على الشاشات...

يقول علماء مسلمون ان "المرأة المسلمة لقيت من التشريع الاسلامي عناية فائقة كفيلة. والحجاب او النقاب يعني العفة والطهارة والستر والإيمان والحياء"، وبالتالي فإن التعرض للمرأة المحجبة بالطريقة التي "تفضّل" بها وهّاب بعد وصفها "بأكياس القمامة" يعتبر تجاوزاً للاحمر... وبالخط العريض.

على كل حال، وبالرغم من اعتذار وئام وهّاب المباشر على الهواء، الا ان المطلوب منه بكل بساطة ان "يصمت" وان يقلل من اطلالاته الاعلامية الفاشلة، وان يتقن ولو قليلاً اصول اللياقة والتصرف... اما بالنسبة لقوى الثامن من آذار فالأحرى بها استحداث مدرسة خاصة "بمحاربة قلّة الادب" والتفاهة السياسية بأقرب وقت ممكن. فاقتضى التوضيح.




سلمان العنداري .... SA

الاثنين، 14 مارس 2011

بين لاءات بيروت ولاءات القاهرة ...

لأ في لبنان ولا في مصر - الصورة خاصة بالمدونة
في الوقت الذي كانت فيه قوى 14 آذار في لبنان تتظاهر في ساحة الشهداء وسط العاصمة اللبنانية بيروت تحت شعار "لا لوصاية السلاح والتبعية والتخويف"، استمر الحراك السياسي في مصر بعد شهر من اسقاط نظام حسني مبارك بقوة الشارع والشباب. اذ رفضت معظم القوى السياسية، وأحزاب المعارضة، التعديلات الدستورية المقرر إجراء الاستفتاء عليها يوم السبت المقبل، حيث تقرر حشد المواطنين للمشاركة فى الاستفتاء والتصويت عليها ب"لا".

ودعت الحركة المعارضة  المواطنين للمشاركة فى مظاهرات يوم الجمعة المقبل، لإعلان رفضهم هذه التعديلات، والمطالبة بدستور جديد، باعتبار أن الدستور الحالى سقط بسقوط النظام، فيما أعلن الحزب الوطنى عند دعوة أعضائه للتصويت بالموافقة على التعديلات.

اللافت في الموضوع هو التشابه الكبير في عنوان الحملة التي دعت اليها القوى المعارضة المصرية وحركة الشباب ميدان التحرير تحت عنوان "لا لترقيع الدستور، لدستور فقد شرعيته لدستور يخلق دكتاتور"، وبين الحملة التي خاضتها قوى الرابع عشر من آذار تحت عنوان "لا لوصاية السلاح، لا للعنف، لا للفتنة، لا للاغتيال".

بين لاءات بيروت في لبنان ولاءات القاهرة في مصر الكثير من التشابه. فكما ردد مئات آلاف اللبنانيون شعار "الشعب يريد" اسقاط السلاح وغلبة هذا السلاح في الازقة والاحياء والمدن وعلى الحياة السياسية اللبنانية، ها هم المصريون يقولون "لا" لتعديل الدستور المصري رفضاً لعودة شبح النظام بعد اسقاطه.

يتأثر الجمهور العربي بالشعارات التي تطرح في اكثر من عاصمة عربية. فيثور ويستعير اللافتات والعناوين السياسية ويسقطها على واقعه المذري والصعب والبائس.

 ففي مصر وبعد عقود من الكبت والصمت والحرمان، ثار الشعب بقوة، ونزل على الارض لينهي الاسطورة الفرعونية الدكتاتورية، التي انهكت الاقتصاد المصري وشبابه الذين ضاقوا ذرعاً في امّ الدنيا بفعل تعنت الحزب الحاكم وفريق الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي حرم شعبه نعمة التغنّي بخيرات هذا البلد عبر سرقة الاموال، وحجب الحياة الديمقراطية والحريات الاعلامية والسياسية عنه، وارهابهم بقوة السلاح والقتل بمؤازرة "الشرطة والمباحث في خدمة الشعب".

في لبنان انتفض الشعب اللبناني عام 2005 بعد شهر من اغتيال رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري في قلب العاصمة بيروت. حيث تشكّل رأي عام لبناني صادق واعد ملّ الوقوف على الاطلال والسكوت عن الممارسات المخابراتية التي كانت تقضم البلد وتنهشه آنذاك، فكان 14 آذار 2005، عندما احتشد مئات الآلاف في ساحة الحرية وقالوا كلمتهم الصاخبة التي غيّرت الواقع السياسي واعادت الى البلاد الحياة بعد سنوات من الغطرسة والافتراق بعد 30 عاماً من الوصاية السورية، ومن القبضة الامنية المحكمة على كل مظاهر الحياة.

مشهد بيروت عام 2005 كان الاول من نوعه في غابة الدكتاتورية والقمع والسجن الكبير الذي نعيش فيه، من المحيط الى الخليج، وكادت رياح ربيع بيروت ان تُزهر في كل قطر عربي لولا المحاولات الشرسة من قبل بعض القوى الداخلية والاقليمية للانقضاض على ثورة الارز بثورة مضادة، اعادت زمن الوصاية من جديد بعد ست سنوات. وهي وصاية من نوع جديد تتمثل بالسلاح الغير شرعي لحزب الله التابع للجمهورية الاسلامية الايرانية، والمدعوم بشكل اساسي من سوريا.

"لاءات" بيروت والقاهرة اليوم تتشابهان بكثير من العناوين. ففي لبنان هتافات تقول "لأ" لوصاية السلاح، وفي مصر هتافات تقول "لا" لتعديل خادع يُعيد الحزل الحاكم.

في لبنان ربيع يعود من جديد بعد ست سنوات من الصراعات والتراجعات والمساومات والانتهاكات والاخطاء والاعتداءات. وفي مصر ربيع مُستمر يُصارع ثورة مضادة خفية تريد التسلل الى صورة النظام الجديد، والعودة الى الوراء بشكل مقنّع وزاحف.

اوجه التشابه كثيرة وعديدة لما نعانيه اليوم من استبداد. الا ان اصوات شباب العالم العربي لن تسكت بلاءاتها قبل استكمال كل المطالب، والى حين تحقيق كل الاهداف، وصولاً الى الحرية والاستقلال والسيادة والكرامة الحقيقية...

 انها انتفاضات الكرامة في العالم العربي... من بيروت الى مصر، مروراً بتونس وليبيا، وصولاً الى سوريا... وبلاد اخرى... والحبل على الجرّار.

تحية من القلب الى شباب مصر، من شباب لبنان.

سلمان العنداري ...SA  

مشاهدات من قلب "انتفاضة الكرامة": حضور جامع... وحوارات لا تنتهي... وكلمة سواء

مشهد اقرب الى العام 2005 ... الصورة لميشال صايغ - النهار

بالامس... امتلأت ساحة الشهداء بالأحرار من كل المناطق والفئات والطوائف والأحزاب. جاؤوا واسمعوا العالم كلمتهم من جديد. سبقوا قياداتهم كعادتهم. رفضوا الإنحناء بوجه العاصفة. رفضوا المساومة والإستسلام والسكوت عن الحق والتفريط بالمكتسبات. فكان يوماً جامعاً صاخباً صارخاً بكل ما للكلمة من معنى.

التجوال وسط مئات الآلاف من اللبنانيين هو لأمر ممتع ومؤثر بالفعل. فالسير في قلب بيروت بين شعب البلد وناسه واهله واحراره يُكوّن صورة وطنية جامعة تعزز الشعور بالفخر والعزة والكرامة وسط صورة متنوعة وغنية وحضارية تعكس عمق التضامن الإسلامي المسيحي وحرص اللبناني على مستقبله رغم كل الاختلافات والانزلاقات الضيقة نحو الطائفية والمذهبية في كثير من الاحيان.

تجولت في الساحة، تحدثت مع الناس التي قالت ما في جعبتها والتي سلّمت الامانة الى قادتها من جديد بعد ازمة ثقة امتدت اشهر من التراجعات والمساومات والاحباطات.

"الامر الوحيد الذي تستحقه الحياة هو ان تقول الحقيقة وتعمل لاجل الحقيقة – الشهيد كمال جنبلاط"... بهذا القول اللافت لزعيم قصر المختارة الذي اغتيل في السادس عشر من اذار عام 1977 اكثر من اشارة. اذ حرصت قوى 14 آذار على محاكاة كل من الشارع الشيعي والدرزي في التظاهرة من خلال توزيعها لعشرات اللافتات العملاقة في ارجاء الساحة التي كتب عليها مجموعة اقوال بارزة لرموز وطنية حفر اسمها في التاريخ امثال الشهيد كمال جنبلاط، لتأكيد انتماء الدروز الى 14 آذار، ولاستقطاب مجموعات جديدة من المستقلين الشيعة من جهة اخرى.

وفي رسالة واضحة لقيادتي "حزب الله" و"حركة امل" تناولت احدى اللافتات مقولة شهيرة للامام المغيب السيد موسى الصدر: "لن نسمح بأن يدخل في صفوف طائفتنا رجال صغار... وليذهب المأجورون ولو لبسوا لفّات وسمّوا انفسهم ائمّة". واخرى للامام محمد مهدي شمس الدين تقول: "اوصي ابنائي الشيعة ان لا يخترعوا لانفسهم مشروعاً خاصاً".

وخلال جولة في ارجاء الساحة، التقيت روى خضر من منطقة كليمنصو التي شاءت ان توجه رسالة الى الرئيس سعد الحريري تدعوه فيها "ان يستمر في مواقفه السياسية الجريئة وان لا يستسلم او يتراجع او يساوم او يخاف، و ان لا يتخلى عن الخيارات التي اعلنها اليوم امام مئات الالاف من اللبنانيين".

وبالقرب من حديقة سمير قصير، اكدت السيدة الهام الهنداوي من منطقة الحدث انها لا تنتمي وعائلتها الى اي فريق سياسي في لبنان، وهي مستقلة، الا انها قررت المشاركة في هذه التظاهرة نظراً لأهميتها على الصعيد الوطني والشعبي كونها تحدد مستقبل ابناء هذا الوطن لأن العيش تحت رحمة السلاح الغير شرعي لا يجب ان تستمر، خاصةً وان التجارب السابقة لم ينتج عنها سوى مزيد من الكوارث والاحقاد والانقسامات وهجرة ابنائنا، وتراجع احوالنا الاقتصادية".

واضافت السيدة الهنداوي: "فرضنا كلمتنا اليوم بهذا الحشد المفاجىء والكبير والضخم، نريد ان نعيش بسلام وأمان من دون استمرار العنف والقتل والتعصب... "وكرمال ولادي والاجيال القادمة" سنبقى مستمرين على هذا الدرب الطويل مهما اشتدت بنا الايام ومهما عظمت الصعاب".

بالقرب من جريدة النهار مجموعة من الاطفال يهتفون: "بتحبّوا مين؟ ... سعد الدين، وحبيبكن مين... سعد الدين".... وعلى بعد امتار من مبنى الجريدة العريقة حدّثتنا سيدة من الاشرفية عن الشهيد جبران تويني وقالت: "اشتقنا لقلم جبران ولكتاباته ولآرائه الصارخة بوجه اي وصاية وضد اي قوة خارجة عن الشرعية، ولطالما رفع ديك النهار هذا الصوت عالياً وقال لا لسلاح "حزب الله" الذي لم يتركنا طوال سنوات مضت".

سجّلت التظاهرة حضوراً لا فتاً للطائفة الدرزية من الشوف وراشيا والمتن الاعلى والشويفات وعاليه، وارتفعت اعلام الحزب التقدمي الاشتراكي وصور الشهيد كمال جنبلاط، واللافتات التي تؤكد على تمسّك اهالي الجبل بمبادىء وقيم انتفاضة الاستقلال رغم ابتعاد رئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط عنها.

التقيت بثلاث سيدات من منطقة الشويفات يحملن شعار "شباب الجبل" ولافتات رافضة لسلطة السلاح. اذ ترى هدى حيدر ان "المشاركة الدرزية تعكس موقف الشارع في عاليه والمتن والشوف بأن لا تخل عن انتفاضة الاستقلال والنضال من اجل الوصول الى الحقيقة والعدالة ومن اجل محاسبة كل من اراق الدماء في الاحياء والازقة والشوارع".

تتنهّد هدى، فتُكمل سناء عبد الصمد الحديث وتقول: "روح ثورة الارز باقية في كل بيت درزي في الجبل، رغم ان الاعداد لم تكن هائلة بحجم المشاركات في الاعوام السابقة، الا اننا كنا وما زلنا نشكل عصب ثورة الارز وشعلة الحرية التي لم ولن تنطفىء".

اما جنان حيدر فترفع الصوت عالياً وتستذكر ما حصل في احداث 7 ايار 2008 عندما حاول "حزب الله" اجتياح الجبل، وعندما دخل الى منطقة الشويفات واعتدى على المواطنين الابرياء، "فهل يُعقل ان نساوم مع هذا السلاح المجرم وننسى جثث الضحايا والشهداء والدماء التي سُفكت هدراً؟ وهل يعقل ان ننسى الانتهاكات اليومية التي يقوم بها هذا الحزب في محيط الشويفات وعرمون ومناطق كثيرة من لبنان؟".

تلتقط هدى انفاسها وتختم الحديث: "لا لن ننسى، ولن نهادن بعد اليوم مع "حزب الله"، واستشهد هنا بقول للمعلم الشهيد كمال جنبلاط قال فيه: "اذا خيّروك بين ضميرك وحزبك فإختر ضميرك ونحن اخترنا ضميرنا مع فائق احترامنا للرئيس وليد جنبلاط وحزبه".

ومن منطقة شبعا الجنوبية قدم الآلاف من المواطنين الى قلب بيروت ليقولوا كلمتهم. الشابة زينة التي تبلغ من العمر 23 عاماً تشدد على رفضها لمنطق السلاح والتهديد والوعيد والتسلّط الذي يمارسه "حزب الولي الفقيه في لبنان"، "خاصة وان شبعا تُهدد كل يوم وتدفع وكثير من القرى الجنوبية الاخرى ثمن انتماءها السياسي لخط لبنان اولاً الذي يتناقض مع مشروع "حزب الله"، ولهذا جئنا الى الساحة لنقول لا للعنف والهيمنة والتهميش وخطف صوتنا".

وفي احدى "زوايا" الساحة هتافات تقول: "الضنيّة ستكمل المشوار مع الشيخ سعد"... يبتسم الرجل الشمالي ويقول بالصوت العالي : "سننتصر يا شيخ سعد سننتصر بإذن الله"... لتلتفت شابة وترد عليه: "تأكد يا استاذ ان اليوم سيشكّل بداية طريق النضال لإسقاط السلاح الغير شرعي في لبنان"...

وعند مدخل الشخصيات السياسية والاعلامية تقف سيدة عجوز تحمل علماً لبنانياً. ومن يراها يخالها "رجل امن" يسهر على امن التظاهرة المليونية. لم تهدأ تلك السيدة بحركتها وبهتافاتها المؤيدة لقوى الاستقلال في لبنان... تقول: اهلا وسهلا بالابطال، اهلا وسهلا بالابطال"، ثم "تغيّر النغمة" وتردد: "قولوا الله يا جماعة، اليوم رجّعنا كرامتنا... قولوا الله"، ليرتفع التصفيق الحاد في المحيط.

من طرابلس يُبدي محمد المصري غضبه من التصرفات الكيدية التي يقوم بها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي في الشمال، لافتاً ان وجوده في الساحة اليوم "ليس الا تأكيداً على خياراتنا الوطنية ورفضاً لسلاح الغدر والقتل والارهاب، لان لا سلاح الا سلاح الشرعية اللبنانية المتمثل بالجيش اللبناني والاجهزة الامنية التي تخضع لسيادة وقرار الدولة فقط لا غير".

وانتقد المصري ممارسات "حزب الله" الشاذة في كل المناطق اللبنانية وخاصة في منطقة الشمال وطرابلس على وجه الخصوص حيث يستمر في تسليح بعض الجماعات والعناصر من اجل اذكاء نار الفتنة واشعال فتيل التوتر في كل مرة يجد فيها نفسه "محشوراً" بالسياسة، وهو امر يجب ان يتوقف كلياً".

وفي نقاش مهم، جمعت بالصدفة شاب من بعلبك من الطائفة السنية وآخر من الجنوب من الطائفة الشيعية، حيث تم الاتفاق على ان "لا مبرر لوقوع فتنة بين الشيعة والسنة في لبنان، لأن "حزب الله" لا يُمثّل سوى نفسه، فتعاليم الطائفة الشيعية لا تحرّض على العنف واستخدام السلاح بالداخل، وبالتالي فان معركتنا السياسية موجّهة ضد هذا الحزب وليس ضد هذه الطائفة او تلك او هذا المذهب او ذاك بأي شكل من الاشكال".

الكلام يطول والمشاهدات لا تنتهي. والحوارات ايضاً لا تنضب و لن تجف من الذاكرة. لأن ما شهدته ساحة الحرية بالأمس كان مؤثراً، ساحراً، لا بل أخّاذاً يخطف الأنفاس.


سلمان العنداري ...SA

السبت، 12 مارس 2011

كتاب مفتوح الى ابناء الجبل قبيل ساعات من يوم 13 آذار 2011

وليد بك... ماذا فعلت بانتفاضة الاستقلال؟

"ان احترام انتفاضة الاستقلال يفترض على من كان من داعميها، ألا يضع نفسه في منأى عن رياح الحرية التي اطلقتها". سمير قصير

قبيل ساعات معدودة من موعد لقاء شعب ثورة الارز للسنة السادسة على التوالي في ساحة الحرية، تترقّب الكثير من الاوساط حجم المشاركة الشعبية لاهل الجبل عموماً, والدروز ومناصري الحزب التقدمي الاشتراكي على وجه الخصوص.

وبين انتقال النائب وليد جنبلاط الى الضفة الاخرى بعد مواقف متدرجة اتخذها، كان اخرها اعلان انحيازه الكامل لقوى الثامن من آّذار، ووصفه ما تقوم به قوى الرابع عشر من آذار بحرب حضارات طائفية ومذهبية، وبعد انقطاع العلاقة بينه وبين رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري والتي وصلت الى حد الطلاق الكامل. يطرح السؤال التالي: كيف ستكون طبيعة المشاركة الشعبية في الذكرى هذا العام، والى اي حد ستغصّ ساحة الحرية بأبناء الجبل؟.

مما لا شك فيه ان جمهور الجبل والحزب التقدمي الاشتراكي سيكون وفياً للمعنى السياسي والوطني لانتفاضة الاستقلال، لأنه كان ولا يزال يشكّل جزءاً اساسياً من التكوين اللبناني، وبالتالي فإن المشاركة الكثيفة لهذه الفئة التي تحمل روحية ثورة الارز قلباً وقالباً في إحياء الذكرى السادسة لانطلاق الانتفاضة في ساحة الشهداء، تشكّل رسالة حقيقية وقاطعة، وتؤكد استمرار النضال في ثورة الارز، والتمسّك بثوابت العبور الى الدولة، واعادة احياء الحلم اللبناني "الصعب"، رغم التموضعات والتبدلات.

ان حضوركم الكثيف في ساحة الشهداء يوم الاحد هو مسألة طبيعية. فشابات الجبل وشبابه يحملون معاني انتفاضة الاستقلال اينما ذهبوا وتواجدوا، وبالتالي فإن احترام انتفاضة الاستقلال يفترض على من كان من داعميها، ألا يضع نفسه في منأى عن رياح الحرية التي اطلقتها، ولهذا فإن المشاركة الشعبية الدرزية يوم غد ضرورية لعدة اسباب:

• ان النزول والمشاركة والوقوف الى جانب الشعارات التي لم تتحقق بعد من اجل الوصول الى الدولة هو امر جوهري واساسي بعد ما ذاق اللبنانيون ذرعاً من اعتداءات السلاح واصحابه بالتهديد والوعيد والقمصان السود، من دون ان ننسى النزول الى الشوارع لاكثر من مرة لتغيير المعادلات السياسية بقوة الامر الواقع... وصوت الرصاص.

• إن جراح 7 ايار لا يمكن ان تعالج بمجرد الانتقال من مكان الى آخر، ومن ضفة سياسية الى اخرى، والسلم الاهلي والاستقرار لا يمكن ان يتحقق بالتخلي عن شعارات سيادية اساسية تعني اكثرية الشعب اللبناني.

• إن الوسيلة الاساسية لترسيخ الاستقرار في البلد يكمن بالتأكيد على الوحدة الاسلامية المسيحية الجامعة، والتي تمظهرت وتجسدت في المشهد المليوني الذي يتكرر كل عام في ساحة الشهداء، ولهذا فإن الحضور القوي والفاعل والمتفاعل يوم الاحد يؤكد هذه الصورة، ويمتّن السلم الاهلي بكل ابعاده.

• ان تجنيب الطائفة الدرزية الويلات والضغوطات المتراكمة بعد احداث السابع من ايار 2008، لا يعني بتاتاً الابتعاد عن الخط الاستقلالي والسيادي الذي رسم بدماء العشرات من المفكرين والسياسيين وقادة الرأي في البلاد، ولهذا فالمشاركة واجبة في 13 آذار 2011.

• إن رئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط سيبقى قائداً اساسياً ومساهماً رئيسياً في ثورة الارز رغم ابتعاده عن هذه الحركة الا انه قلباً وقالباً مع شعاراتها ومشروعها السياسي، رغم قضفه الجارح لشعارات هذه الحركة وتاريخها لاكثر من مرة، فان شعب وقادة 14 آذار يكنون له كل الاحترام ويتفهمون موقفه الحالي رغم كل شيء.

عليكم ان تعوا يا شباب الجبل الاوفياء، أنكم انتم من صنعتم ثورة الارز من خلال نضالاتكم اليومية في الساحات لسنوات وسنوات. وانتم من مشى وراء الجنازات تلو الجنازات، وحمل الاحلام الكبيرة والصغيرة بأمل مصالحة الحاضر والتعلم من الماضي لتغيير المستقبل .

بفضلكم يا شباب الجبل تحقق الانسحاب السوري في نيسان 2005، وانهار النظام الامني العابث بالحريات، وانطلقت اعمال المحكمة الدولية، و"دشّنت" العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، وتعزز مفهوم الاستقلال والسيادة والحضور اللبناني في المنطقة، وبفضل صبركم وتعاليكم عن الجراح منعتم الفتنة مرات ومرات من اجل وحدة لبنان ومنعته.

تذكروا ان نضالكم الطويل من اجل شعار الدولة واقتراعكم لمشروع العبور اليها، ودفعكم الاثمان الباهظة من اجل تأكيد خيار لبنان في حريته وعروبته واستقلاله، تحقق بنزولكم الى ساحة الحرية مراراً وتكراراً رفضاً للحرب والقتل والاغتيال والتزمّت والتقوقع من جديد.

المسيرة لا بد لها ان تستمر رغم كل التبدلات والتراجعات والتغيرات، لأنها لا يمكن ان تختصر بسنة من هنا وسنة من هناك. هي سيرورة وصمود سياسي يتطلب وقتاً مديداً كي يثمر، ونضالات طويلة وتضحيات كبيرة كي تتحقق. والكلّ على ثقة انكم ستملأون طرقات وساحات بيروت غداً، وفاءاً للمعلم كمال جنبلاط والرئيس رفيق الحريري وسائر الشهداء الابرار، ومن بينهم لطفي زين الدين وغازي ابو كرّوم وشهداء السابع من ايار، وشهداء انتفاضة الاستقلال والحرية على السواء.

يا شباب الجبل، قفوا اليوم وقفة جريئة مع الذات اولاً، ومع وطنكم ثانياً، وشاركوا في الحشد الكبير بالغد وفاءاً لكل النضالات السابقة، وتأسيساً لمرحلة جديدة على طريق العبور الى الدولة الجامعة، ورفضاً للقمصان السود، ولمن هدد عيشكم واستقراركم وامنكم. قولوا لا للسلاح الغير شرعي بصوت عالي دون اي تردد.

تذكروا يا شباب الجبل انكم كنتم في مقدمة الحركة الشعبية بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حينها خضتم اشرس المعارك السياسية يداً بيد مع وليد بيك الذي تحدى كل الصعاب، وكسر كل الحواجز، ومشى في الجنازات تلو الجنازات لرفاق درب اغتيلوا دفاعاً عن الدولة.

انتم من تعالى على الجراح والآلام في كل مرة كان يتهدد فيها السلم والاستقرار الاهلي، وانتم من دفع الاثمان غالياً في سبيل حرية لبنان وكرامته ومستقبله وامنه، وانتم الذين شددتم على ايادي المتراجعين والمستسلمين داعين اياهم لعدم الاحباط واليأس والقنوط، "لأن المسيرة طويلة وتتطلب الكثير من الصمود والتضحيات".

معكم تستمر ثورة الاستقلال والحرية، ومن هنا دعوة من القلب الى القلب للمشاركة الكثيفة غداً ليبقى الجبل القلب النابض لكل لبنان وشعبه الى ابد الآبدين.


سلمان العنداري ...SA

تانيا قسّيس التي أبكت سعد الحريري تتحدّث: طفولتي عشتها بين مسجد وكنيسة

صوت .. رسالة ... رقي ... انها تانيا قسيس
صوتها الرائع... الراقي... الهادىء... نظراتها، حزنها، عمقها، اطلالتها، تأثرها، روحها الوطنية الحرة... كلّ تلك الصفات دفعتني للقاء تانيا قسيس الفنانة اللبنانية التي تحمل في حنجرتها رسالة حضارية جامعة اسمها لبنان...

شقّت السوبرانو اللبنانية تانيا قسيس طريقها الخاص في الفن والغناء وفق نهج الحوار والتلاقي والعيش المشترك وانسجام الاديان والسلام، ليتحول صوتها الى رسالة انسانية حقيقية وجامعة بكل المعاني، ورمزاً للتواصل الانساني الاصيل.


قسيس التي انشدت في الذكرى السادسة ليوم الرابع عشر من شباط مقطوعة "افي ماريا" في مزيج اسلامي مسيحي مميّز، خلقت لحظة مؤثرة جداً أدت الى انهمار الدموع من عيني الرئيس سعد الحريري ابن رفيق الحريري الذي استشهد ورفاقه في مثل ذاك اليوم في منطقة السان جورج في العاصمة بيروت.


صوت تلك الفنانة الشابة ينساب بسلاسة الى الآذان، لا بل يغور دون استئذان الى اماكن شديدة العمق والحميمية في القلوب، ليحاكي في انغامه الذهبية النادرة روحنا وتاريخنا وذاكرتنا، وليسلط الضوء على طريقة تعاطينا وعلى نمط عيشنا وتميزنا وتنوعنا طارحاً مئات الاسئلة وعلامات الاستفهام...


يحرّضنا صوت تانيا قسيس على الواقع الذي نعيشه اليوم. فرغم الايقاع الهادىء الذي تؤديه، الا ان صخب الالحان التي تنشدها يخلّف فينا جرحاً كبيراً يفتح في بالنا تساؤلات عديدة، ويحثنا على الانتفاض على ما اقترفته ايادينا من اخطاء بحق حريتنا وهويتنا وانتمائنا لوطن لم نعرف قيمته الى هذه اللحظة.


تؤمن تانيا بأهمية التضامن والعيش الاسلامي المسيحي المشترك في بلد كلبنان الذي يحتض اكثر من 18 مذهب... كيف لا وهي التي نشأت في حيّ شعبي في العاصمة بيروت يقع بين مسجد وكنيسة حيث يختلط صوت الآذان مع التراتيل الساحرة التي كانت تصدح في الأرجاء، لتترسخّ فيها شخصية الشابة المنفتحة على كل الاديان، والمحبّة للسلام والتناغم الكوني.


اقامت تانيا لاكثر من سبع سنوات في العاصمة الفرنسية باريس. فكانت المغتربة المشتاقة الى وطنها. الانسانة التي تعيش حنيناً لبيروت ولأصوات الناس ونبض الشارع وفرح الأطفال وصلوات الرهبان والمشايخ. ومن هنا كانت ايقونتها الباهرة "افي ماريا" التي اطلت بها في اكثر من مناسبة، وآخرها من مجمع البيال خلال الذكرى السادسة لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، حيث ادت ترتيلة موسيقية "رائعة" امتزجت معها التراتيل برفع الآذان وعبارة "الله واكبر" وسط مؤثرات بصرية وسمعية باهرة حرّكت المشاعر وادمعت العيون.
لحظة انهمار دموع سعد الحريري اثناء اداء تانيا لأفي ماريا
تقول قسيس في حديث خاص معها انها اكتشفت في دموع الرئيس سعد الحريري "الانسان الرقيق والحساس، وصورة الابن الذي يبكي على فقدان والده واحبائه الذين رحلوا دفاعاً عن بلدهم، اذ ان تناول قضايا تتعلق بالحياة والموت يجعل الفرد مكشوفاً امام مشاعر لا يستطيع كبتها او تخبئتها، والدمعة التي ذرفها الرئيس الحريري اثناء تأديتي للترنيمة كان لها دلالاتها ورمزيتها البالغة في النفوس".


تشدد قسيس انها لا تنتمي الى اي حزب او فريق سياسي، "لانني كفنانة ارتضيت حمل رسالة جامعة لكل الناس والاديان، وان اعمل على تعميق مفهوم التعاون والتضامن ومنطق الوحدة والسلام، وحلمي الكبير ان تنتشر هذه الرسالة في كل مكان من هذا العالم".


تتمسك تانيا بالوصية التي اطلقها الشهيد جبران تويني من ساحة الشهداء في يوم 14 آذار 2005، عندما شدد على ضرورة الوحدة المسيحية الاسلامية الى ابد الابدين، اذ تعتقد ان "هذا البلد لا يمكن ان يستمر او ان يتقدّم من دون هذا التضامن الاسلامي المسيحي، وأيضا دون هذا التنوّع الثقافي والحضاري والسياسي، ولهذا فلا بد من الحفاظ على هذا الغنى الذي يتميز به لبنان عن اي بلد آخر".


مئات الآلاف من لبنان ودول العالم تداولوا على مواقع التواصل الاجتماعي الترنيمة الموسيقية المميزة التي ادّتها قسيس، الامر الذي دفع احد الذين أبهروا بمقطوعتها للقول: "ما غنّته تانيا يصلح ان يكون نشيداً وطنياً جديداً للبنان نعيد على اساسه صناعة المستقبل والتأسيس للحظة جديدة عمادها الاساسي الحوار والتفاهم وحبّ الوطن"...


لن تتمكن تانيا قسيس من المشاركة هذا العام في يوم 13 آذار في ساحة الشهداء نظراً لارتباطها بالتزامات عمل في الخارج، الا انها ستتابع عن كثب ما سيشهده وسط العاصمة من تجمّع شعبي حاشد، "على امل ان تكون كل الساحات مليئة بكل فئات الشعب اللبناني دون استثناء في السنوات القادمة، لان الوحدة الوطنية هي وحدها القادرة على رأب الصدع وعلى اعادة لبنان الى سابق عهده من جديد".



الجمعة، 11 مارس 2011

في قراءة نقدية جريئة وهادئة لانتفاضة الاستقلال: على 14 آذار ان تقطع يدها وان تبتعد عن كل اشكال الفساد والتعصّب

حركة 14 آذار بحاجة الى انتفاضة داخل الانتفاضة

في اطار عملي الصحفي وتغطيتي اليومية للحراك السياسي الذي يسبق يوم 13 آذار 2011 حيث تحيي قوى 14 آذار الذكرى السادسة لانتفاضة الاستقلال. وانطلاقاً من مقولة الشهيد سمير قصير الذي طالب بانتفاضة داخل الانتفاضة، التقيت عدداً من المفكرين البارزين في 14 آذار وتحدثت معهم عن ابرز الاخطاء التي قامت بها تلك القوى على مدى السنوات الست الماضية.

"اذا كان يوم 25 كانون الثاني 2011 هو يوم اسقاط النظام المصري بواسطة الشعب المصري. واذا كان يوم 14 كانون الثاني 2001 هو يوم اسقاط النظام التونسي بواسطة الشعب التونسي. فإن يوم 14 آذار 2005 كان يوم اسقاط نظام الوصاية السورية وأتباعها في لبنان"... بهذه الكلمات يتوجه رئيس تحرير مجلة "الشراع" الزميل حسن صبرا من القاهرة في حديث خاص ومشوّق بمناسبة مرور ست سنوات على انطلاق انتفاضة الإستقلال بقيادة "الشعب اللبناني".

يلفت صبرا الى ان "يوم 14 آذار اللبناني سبق ثورة شعوب مصر وتونس وليـبيا واليمن... والبقية تأتي"، واصفاً ما حدث بأنه "اول ثورة شعبية عربية في القرن 21 وهو امر كان مستحيلاً دائماً في لبنان، لأن الانقسامات الطائفية والمذهبية هي التي كانت العائق الاكبر أمام اي تحول جذري، او بناء استقلال حقيقي، او اقامة وطن عادل شامل حاضن".

ثورة 14 آذار اللبنانية بالنسبة لصبرا تجاوزت هذا المستحيل، وكانت ثورة وطنية لبنانية، قام بها اللبنانيون جميعاً ولم يجرؤ احد على مجابهتها في حينه خجلاً وخوفاً وارباكاً وانتظاراً. وبعد ست سنوات على قيام ثورة 14 آذار في لبنان فإن ابرز سماتها العظيمة ان جمهورها الوطني ما زال سابقاً لقياداتها جميعاً، وما زالت الجماهير الوطنية موحدة، محفزة على الاستمرار، ومستعدة للتضحية، ووفيّة لكل الاستحقاقات الوطنية في الانتخابات النيابية والبلدية والمهنية والجامعية وفيّة لمبادئها".

بدوره يرى الدكتور في الفلسفة والتاريخ انطوان قربان ان "ما حصل في 2005 ليس ثورة بل كان انتفاضة لم تتحول الى ثورة، وكان يجب علينا استكمالها في اليوم التالي كي تتحول الى ثورة حقيقية، كما قال سمير قصير انتفاضة داخل الانتفاضة، الا ان قوى الاندفاع لهذه الانتفاضة تحولت الى قوى طائفية محافظة كلاسيكية اقطاعية رجعية".

واضاف: "هذه القوة الجماعية التي ظهرت في 14 آذار 2005 صبّت في خانة قوى كلاسيكية حزبية معروفة، واصبح كل طرف يحاول تقوية موقعه وحضوره ضمن هذه الحركة على اساس طائفي وحزبي ضيّق على حساب العناوين الكبرى، وهنا تكمن الإشكالية الأساسية، اذ ان الإنتفاضة لم تستكمل كما يجب، وكان يفترض حينها ان تقوم الثورة على النظام الطائفي الذي يعتبر السرطان الأكبر الذي ينهش الدولة ومفهومها".
كتبت الدكتورة منى فيّاض عام 2006 مقالة تحت عنوان "قراءة سوسيولوجية لانتفاضة 14 آذار 2005"، اعتبرت فيها ان "الحشود التي اجتاحت الساحات ومن اعتصموا في ساحة الشهداء يساهمون في صناعة التاريخ".

اليوم وبعد ست سنوات من انتفاضة الإستقلال ويوم 14 آذار 2005 ومع تغيّر الأوضاع السياسية والمعادلات، تؤكد فيّاض على اهمية ورمزية هذا النهار التاريخي "الذي شكّل نموذجاً مهماً للإنتفاضات الشعبية الحقيقية، فكان التجمّع الحاشد من اكبر المظاهرات التي حصلت في التاريخ، لأن عدد الحشود التي قدرت بنحو مليون الى مليون ونصف مواطن تعني ان نصف القوى اللبنانية الفاعلة بمجمل القطاعات والطوائف نزلت الى الشارع وشاركت بقوة، وكانت مطالبها سلمية وتغييرية تهدف الى الحفاظ على السيادة والاستقلال والحرية، وهذه الشعارات هي نفسها التي تحرك كل شوارع العالم العربي اليوم".

فيّاض، الاستاذة الجامعية والباحثة الاكاديمية وفي اتصال معها، تصف ما حصل بأنه "انتفاضة نموذجية تشكل مرجعية اساسية لكثير من التحركات السلمية في العالم"، الا انها شاءت ان تقدّم قراءة نقدية صريحة وواضحة وشفافة لواقع ثورة الارز وحركة الرابع عشر من آذار.

ترى قيّاض ان حركة 14 آذار انطلقت بمجمل قطاعات الشعب اللبناني، الا ان الشباب اللبناني لم يكن له فيها الدور الاساسي، بالرغم من حضوره المميز وبلورته للمطالب واصراره على البقاء في الساحات الى حين تحقيق المطالب المطروحة، الا انه سرعان ما انقضّ السياسيون التقليديون، ودخلوا على الخط، لتدخل الانتفاضة في بازار المساومات منذ انتخابات عام 2005 حتى اليوم".

"الثورة تقهقرت بفعل التسويات والفساد والتراجعات التي قُدمت"، الا ان فيّاض تعطي عذراً مخففاً لما وصلت اليه الامور، "لانه كان من الصعب جداً مواجهة الهجمة الشرسة التي تعرض لها هذا الفريق، من استكمال مسلسل الاغتيال والقتل زعزعة الاستقرار"، مع الاشارة الى ان الانتفاضة اندلعت بالاساس احتجاجاً على الاغتيال الذي ادى بحياة الرئيس رفيق الحريري في السان جورج في بيروت.

وبرأي صبرا فإن "قيادات 14 آذار ليست على مستوى تضحيات وآمال وتطلعات شعبها الوطني المترامي الاطراف، اذ اخطأت قياداتها في ترك اميل لحود في سدة الرئاسة عندما كانت الثورة في زخمها. وكانت الثورة في قمة احتضانها ودفعها لقيادات نحو التحرر الفعلي، واخطأت هذه القيادات في غض الطرف عن سلاح حزب الله، والكارثة حتى الآن انها ما زالت تفصل وتميز بين ما يسمى سلاح المقاومة ضد اسرائيل وما يسمى سلاح المنازلة الداخلية".

يتابع صبرا قراءته للاحداث ويسأل: " هل استشارت قيادات 14 آذار جمهورها في توجهها نحو سوريا؟ وليد جنبلاط وسعد الحريري لم يستشيرا احداً... فقط الجبن والحسابات الخاطئة والضعف والجهل دفع هذه القيادات الى مغادرة وطعن اهم انجازات الثورة: اسقاط نظام الوصاية السورية وأتباعه في لبنان".

ويتابع: "لماذا اهملت 14 آذار الجمهور الشيعي المستقل وظلت مبايعة للثنائية الشيعية التي كانت وما زالت تجلدها ليل نهار؟ هل هي السادية السياسية، ام الجهل السياسي ام الكسل ام الخوف؟"

اما قربان فيلفت الى ان "ارادة الشعب اللبناني التي عبّر عنها يوم 9 حزيران 2009 في الانتخابات النيابية وصناديق الاقتراع لم تحترم، ان من خلال استخدام العنف عبر التهديد بالسلاح، او عبر الألاعيب السياسية التي قامت بها القوى التي انتخبت، على اعتبار ان الشعب انتخب ممثليه للوصول الى الحكم بشكل ديمقراطي ومن اجل العبور الى الدولة، وليس من اجل المساومة وفرض التسويات بأي شكل من الاشكال".

ورداً على سؤال عما اذا كانت قوى الرابع عشر من آذار ستتخطى عقدها ومشاكلها وتراجعاتها في المرحلة المقبلة، تستشهد فيّاض بالشاعر المصري حافظ ابراهيم الذي فكّ قيوده وتحرر من اسره بقطع يده، اي انه استغنى عن جزء من جسده لكي يتحرر، "ومن هنا على 14 آذار ان تتخلى عن بعض المصالح الفئوية الضيقة وان تقترح برنامجاً جريئاً يريده الشباب، وان تحرر نفسها من الطائفية ووحول المذهبية، ولهذا فلا بد من الاستغناء عن الاخطاء بأسرع وقت ممكن".

القيادات في 14 آذار متخلفة عن جمهورها العظيم الذي كان يحضن شيعة الوطن المستقلين حين كانت قياداتها تهرب منهم... هذا هو الفرق بين 14 آذار 2005 و13 آذار 2011 بحسب صبرا الذي يرى ان "14 آذار في السلطة اخطأت، الا انها في المعارضة لا تملك ان تخطىء بل ان تصحح مسارها، صورتها، علاقاتها، وان تعيد ترتيب اولوياتها".

وتضيف: "على 14 آذار ان تناضل من اجل اقرار قانون انتخابي تمثيلي حقيقي يسمح لكل مكونات المجتمع اللبنانية بالمشاركة في الحياة السياسية، وان تسعى لاقرار قانون احوال شخصية مدني اختياري، رغم اعتراض المرجعيات الدينية عليه، على اعتبار ان مثل هذه الخطوات من شأنها ان تخفف من حدة الطائفية البغيضة، وان تحقق آمال الشباب".

من جهتها تطالب فيّاض قوى 14 آذار بإفساح المجال امام القيادات الشبابية لكي تشارك بشكل فعلي بالحياة السياسية، حيث يجدر بها ان تتحدى طوائفها ومذاهبها، وان تذهب الى 14 آذار حقيقية تثور من خلالها على كل اشكال الفساد والفوضى والتعصّب، ولهذا لا بد ان يكون هناك دور حقيقي للشباب للانتصار على العقلية القديمة وتغييرها".

هل ستخرج الرابع عشر من آذار من عقدتها وتكف على جلد ذاتها؟... تجيب فيّاض: "الاحتمال وارد، ولكنه ليس الغالب، اذ ان المطلوب هو اتخاذ خطوات اكثر جرأة واكثر تقدماً من تلك التي رأيناها في احتفال البيال الأخير، فالمطلوب تحسين الاداء والممارسة واعتماد الوضوح في الرؤية".

واذ تطالب فيّاض قوى الرابع عشر من آذار بمخاطبة الشارع الشيعي بعمق من اجل استقطاب المستقلين في الطائفة الشيعية، تجدد دعوتها "القوى لإصلاح نفسها من الداخل على كل الاصعدة، وللخروج من كل العقليات القديمة، ولإطلاق الحريات، ولخلق آلية ديمقراطية حقيقية داخل الاحزاب، واعتماد اسلوب المخاطبة بالعقول".

هذا ويطالب قربان بخلق نوع من توازن قوى داخل البلد من خلال طرح معطيات جديدة قادرة على مجابهة هذه الارداة المسلّحة، وهذا لا يعني الاتجاه نحو التسلح، بل باعتماد الوسائل الديمقراطية والتجمهر هو واحد منها". اذ رأى ان "العودة الى المعارضة من جديد تعتبر خطوة اساسية في المعركة السياسية بمواجهة ارادة "حزب الله" المسلحة المناقضة لمفهوم الدولة، لان المعارضة تحررنا من كل القيود".

بالمحصلة، وبالرغم هذه الصورة الضبابية قد تكون قوى 14 آذار قادرة على طرح وتنفيذ برنامج سياسي تخرج به للمرحلة المقبلة، على اساس "العودة الى الجذور" تماماً كما قال الرئيس سعد الحريري في قاعة البيال في الذكرى السادسة لاغتيال والده. فهل تنجح هذه القوى بتحقيق الاهداف التي وضعتها، وبالمضي قدماً في مشروعها، ام انها ستعود مجدداً الى التقهقر من جديد والى طاولة المفاوضات والتسويات والاحباطات؟... وحدها الايام المقبلة توضّح الصورة.

وتستمر حملة "حزب الله" التخوينية ... لإسقاط لبنان

طرق جديدة يلجأ اليها حزب الله عبر حملته الاعلانية الاخيرة

... "واسرائيل ايضاً تريد اسقاط السلاح"... شعار باهت رفعته قوى الثامن من آذار على اللوحات الاعلانية في اطار الرد على حملة "لأ لوصاية السلاح" التي ترفعها قوى الرابع عشر من آذار كعنواناً اساسياً للمرحلة المقبلة بعد انتقالها الى المعارضة وعودتها الى الجذور.

بالطبع شعار "حزب الله" وحملته الاعلانية يبدو شاحباً رغم سرقة اللون الاحمر الذي يرمز الى ثورة الارز وانتفاضة الاستقلال, الا ان "رائحة" التخوين تفوح من تلك العناوين الخشبية المليئة بعبارات التهديد والوعيد المبطّن الذي وصل الى حدّ الوقاحة في كثير من الاحيان.

يستمر "حزب الله" في تكريس نفسه بأنه صاحب الحق في ادارة امور الدولة وفي تصنيف المواطنين بين اشرار واخيار, بين فريق "اشرف الناس" الذي يحق له فقط خرق سيادة الدولة وقوانينها ومؤسساتها بقوة السلاح, لأنه منزّه عن الاخطاء ويعي ما يريد, ولأنه مقاوم على جبهات الجنوب ومحارب على جبهات بيروت في سبيل الدفاع عن مكتسباته ودويلته الامنية المنتشرة في كل بيت, وبين فريق آخر من الحقراء والتفهاء وضعفاء النفوس والخونى والعملاء لاسرائيل والولايات المتحدة الاميركية, باعتبارهم اهل ذمّة لا يعرفون معنى المقاومة وحبّ الارض واهمية الدفاع عنها, ولهذا وجب تكفيرهم ورجمهم بأحقر الكلمات والشتائم لأنهم يعملون على زعزعة مشروع "ولاية الفقيه" ومشروعهم "الاصفر" في لبنان, بالتعاون مع تل ابيب والادارة الصهيو – اميركية.

يعتقد "حزب الله" انه يقارع بهذا المنطق المتعجرف عقول مئات آلاف اللبنانيين الذين يعرفون تماماً ان "هذه الحيل لم تعد تنطلي على احد, ولم تعد مناسبة وبرّاقة للتخويف والترهيب واسكات الكلمة الحرّة. فالامور واضحة ولا تحتاج الى مزيد من النقاش... سلاح هذا الحزب واعوانه بات يشكّل خطراً كبيراً على كل لبناني يريد العيش بسلام وآمان في ظلّ دولة ديمقراطية حرّة وسيدة. وطبعاً هو سلاح الزعران والعصابات المسلّحة التي ترفع شعار مقاومة اسرائيل في مكان, وتجتاح بيروت ومناطق الجيل والاحياء والازقة في مكان آخر, مخلّفةً عشرات الضحايا والقتلى والاضرار المادية والنفسية والمعنوية بوجه من يفترض بهم ان يكونوا شركاء في وطن واحد.


فليتوقف "حزب الله" عن حملاته الملتوية هذه. وليكف عن المزايدة في مسألة العداء لاسرائيل, لأن كل لبناني من الشمال الى الجنوب, ولاي طائفة انتمى يؤمن بشكل قاطع وجازم بأن اسرائيل هي "دولة" محتلة وغاصبة وعدوة وحاقدة ومجرمة تفرض غطرستها على شعوبنا وتعيش على دماء الاطفال والنسوة والشيوخ في سبيل تحقيق مشاريعها واهدافها التوسعية والاستيطانية والعنصرية الخارجة عن المألوف والبعيدة عن اي منطق.

إسرائيل دولة عدوة لا يمكن أن نؤمّن لها، لا بل ومخطئ ومتآمر كل من يظن أن إسرائيل يمكن الركون إليها, لأنها كياناً يريد الاقتصاص من لبنان الديمقراطي الموحّد والحرّ والمستقر. لبنان المعتدل, المعافى, القوي, لتحويله الى بلد اسود وارض محروقة قاحلة تملأها التناقضات والحروب والمآسي والاقتتالات بين ابنائه.
اسرائيل تريد لبنان الدمار والخراب والحرب الاهلية وخطوط التماس والانقسام العامودي, ولا تريد بأي شكل من الاشكال ان ننعم بالعدالة والهدوء والراحة والوحدة حول عدد كبير من القضايا الاساسية. وها هي اليوم تستفيد من هذه التناقضات التي تكبر كالسرطان لتزيد التفسّخ الذي نعاني منه.

من واجب "حزب الله" ان يراقب هذه "الاحقاد" الاسرائيلية, وان يعي ان سلاحه يجب ان يكون موجهاً حصراً الى جبهة الجنوب بالتعاون مع الدولة اللبنانية فقط لا غير. لا ان يكون هذا السلاح قابع في شوارع بيروت يقتل الناس ويعمّق الانقسام والطلاق بين الدولة ومن يفترض بهم ان يكونوا "رجال المقاومة في الجنوب"...

على "حزب الله " ان يدرك ان استعمال السلاح في المعادلة الداخلية هو مطلب اسرائيلي قبل ان يكون دافعاً من قبله تحت عنوان "الدفاع عن المقاومة". وحبّذا لو يرى كيف ان الادارة الاسرائيلية العدوة تقلب رأساً على عقب من الضحك عند مشاهدة الخلافات والنقاشات والصدامات تملأ شوارع لبنان من الشمال الى الجنوب, وكيف ويتحول السجال حول هذا السلاح الى حرب مذهبية والى فتنة دامية.

لأ لوصاية السلاح ... شعار يُرفع حتى تبقى المقاومة مقاومة, وحتى تعود افواج المقاتلين الى مارون الراس وعيتا الشعب ومرجعيون وعين ابل وبوابة فاطمة ومروحين, حيث الوجهة الحقيقية لمقاتلة العدو الحقيقي, لا المواطن اللبناني البريء الذي تعب من عبارات التخوين التي تسقط كالقذائف والصواريخ على رأسه.

بكل أسف يعنون "حزب الله" حملته السياسية بشعار يوحي الى تواطؤ اسرائيلي – لبناني – 14 آّذاري لاسقاط ما يُسمّى "بسلاح المقاومة", وهو طبعاً على خطأ, ولهذا وجب عليه التوقف عن "ضخّ" مثل هذه الاتهامات "اليائسة" ومواجهة الحجة بالحجة والمنطق بالمنطق لا اكثر ولا اقل بدل التلهي "بعلك" الافتراءات التخوينية على الدوام.

على كل حال. الشعب اللبناني سيبقى مع "المقاومة الحقيقية" ولن يقف يوماً بوجهها. تلك المقاومة التي لا تقفز فوق الدولة والقانون والدستور والمؤسسات والشعب. كما ان مئات الآلاف الذين سيحتشدون يوم غد في ساحة الحرية سيقولون: "ليسقط السلاح الذي يُواجه الدولة والسيادة".

وتكفي كلمة معبّرة جداً قالها منسّق الامانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار الدكتور فارس سعيد في افتتاح مؤتمر 14 آذار السنوي يوم اول من امس, للرد بوضوح على "عنجهية" الحزب واعوانه: "لقد دار الزمان دورة كاملة خلال السنوات الست الماضية, لتحل وصاية السلاح محل الوصاية السابقة. لقد طغى هذا السلاح وبغى وتغوّل, مستفيداً من تسامح اللبنانيين وحرصهم على بلدهم, ليعيد اليهم المعادلة اياها: اذا اردتم توديع السلاح فعليكم استقبال الحرب الاهلية ... جوابنا اصبح معروفاً ونهائياً: سنواجه هذا السلاح كما واجهنا الوصاية السابقة واجبرناها على التراجع"...
سلمان العنداري... SA

شتائم وتعليقات تهديدية بالجملة والمفرّق... "حزب الله" يتوعّد على الفايسبوك بالتزامن مع حملة تخوين اعلانية له في شوارع بيروت

اقل ما يقال عن صفحة حزب الله بانها تحريضية ومذهبية

"مبلا للسلاح" صفحة جديدة انشأها "حزب الله" على الفايسبوك للرد على حملة "لأ للسلاح" التي ترفعها قوى الرابع عشر من آذار في اطار الحملة الإعلانية التي تسبق النزول الى ساحة الشهداء, وبعد ايام من انضمام هذه القوى الى صفوف المعارضة من جديد.

تقول الصفحة: "مبلا للسلاح اللي حماك إنت وأهلك, مبلا للسلاح اللي حررلك أرضك, مبلا للسلاح اللي رجعلك شرفك وعزك, مبلا للسلاح, لأ لنزع سلاح المقاومة اللبنانية"...


لا بأس بهذه الشعارات الرنانة والطنانة, ولكن على ما يبدو فإن اصحاب هذه الصفحة نسوا سلاح الزعران وسلاح الميليشيات الذي سبّب الخراب للبلاد واهلها... ولهذا فلا بد هنا من تذكيرهم بما اقترفت ايادي "رجال المقاومة" في ايار 2008 في احياء بيروت وقرى الجبل. كما اننا لسنا بحاجة لأن نخبرهم عن برج ابي حيدر وعائشة بكار واسطورة القمصان السود وحصار عرمون والشويفات, وحلقات التهديد والوعيد التي لا تنتهي من على شاشات التلفزة من دون اي مواربة او خجل ...

لغة "حزب الله" الخشبية لم تتغير في التهديد والوعيد ورفع الاصابع, وطبعاً التخوين الذي لم يغب لحظة عن زوار صفحة "مبلا للسلاح" التي ناقشت الامور والقضايا السياسية الدائرة اليوم بحقد بعيد عن المنطق. وبعقلية دفينة تشير الى نشوة وجبروت القوة الناتج عن امتلاك "حزبهم الاصفر" للسلاح والصواريخ بعيداً عن سلطة الدولة واجهزتها الامنية.


يكفي قراءة المشاركات المدججة بالكره والتبجّح للمطالبة بمعالجة معضلة السلاح الذي يُرعب اللبنانيين ويهددهم ويعيث في الارض خراباً وفساداً, ولرفع الصوت عالياً بوجه سلاح الداخل, وليس السلاح الذي يفترض به ان يوجه الى الجبهة الجنوبية نحو العدو الاسرائيلي.


عديدة هي التعليقات التخوينية على هذه الصفحة, اذ للحظة تكاد لا تجد اي فرق بين ما يقوله الحاج محمد رعد من كلام على شاشات التلفزة وبين ما يقوله معظم مناصرو هذا الحزب وسلاحه, وعيّنة صغيرة من هذه التعليقات تكفي لتبيان حجم "الانحطاط" في هذا الفريق: "اللي ما بدو السلاح انطوان لحد ناطرو على الحدود"..." السلاح باق باق باق على رأسكم يا خونة, يا اسرائيليين, يا امريكان, يا حلفاء بوش ونتنياهو وليفني"... " اذا اردتم ان تحتل اسرائيل 10452 كلم من وطنكم انزلوا الى الساحة يوم 13 آذار اوانضموا الى صفحتنا وقولوا "مبلا للسلاح".

ولم يكتف هؤلاء "بالترويج" لسلاحهم "المقاوم", بل وصل تماديهم الى حد اطلاق التهديدات المباشرة بحق المتوافدين الى ساحة الشهداء يوم الاحد: "نصيحة اخوية لكي يلي نازلين يقولوا لأ عدم سلوك طريق سليم سلام, وزقاق البلاط, النويري, الخندق الغميق, بربور رأس النبع. عين المريسة, وطريق البسطة بإتجاه وسط البلد... يعني وين ما تنزلوا نازلين ناطرينكن, الحل الوحيد انو يستأجرلكن شي هليكوبتر... بدنا نقول معكم لأ بس ع طريقتنا الخاصة... المقاومة مش لعبة يا سوسو الوحش".


يشير علي الى ان بندقيته "سئمت احتباساً وسكوتاً", وان رصاصها "جاهز لاطلاق النار على المجرمين والحقراء, "بينما يسخر حسام من رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري ويتوعده بأن "نهايته السياسية باتت قريبة".


الملاحظ في الصفحة هذا "التعطّش" الاعمى لاعادة استعمال السلاح, ولخوض مغامرة السابع من ايار من جديد, وتأتي المشاركات مصحوبة بكم هائل من الشتائم والتوصيفات المهينة و"المقرفة" بحق قادة 14 آّذار.


لا فرق بين صفحة "مبلا للسلاح" ومدوّنة "فيلكا اسرائيل" التي يديرها احد ازلام النظام السوري في لبنان، والتي نجحت على ما يبدو بتصدير ثقافة الشتائم والكره والتخوين الى الفايسبوك, وفتحت المجال امام "جهابزة" الحزب الأصفر للتعبير عن مكنوناتهم الدفينة, وعن المأزق السياسي الذي يعيشونه. فكانت هذه الصفحة متنفساً لأحقادهم وفضيحة صارخة لما تضمره نفوسهم من مشاريع هيمنة وسيطرة, ومن حبّ لا بل عشق للقتل والإلغاء والشماتة.


التعبئة التي يقوم بها "حزب الله" على الفايسبوك عبر ادواته لن تخيف اي لبناني واي شاب قرر العودة الى ساحة الحرية واللاعودة الى التسويات والتراجعات والإستسلام والإذعان لمنطوق السلاح ومنظومته التي لا تحترم العقول ولا تعطي اي اعتبار لمفهوم المواطنية والمساواة.


على كل حال, فإن الرد الوحيد على سذاجة هؤلاء و"قلّة ادبهم" لا يكون الا بمزيد من التمسك بالثوابت والمبادىء التي تربينا عليها، وبالتالي فإن نزولنا الكثيف الى ساحة الشهداء دون اي خوف او تردد سيكون كافياً لقول "لأ " والف لأ كبيرة وصارخة لسلاحهم وغدرهم وسياساتهم التي لم تعد تنطلي على احد.


يذكر أن حملة التهديد والوعيد والتخوين التي يقودها حزب الله وانصاره عبر الفايسبوك تزامنت عبر انتشار لوحات اعلانية في بيروت تحمل عنوان "واسرائيل ايضاً تريد اسقاط السلاح"...

للاطلاع على الصفحة "مبلا للسلاح" يمكنكم زيارة الرابط التالي :
http://www.facebook.com/#!/mbalalalsela7

سلمان العنداري ...SA

الأربعاء، 9 مارس 2011

في لبنان: السلاح يريد ...اسقاط الشعب ؟؟


في لبنان يسعى حزب الله للإبقاء على سلاحه مهما كلّف الثمن

وصل الإحتقان السياسي في لبنان في الفترة الاخيرة الى اوجّه بين فريقي 14 آذار و8 آذار بعد التعايش "الكذبة" في حكومة سُميت "بحكومة الوحدة الوطنية", حيث جلس المتخاصمون على الطاولة نفسها لأكثر من سنة ونصف "يتكاذبون" على بعضهم البعض، وسط حالة مخيفة من الحرب الباردة وتوازن الرعب.

عطّلت قوى الثامن من آذار التي يرأسها "حزب الله" المسلّح كل امكانية للنهوض في معالجة اولويات المواطن الفقير الذي ضاق ذرعاً من ممارسات "البلطجة" التي ادارها الحزب الذي وضع رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" ميشال عون في عين العاصفة بتصريحاته التافهة والمجنونة, وبدفاعه المستميت عن السلاح الذي استعمل بالداخل لأكثر من مرة, وتحت اكثر من شعار.

 استمر القصف المتبادل بين الفريقين. وواصلت الحكومة عجزها عن اتخاذ اي قرار. وتحت شعار "المبادرة السعودية – السورية" حبست الناس انفاسها بانتظار الحل او الانفجار, ليُفاجىء الجميع بأن امكانية التفاهم والخروج من الازمة المستعرة لم يتحقق, بل سقط الى غير رجعة بعد انقلاب "حزب الله" على التفاهمات السابقة, وبعد رفض القوى الحليفة "للسين الممانعة" اقتراحاً بعقد مؤتمر للمصالحة والمسامحة في العاصمة السعودية الرياض لانهاء الصراع القائم وللبدء بصفحة جديدة".

سقطت حكومة الرئيس سعد الحريري بانسحاب "الجهابزة" منها... الشعار الوحيد: رفض المحكمة والدعوة الى الغائها. ليسقط معها اتفاق الدوحة الذي انهى احداث 7 ايار المؤلمة التي خلّفت عشرات الضحايا بعد غزوة "الحزب" المقدسة في شوارع بيروت وبعض مناطق الجبل, فعادت الامور مجدداً الى نقطة الصفر.

الحرب السياسية استمرت. نزل "الحزب المقدّس" الى شوارع بيروت بالقمصان السود قبيل ساعات من "الاستشارات المُلزمة", فأعاد الى الاذهان شبح السابع من ايار, وأوصل مجموعة من الرسائل لكل القوى السياسية ومن بينها النائب وليد جنبلاط المتوجّس والخائف والمرتعب, الذي رضخ لتهديد "الحزب" الذي نشر ميليشياته في المناطق الخاضعة لنفوذه, لتنقلب التوقعات رأساً على عقب, ومعها اختلطت الاوراق وكان الفخّ الكبير بتسمية الرئيس نجيب ميقاتي تكليف حكومة جديدة مدعومة من "الحزب الاصفر".

يوم 14 شباط 2011, عاد الرئيس سعد الحريري الى الجذور بانضمامه الى صفوف المعارضة من جديد, مُطلقاً العد العكسي للنزول الجماهيري الى ساحة الحرية, ومُعلناً لاءاته الشهيرة: "نحنا نازلين بـ 13 آذار لنقول لا. لا لتزوير إرادة الناخبين، لا لخيانة روح العيش المشترك، لا لتسليم القرار الوطني، لا للوصاية الداخلية المسلحة، لا لنقل لبنان على محور لايريده اللبنانيون، لا لتغيير نظام حياتنا، حلمنا ما بيموت، لا للفساد، لا للسرقة، لا للخوف، لا والف لا ومليون لا للقهر والظلم والجريمة"...

احتدم الصراع. والكل بانتظار اكتمال الصورة بعد ظهر يوم الاحد المقبل, اي بعد انتهاء التظاهرة الحاشدة التي دعت اليها قوى الرابع عشر من آذار بمواجهة سلاح "حزب الله" ومحاولة خطفه الدولة والنظام والمؤسسات بأكملها في ظلّ حملة اعلامية واعلانية ضخمة, مترافقة مع تصعيد سياسي واضح وجريء تحت عنوان "الشعب يريد اسقاط السلاح", بمواجهة استمرار "الانقلاب" كما يقول قادة انتفاضة الاستقلال الذين عادوا الى جماهيرهم بعد ست سنوات من الاخطاء والتراجعات والتسويات والخوف.

اي مشهد سياسي في لبنان صبيحة الرابع عشر من آذار, وعشية اعلان القرار الاتهامي عن المدعي العام الدولي دانيال بلمار, واي سلاح سيستخدمه "حزب الله" للرد على "استفاقة" 14 آذار القوية. وهل يخرج السلاح مرة اخرى ليضع الامور في نصابها, فينزل المسلحون والمقنعون مرة اخرى الى الشوارع, ويُقتل الناس ويدفعون الاثمان  مرة اخرى؟. وهل تنجح قوى الاستقلال بمعركتها السلمية الديمقراطية ام انها ستخضع مرة اخرى لطاولة المفاوضات ولتهديد السلاح, وللدماء التي يمكن ان تسيل في الازقة والاحياء؟...

عشرات الاسئلة تُطرح اليوم... ماذا بعد القرار الاتهامي الذي يتوقع ان يكون بمثابة زلزال مخيف. وهل سينجح المشهد الشعبي الذي سيرتسم يوم الاحد بتحديد صورة واضحة للامور, وبتصحيح الخلل الفاضح في ميزان القوى, في ظلّ استحالة التعايش بين الديمقراطية والسلاح؟.

ووسط هذه الصورة ليس من المستغرب ان يُحرّك حزب الله قواعده الشعبية ويحتل الساحات تحت شعار "السلاح يريد اسقاط الشعب والدولة" كردة فعل مرتقبة بعد صمت لن يطول.


من سينتصر في المنازلة الكبرى: الدولة او اللادولة؟... الى ذلك فلننتظر لنرى... لأن الايام المقبلة وحدها تحدد الصورة... لبنان الى اين؟....

سلمان العنداري ... SA