الجمعة، 11 مارس 2011

في قراءة نقدية جريئة وهادئة لانتفاضة الاستقلال: على 14 آذار ان تقطع يدها وان تبتعد عن كل اشكال الفساد والتعصّب

حركة 14 آذار بحاجة الى انتفاضة داخل الانتفاضة

في اطار عملي الصحفي وتغطيتي اليومية للحراك السياسي الذي يسبق يوم 13 آذار 2011 حيث تحيي قوى 14 آذار الذكرى السادسة لانتفاضة الاستقلال. وانطلاقاً من مقولة الشهيد سمير قصير الذي طالب بانتفاضة داخل الانتفاضة، التقيت عدداً من المفكرين البارزين في 14 آذار وتحدثت معهم عن ابرز الاخطاء التي قامت بها تلك القوى على مدى السنوات الست الماضية.

"اذا كان يوم 25 كانون الثاني 2011 هو يوم اسقاط النظام المصري بواسطة الشعب المصري. واذا كان يوم 14 كانون الثاني 2001 هو يوم اسقاط النظام التونسي بواسطة الشعب التونسي. فإن يوم 14 آذار 2005 كان يوم اسقاط نظام الوصاية السورية وأتباعها في لبنان"... بهذه الكلمات يتوجه رئيس تحرير مجلة "الشراع" الزميل حسن صبرا من القاهرة في حديث خاص ومشوّق بمناسبة مرور ست سنوات على انطلاق انتفاضة الإستقلال بقيادة "الشعب اللبناني".

يلفت صبرا الى ان "يوم 14 آذار اللبناني سبق ثورة شعوب مصر وتونس وليـبيا واليمن... والبقية تأتي"، واصفاً ما حدث بأنه "اول ثورة شعبية عربية في القرن 21 وهو امر كان مستحيلاً دائماً في لبنان، لأن الانقسامات الطائفية والمذهبية هي التي كانت العائق الاكبر أمام اي تحول جذري، او بناء استقلال حقيقي، او اقامة وطن عادل شامل حاضن".

ثورة 14 آذار اللبنانية بالنسبة لصبرا تجاوزت هذا المستحيل، وكانت ثورة وطنية لبنانية، قام بها اللبنانيون جميعاً ولم يجرؤ احد على مجابهتها في حينه خجلاً وخوفاً وارباكاً وانتظاراً. وبعد ست سنوات على قيام ثورة 14 آذار في لبنان فإن ابرز سماتها العظيمة ان جمهورها الوطني ما زال سابقاً لقياداتها جميعاً، وما زالت الجماهير الوطنية موحدة، محفزة على الاستمرار، ومستعدة للتضحية، ووفيّة لكل الاستحقاقات الوطنية في الانتخابات النيابية والبلدية والمهنية والجامعية وفيّة لمبادئها".

بدوره يرى الدكتور في الفلسفة والتاريخ انطوان قربان ان "ما حصل في 2005 ليس ثورة بل كان انتفاضة لم تتحول الى ثورة، وكان يجب علينا استكمالها في اليوم التالي كي تتحول الى ثورة حقيقية، كما قال سمير قصير انتفاضة داخل الانتفاضة، الا ان قوى الاندفاع لهذه الانتفاضة تحولت الى قوى طائفية محافظة كلاسيكية اقطاعية رجعية".

واضاف: "هذه القوة الجماعية التي ظهرت في 14 آذار 2005 صبّت في خانة قوى كلاسيكية حزبية معروفة، واصبح كل طرف يحاول تقوية موقعه وحضوره ضمن هذه الحركة على اساس طائفي وحزبي ضيّق على حساب العناوين الكبرى، وهنا تكمن الإشكالية الأساسية، اذ ان الإنتفاضة لم تستكمل كما يجب، وكان يفترض حينها ان تقوم الثورة على النظام الطائفي الذي يعتبر السرطان الأكبر الذي ينهش الدولة ومفهومها".
كتبت الدكتورة منى فيّاض عام 2006 مقالة تحت عنوان "قراءة سوسيولوجية لانتفاضة 14 آذار 2005"، اعتبرت فيها ان "الحشود التي اجتاحت الساحات ومن اعتصموا في ساحة الشهداء يساهمون في صناعة التاريخ".

اليوم وبعد ست سنوات من انتفاضة الإستقلال ويوم 14 آذار 2005 ومع تغيّر الأوضاع السياسية والمعادلات، تؤكد فيّاض على اهمية ورمزية هذا النهار التاريخي "الذي شكّل نموذجاً مهماً للإنتفاضات الشعبية الحقيقية، فكان التجمّع الحاشد من اكبر المظاهرات التي حصلت في التاريخ، لأن عدد الحشود التي قدرت بنحو مليون الى مليون ونصف مواطن تعني ان نصف القوى اللبنانية الفاعلة بمجمل القطاعات والطوائف نزلت الى الشارع وشاركت بقوة، وكانت مطالبها سلمية وتغييرية تهدف الى الحفاظ على السيادة والاستقلال والحرية، وهذه الشعارات هي نفسها التي تحرك كل شوارع العالم العربي اليوم".

فيّاض، الاستاذة الجامعية والباحثة الاكاديمية وفي اتصال معها، تصف ما حصل بأنه "انتفاضة نموذجية تشكل مرجعية اساسية لكثير من التحركات السلمية في العالم"، الا انها شاءت ان تقدّم قراءة نقدية صريحة وواضحة وشفافة لواقع ثورة الارز وحركة الرابع عشر من آذار.

ترى قيّاض ان حركة 14 آذار انطلقت بمجمل قطاعات الشعب اللبناني، الا ان الشباب اللبناني لم يكن له فيها الدور الاساسي، بالرغم من حضوره المميز وبلورته للمطالب واصراره على البقاء في الساحات الى حين تحقيق المطالب المطروحة، الا انه سرعان ما انقضّ السياسيون التقليديون، ودخلوا على الخط، لتدخل الانتفاضة في بازار المساومات منذ انتخابات عام 2005 حتى اليوم".

"الثورة تقهقرت بفعل التسويات والفساد والتراجعات التي قُدمت"، الا ان فيّاض تعطي عذراً مخففاً لما وصلت اليه الامور، "لانه كان من الصعب جداً مواجهة الهجمة الشرسة التي تعرض لها هذا الفريق، من استكمال مسلسل الاغتيال والقتل زعزعة الاستقرار"، مع الاشارة الى ان الانتفاضة اندلعت بالاساس احتجاجاً على الاغتيال الذي ادى بحياة الرئيس رفيق الحريري في السان جورج في بيروت.

وبرأي صبرا فإن "قيادات 14 آذار ليست على مستوى تضحيات وآمال وتطلعات شعبها الوطني المترامي الاطراف، اذ اخطأت قياداتها في ترك اميل لحود في سدة الرئاسة عندما كانت الثورة في زخمها. وكانت الثورة في قمة احتضانها ودفعها لقيادات نحو التحرر الفعلي، واخطأت هذه القيادات في غض الطرف عن سلاح حزب الله، والكارثة حتى الآن انها ما زالت تفصل وتميز بين ما يسمى سلاح المقاومة ضد اسرائيل وما يسمى سلاح المنازلة الداخلية".

يتابع صبرا قراءته للاحداث ويسأل: " هل استشارت قيادات 14 آذار جمهورها في توجهها نحو سوريا؟ وليد جنبلاط وسعد الحريري لم يستشيرا احداً... فقط الجبن والحسابات الخاطئة والضعف والجهل دفع هذه القيادات الى مغادرة وطعن اهم انجازات الثورة: اسقاط نظام الوصاية السورية وأتباعه في لبنان".

ويتابع: "لماذا اهملت 14 آذار الجمهور الشيعي المستقل وظلت مبايعة للثنائية الشيعية التي كانت وما زالت تجلدها ليل نهار؟ هل هي السادية السياسية، ام الجهل السياسي ام الكسل ام الخوف؟"

اما قربان فيلفت الى ان "ارادة الشعب اللبناني التي عبّر عنها يوم 9 حزيران 2009 في الانتخابات النيابية وصناديق الاقتراع لم تحترم، ان من خلال استخدام العنف عبر التهديد بالسلاح، او عبر الألاعيب السياسية التي قامت بها القوى التي انتخبت، على اعتبار ان الشعب انتخب ممثليه للوصول الى الحكم بشكل ديمقراطي ومن اجل العبور الى الدولة، وليس من اجل المساومة وفرض التسويات بأي شكل من الاشكال".

ورداً على سؤال عما اذا كانت قوى الرابع عشر من آذار ستتخطى عقدها ومشاكلها وتراجعاتها في المرحلة المقبلة، تستشهد فيّاض بالشاعر المصري حافظ ابراهيم الذي فكّ قيوده وتحرر من اسره بقطع يده، اي انه استغنى عن جزء من جسده لكي يتحرر، "ومن هنا على 14 آذار ان تتخلى عن بعض المصالح الفئوية الضيقة وان تقترح برنامجاً جريئاً يريده الشباب، وان تحرر نفسها من الطائفية ووحول المذهبية، ولهذا فلا بد من الاستغناء عن الاخطاء بأسرع وقت ممكن".

القيادات في 14 آذار متخلفة عن جمهورها العظيم الذي كان يحضن شيعة الوطن المستقلين حين كانت قياداتها تهرب منهم... هذا هو الفرق بين 14 آذار 2005 و13 آذار 2011 بحسب صبرا الذي يرى ان "14 آذار في السلطة اخطأت، الا انها في المعارضة لا تملك ان تخطىء بل ان تصحح مسارها، صورتها، علاقاتها، وان تعيد ترتيب اولوياتها".

وتضيف: "على 14 آذار ان تناضل من اجل اقرار قانون انتخابي تمثيلي حقيقي يسمح لكل مكونات المجتمع اللبنانية بالمشاركة في الحياة السياسية، وان تسعى لاقرار قانون احوال شخصية مدني اختياري، رغم اعتراض المرجعيات الدينية عليه، على اعتبار ان مثل هذه الخطوات من شأنها ان تخفف من حدة الطائفية البغيضة، وان تحقق آمال الشباب".

من جهتها تطالب فيّاض قوى 14 آذار بإفساح المجال امام القيادات الشبابية لكي تشارك بشكل فعلي بالحياة السياسية، حيث يجدر بها ان تتحدى طوائفها ومذاهبها، وان تذهب الى 14 آذار حقيقية تثور من خلالها على كل اشكال الفساد والفوضى والتعصّب، ولهذا لا بد ان يكون هناك دور حقيقي للشباب للانتصار على العقلية القديمة وتغييرها".

هل ستخرج الرابع عشر من آذار من عقدتها وتكف على جلد ذاتها؟... تجيب فيّاض: "الاحتمال وارد، ولكنه ليس الغالب، اذ ان المطلوب هو اتخاذ خطوات اكثر جرأة واكثر تقدماً من تلك التي رأيناها في احتفال البيال الأخير، فالمطلوب تحسين الاداء والممارسة واعتماد الوضوح في الرؤية".

واذ تطالب فيّاض قوى الرابع عشر من آذار بمخاطبة الشارع الشيعي بعمق من اجل استقطاب المستقلين في الطائفة الشيعية، تجدد دعوتها "القوى لإصلاح نفسها من الداخل على كل الاصعدة، وللخروج من كل العقليات القديمة، ولإطلاق الحريات، ولخلق آلية ديمقراطية حقيقية داخل الاحزاب، واعتماد اسلوب المخاطبة بالعقول".

هذا ويطالب قربان بخلق نوع من توازن قوى داخل البلد من خلال طرح معطيات جديدة قادرة على مجابهة هذه الارداة المسلّحة، وهذا لا يعني الاتجاه نحو التسلح، بل باعتماد الوسائل الديمقراطية والتجمهر هو واحد منها". اذ رأى ان "العودة الى المعارضة من جديد تعتبر خطوة اساسية في المعركة السياسية بمواجهة ارادة "حزب الله" المسلحة المناقضة لمفهوم الدولة، لان المعارضة تحررنا من كل القيود".

بالمحصلة، وبالرغم هذه الصورة الضبابية قد تكون قوى 14 آذار قادرة على طرح وتنفيذ برنامج سياسي تخرج به للمرحلة المقبلة، على اساس "العودة الى الجذور" تماماً كما قال الرئيس سعد الحريري في قاعة البيال في الذكرى السادسة لاغتيال والده. فهل تنجح هذه القوى بتحقيق الاهداف التي وضعتها، وبالمضي قدماً في مشروعها، ام انها ستعود مجدداً الى التقهقر من جديد والى طاولة المفاوضات والتسويات والاحباطات؟... وحدها الايام المقبلة توضّح الصورة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق