الجمعة، 25 مارس 2011

بعيداً عن انظمة المخابرات والقمع والشعارات والتنظير ... قراءة سيكولوجيّة في الحريّة


للحرية معاني انسانية ونفسية وايديولوجية

الحرية كلمة تجتاح العالم العربي من المحيط الى الخليج بعد عقود وعقود من القهر والظلم والاستبداد والدكتاتورية. اذ ان الشعب اليوم خرج عن صمته وارتفعت في الساحات العامة والشوارع والميادين اللافتات والصرخات والهتافات المُطالبة باستعادة الحرية وبانهاء وصاية القمع والقتل والمخابرات والمباحث وسياسة الاحباط.

الجميع يتكلم بالحرية ويجاهر بها ويدعو اليها. الادارات الغربية والشرقية، الدول الرأسمالية والاشتراكية، الدول الديمقراطية وتلك التي تدعيها، والدول الدكتاتورية والقمعية والاوتوقراطية، الفقير والغني... كلهم ينادون بالحرية وينظّرون بها.

ولهذا، وبعيداً من القواميس والمصطلحات السياسية الاجتماعية والمفاهيم الاقتصادية التي تعرّف بالحرية، قررت البحث في موسوعات علم النفس عن سيكولوجية الحرية ومعانيها النفسية، علّني أضيف شيئاً جديداً لما يجري اليوم من نقاش على اكثر من صعيد وعلى اكثر من مستوى. 

 الحرية في علم النفس هي "تحرر" من القيود والخوف والعوز. وان يصدر سلوك المرء دون تأثير عليه من خارجه. وهي "حرية لأن" يفعل الفرد الحر ما يريد وان يختار لنفسه، ويفكر بوحي من نفسه.

 وحرية الارادة تقابلها الحتمية او الجبرية. وهي القول بان الحرية مقيّدة. وان السلوك تحكمه الضوابط والظروف. وان الانسان محتوم من داخله وخارجه، وان لسلوكه محددات في امكانيات الفرد وقدراته وميوله واتجاهاته، وفي انتماءاته الطبقية والثقافية، وتكوينه البنيوي، وسماته او خصائصه النفسية والعقلية، وبيئته الطبيعية والاجتماعية.

ويذهب انصار الحرية الى ان للحرية سيكولوجية، وان الظروف النفسية والاجتماعية والمادية ليست عبئاً على الحرية ولا تحددها، لأن هناك باستمرار اختيارات وبدائل على المرء ان يفاضل بينها. والحرية هي الشرط الاساسي لكل موجود فاعل، وليست لها ماهية لان وجودها يسبق الماهية ويحددها. فالحرية تصير بالافعال، وهي ليست صفة مضافة او خاصية من خصائص طبيعة الفرد، وانما هي نسيج وجود كل انسان.

واذا كان الانسان مقدوراً فهو مقدور بالحرية، ولا مناص من ان يكون حراً. ولا فكاك له من الحرية. وقد يقال هذا حر وذاك عبد. وتلك مغالطة لها ظاهر التعبير عن الواقع، الا ان الانسان دائماً هو الانسان الحر، لان الحرية هي وجود الانسان وليست اي وجود اخر.


والعبارة "انت حرّ" تعني ان لك ان تختار بنفسك، ولكن ان يتحقق اختيارك وان تنجح في نيل ما تريد فهذا شيء اخر بخلاف الحرية. فالنجاح لا يهم الحرية، الا انه لما كان الاختيار هو نفسه الفعل. فان الاختيار يفترض امكان تحقيقه، وذلك ما يميزه عن الحلم او الامنية.

وتحكي قصة آدم وحواء في الجنة ان آدم عصى ربه فحكم الله عليهما بالهبوط الى الارض، وان يعانيا الخوف والحاجة والعداء. ومعنى ان آدم وحواء اختارا ان يأكلا من شجرة المعرفة انهما قاما بأول فعل حرّ، ومارسا اول اختيار انساني، والانسان يعرف الحرية ويختار عندما يكون حرّاً.

وجوهر الفعل هو الحرية والمغزى الواضح من القصة ان الانسان منذ ان خُلق محكوم عليه بالحرية، او بتعبير "هايدجر" انه ألقي به في الحرية. وكان بمقدور آدم ان يُذعن فتكون له الجنة خالصة فلا يتعب ولا يحتاج ويعيش في امان، ولكنه كان نفسه، وفضّل الحرية، قتقطّعت اسبابه بالجنة.

والقصة كلها تلخص حياة الانسان عموماً، فأولاً ان الانسان في بداية وجوده كان غريزياً، ولكنه انفك عن قيود الغريزة وتصرّف بحرية. واختار سلوكه وارتقى في مدارج الاستقلال، واصبحت له هوية وفردية .

والطفل ثانياً يبدأ معتمداً على امه واسبابه بها عضوية او بيولوجية، وكلما نما تقطّعت اسبابه البيولوجية بامه، وتخلّص من سيطرتها النفسية واستقل بنفسه واصبح الراشد الواعي الحرّ. ومع ذلك فسيكولوجية الحرية جدلية، فاذا كان الانسان قد تحرر واستقل، وصار ضاتاً وله هوية وفردية، فانه بحريته قد اصبح وحده واغترب عمن حوله، ووحدته واغترابه يصيبانه بالقلق، وهو يعي الموت لأنه يواجهه وحده وفي عزلة، وهذه ازمة الحرية التي يعاني منها الانسان.

ومن اجل ذلك قد يلجأ البعض الى الهرب من الحرية والتحلّل منها، ربما بأن يعهد بحريته لغيره يفكّر له، في مقابل ان يضفي عليه حمايته، والهارب من الحرية إما ماسوشي يعيش معتمداً على الاخر، واما سادي يؤكد ذاته بأن يسيطر على ذوات الاخرين.

 والماسوشي يستثمر الحرية بالمعنى السلبي، بأن يتخلص من وحدته وعزلته وشعوره بالعجز، وبأن ينصاع للاخرين. والسادي يستشعر الحرية سلبياً ايضاً بأنها السيطرة على الاخرين واخضاعهم او استغلالهم، او انها تدمير لكل ما يبعث في نفسه الخوف ويُشعره بالوحدة ويستشعر منه الخطر.

وقد يختار الماسوشي الدور الذي ناط به وتكون له قيم الناس والشخصية النمطية في المجتمع، وتزول المفارقة بين الانا عنده والعالم من حوله، اي بأن يتأتمت ويفقد ذاته.

والحرية الايجابية هي التي يعيشها الفرد باعتباره ذاتاً مستقلة، ولكنه ليس معزولاً عن الناس، وفي توحّد مع العالم والطبيعة والاخرين. وهو يحقق ذاته بان يكون نفسه ويعيش فكره ويعبر عن وجداناته، وكل فرد يستطيع ذلك.

والحرية الايجابية هي ان تكون لنا شخصياتنا المتكاملة، وان نمارس الحياة تلقائياً. وليست التلقائية فعلاً عفوياً صادراً عن الشعور بالعجز وبتأثير الوحدة، وليست الفعل المؤتمت الذي تشايع فيه الاخرين على ما يذهبون، ولكنه النشاط الحر للذات، الصادر عن ارادة حرة ، وعن انفعال حقيقي واقتناع كلمل بأدائه.

 ولعل خير مثال للنشاط التلقائي هو نشاط الفنان ونشاط الطفل، وكلاهما يعايش فكره ومشاعره ويعبّر عن ذاته. ومن خلال التحقق التلقائي يتوحّد الانسان من جديد بالعالم والناس والطبيعة نفسه، والحب الاعظم ما يؤلف هذا التوحّد. وهو ليس الحب الذي يعني ان يذوب الفرد في الاخر، او الحب الذي يعني امتلاك الاخر، ولكنه الحب الذي هو تأكيد تلقائي للاخرين. والذي يدمج الفرد في الاخرين.

ولعل الصفة الدينامية للحب هي الازدواجية. انه يصدر عن الحاجة الى الغاء التمايز والتباعد، ويؤدي الى الاتحاد والوحدة ، ومع ذلك لا يلغي الفردية.

والعمل عنصر اخر من عناصر النشاط التلقائي، وهو ليس العمل الذي تأتيه قسراً وقهراً وهرباً من الوحدة، وليس العمل بمعنى السيطرة على الطبيعة، وليس هو العمل الذي يتضمن الاستعباد والاستغلال، ولكنه العمل بمعنى الابداع، وان يخلق الانسان ويضاهي الطبيعة.

 وما يصدق على الحب والعمل يصدق على كل النشاط التلقائي، سواء كان تحقيقه لمتعة حسية او مشاركة في الحياة السياسية، وهو يؤكد فريدة الذات، وفي الوقت نفسه يوحّدنا بالانسان والطبيعة، وبذلك تختفي الثنائية الاساسية الكامنة في الحرية والتي تشكل ازمتها السيكولوجية وتصنع منها مشكلة نفسية – ثنائية ميلاد الفردية. والالم الوحدة والعزلة.

وفي النشاط التقائي يحتضن الفرد العالم ولا تظل ذاته كما هي. وانما تكبر وتمتُن، لان الذات تكون قوية طالما هي ذات فاعلة، ولا توجد قوة حقيقية في الامتلاك والحيازة والملكية المادية، ولا في الاستغلال والنفوذ والسيطرة والهيمنة.

وانما القوة هي ان تحقق الذات نفسها اولاً وان يكون انتسابها بما تملكه فعلاً، وينتسب لها على الحقيقة، وهو نشاطها الخلّاق المبدع، وهو مضمون الحرية الايجابية.

سلمان العنداري ... SA

هناك تعليق واحد:

  1. raw3at min rawa23 ka,al9ahirat fi alta3bir watahlil,ibda3 bikol ma3nih alkalimat,,,,,,,salut,,hachoura

    ردحذف