الاصلاحات في لبنان تحوّلت الى كابوس بالنسبة للطبقة السياسية ... |
فور تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي فُتحت الابواب على مصراعيها على الانتخابات النيابية المنوي تنظيمها عام 2013، حتى قيل ان المعركة الانتخابية بدأت رسمياً بين القوى السياسية اللبنانية. فعمد البعض الى "خياطة" اقتراحات تتناسب مع الاحجام والمصالح، وبدأ البعض الآخر التحضير لاطلاق طرّادات ماكيناتهم التي تحسب وتعدّ وتحشد الاصوات من كل مكان...
وفي مكان آخر، وبعيداً عن الحسابات الضيقة، اعلنت الحملة المدنية للاصلاح الانتخابي عن مسودة قانون انتخابي عصري يتضمن عدداً من الاصلاحات التي من شأنها ان تؤمن صحة التمثيل في انتخابات عام 2013.
الحملة التي تم اطلاقها عام 2006 بمشاركة عشرات الجمعيات والمنظمات الناشطة في المجتمع المدني، مستمرة في طرح عدد من الاصلاحات التي تطال القوانين الانتخابية، وتلك المتعلقة بتأمين عملية انتخابية سليمة بعيدة كل البعد عن منطق التزوير والمحاصصة ومنطق "المحادل".
يتحدث منسق الحملة روني الاسعد ويشير الى ان "ما تقوم به الحملة المدنية للاصلاح الانتخابي هو الدفع باتجاه اجراء انتخابات نزيهة وفق معايير متطورة تؤمن صحة التمثيل من خلال طرح عدد من الاصلاحات الاساسية كإعتماد التمثيل النسبي، واقتراع غير المقيمين، والكوتا النسائية على اساس الترشح بنسبة 33%، وتحديد مراقبة الانفاق الانتخابي، وتنظيم الاعلان والاعلام الانتخابيين، وخفض سن الاقتراع الى سن 18 سنة، وخفض سن الترشح الى 22 سنة".
ويؤكد الاسعد ان "ما وصلنا اليه في الحملة جاء بعد نقاش واسع جرى تداوله بين خبراء انتخابيين ونشطاء في المجتمع المدني اللبناني، وبعد تجربة دامت لسنوات عديدة في محاولة لادخال اصلاحات جدية وحقيقية على اي قانون انتخابي محلي او عام في البلاد".
تقترح مسودة قانون الانتخابات النيابية اعتماد النظام النسبي، حيث ينتظم المرشحون في لوائح مقفلة ترتّب نفسها مسبقاً، مكتملة أو غير مكتملة، على ان لا يجوز أن يقلّ عدد المرشحين في اللوائح غير المكتملة عن ثلثي عدد المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية الواحدة.
وفي هذا الاطار، يعتبر الاسعد "ان فئات كبيرة وواسعة من الشعب اللبناني باتت مقتنعة بضرورة اعتماد نظام النسبية وبالاصلاحات المطروحة، بالاضافة الى اقتناعهم الكبير بضرورة اقرار اي قانون انتخابي قبل سنة من موعد اجراء الانتخابات على الاقل، لان الخوف من اللحظة الاخيرة يبقى سائداً وحاضراً".
ويشير الاسعد الى ان "بعض الكتل النيابية تراجع عن التزاماته وعن دعمه لاعتماد النظام النسبي عبر ابداء تحفظات عليه، الا اننا ماضون بالاصلاح حتى النهاية عسى ان تفهم هذه الطبقة السياسية ان المصالح الضيقة والسطحية لا يمكن ان تبني دولة حضارية ومدنية اذا استمرت هذه العقلية المريضة وهذا الخوف من التغيير".
يذكر انه في حال اقرار اجراء الانتخابات النيابية على اساس النظام النسبي، ستكون المرة الاولى التي يقترع فيها اللبناني على اساس هذا النظام.
بالاضافة الى ذلك، تطرح المسودة ان تضمّ كل لائحة من بين اعضائها نسبة لا تقلّ عن 33,33% من النساء على أن تحرص اللوائح عند ترتيب الأسماء على وجود إمرأة من بين كلّ ثلاث رجال كحدّ أدنى.
وفي ادارة العملية الانتخابية والاشراف عليها، تقترح الحملة انشاء هيئة تسمّى "الهيئة المستقلة المنظمة للإنتخابات في لبنان" المعروفة في ما بعد بإسم "الهيئة". حيث تنظّم هذه الهيئة العمليات الانتخابية العامة والفرعية، النيابية والمحلية، وتشرف على تلك الانتخابات وتمارس المهام المحددة لها في القانون الخاصّ بانشائها. ويحق لهيئات المجتمع المدني ذات الاختصاص مواكبة الانتخابات ومراقبة مجرياتها وفق شروط معينة.
اما في التمويل والإنفاق الانتخابي، فتقترح المسودة مراقبة تمويل الحملات الانتخابية واللوائح أثناء فترة الحملة الانتخابية، التي تبدأ من تاريخ انتهاء مهلة تقديم الترشيح وتنتهي لدى إقفال صناديق الاقتراع.
بالاضافة الى ذلك، تقرّ المسودة امكانية اقتراع غير المقيمين على الاراضي اللبنانية حيث "يحق لكل لبناني غير مقيم على الاراضي اللبنانية ان يمارس حق الاقتراع في السفارات والقنصليات اللبنانية وفقاً لاحكام مسودة القانون، على ان يكون اسمه وارداً في القوائم الانتخابية وان لا يكون ثمة مانع قانوني يحول دون ذلك".
وفي المادة السادسة من المسودة، تطرح امكانية اشتراك العسكريين من مختلف الرتب سواء أكانوا من الجيش أم من قوى الامن الداخلي والامن العام وأمن الدولة والضابطة الجمركية ومن هم في حكمه في عملية الاقتراع، على ان تُنظّم انتخاباتهم قبل ثلاثة ايام على الاقل ليوم الاقتراع العام، فيجري اعداد اوراق الاقتراع الخاصة بهم في ذلك اليوم، على ان تستكمل عملية الفرز يوم الاقتراع العام نفسه.
وعما اذا كان هذا الاقتراح قد يساهم في تسييس المؤسسة العسكرية وفي تسييس المؤسسات الامنية الاخرى في البلاد المنقسمة اصلاً، يوضح الاسعد ان "عدداً كبيراً من المواطنين والفاعلين في المجتمع المدني يؤيدون فكرة اقتراع العسكريين على اعتبار ان مشاركة كل المواطنين في الانتخابات النيابية وممارسة حقوقهم تعتبر من المعايير الديمقراطية المطلوبة لاي انتخابات، مع الاشارة الى ان كل دول العالم تقر بحق العاملين في المؤسسات العسكرية والامنية الادلاء باصواتهم وان يعبروا عن رأيهم بالاقتراع السري اسوةً بكل المواطنين".
ويستبعد الاسعد امكانية تأثير مثل هذه الخطوة على طبيعة عمل القوى الامنية والجيش اللبناني، "خاصة وان عملية اقتراعهم ستجري وسط اجواء هادئة وسرية وبعيدة عن الترهيب والتهديد والترغيب او الفرض من قبل احد".
ويتابع الاسعد: "الجيش حامي الوطن والارض، ومن حقه أن يختار ممثليه في البرلمان، وبالتالي فإن المخاوف من امكانية تكريس انقسامات في المؤسسات العسكرية والامنية غير واردة في حال اعتمد هذا الاقتراح الاصلاحي في الانتخابات المقبلة على اعتباره حقاً اساسياً وضرورياً لا يجوز رفضه".
هذا ويُتوقع ان تدخل الحملة المدنية للاصلاح الانتخابي في معركة طويلة وحاسمة بمواجهة القوى المحافظة الرافضة لاي منطق اصلاحي والتي لا تريد اي انتخابات تحقق صحة التمثيل.
وبانتظار ردة فعل النواب الكرام على مسودة القانون الانتخابي الجديد، تبقى البلاد معلّقة باهواء السياسيين وتفاهماتهم التي عادةً ما تًنسج في اللحظات الاخيرة على قياسهم الجغرافي والطائفي والديمغرافي الضيق...
الى ذلك يتوجه الاسعد الى كل مسؤول في البلاد ويقول: "اذا كنتم تسعون الى تطوير الحياة السياسية والانتقال من مرحلة الى اخرى فإن اقرار النقاط الاصلاحية المقترحة تشكل المدخل الاساسي لبناء الدولة الحقيقية، والا فإننا سنبقى في الدوامة نفسها وفق المنطق السائد على حافة الهاوية ننتظر الغرق".
وبإنتظار تطورات المعركة الانتخابية المبكرة تطرح مجموعة من الاسئلة: هل تُقرّ الاصلاحات الانتخابية العصرية؟، وهل يقبل المجلس النيابي الحالي بقانون نسبي وبكوتا نسائية وباقتراع العسكري؟، وهل تقبل القوى السياسية تخفيض سن الاقتراع وسن الترشج واقتراع غير المقيمين، ام ان الامور ستبقى على حالها اسيرة قوانين القرن الماضي؟...
يُتبع -
سلمان العنداري ... SA
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق