الاثنين، 27 يونيو 2011

اكاديمية الريادة الخضراء فتحت ابوابها ... ماذا تنتظرون؟


بعد طول انتظار، كشفت جمعية "الثروة الحرجية والتنمية" الستار عن مشروعها الريادي الجديد، فأطلقت مشروع تدريب وتوعية بيئية للشباب يمتد على فترة ثلاثة سنوات تحت عنوان "اكاديمية الريادة الخضراء"...

ابواب الاكاديمية ستُفتح بعد اسابيع قليلة بعد اختيار مجموعة مؤلفة من 25 مشاركاً من كل دفعة على فترة ثلاثة سنوات. وسيتم اختيار الشباب من ضمن نخبة من الطلاب والمهنيين الذين تتراوح اعمارهم بين 20 و30 عاما، والذين سيمثلون جميع المناطق والمجتمعات والجامعات والمدارس التقنية والشركات، من دون تمييز او تفضيل سوى حماسهم للعمل ومشاركتهم بنشاطات بيئية واجتماعية تبرهن على قدرتهم القيادية وحرصهم على المحافظة على البيئة.

حفل الاعلان عن "الحدث" كان في مقهى "ستاربكس" في منطقة الحمرا، حيث يتعاون المقهى الشهير مع جمعية "الثروة الحرجية والتنمية" في هذا المشروع لزيادة الوعي البيئي في المنطقة، وسعياً لتقديم الدعم للشباب اللبناني ومساعدتهم لكي يصبحوا روّاد المستقبل وقادة الغد".

هدف الاكاديمية يتمثّل بتقديم التدريب والتوعية البيئية للشباب، حيث ستعمل على تمكين شباب لبنان بمهارات القيادة والادارة والبيئية التي تمكنهم من التصرف كقادة بيئيين ولعب الدور الاكبر في الحفاظ على بيئتهم.
 
وياتي المشروع ضمن اطار الشراكة المعقودة بين جمعية "الثروة الحرجية والتنمية" و"ستاربكس" منذ العام العام 2009. وتتألف الاكاديمية من 8 دورات اسبوعية حول مواضيع بيئية، مدة كل منها قرابة الثلاث ساعات، فضلاً عن المواد الداعمة، بما في ذلك: حالة الغابات في لبنان، والسياسات البيئية، وتغيير المناخ، وكفاءة استخدام المياه، والتنوع البيولوجي، وحلول الطاقة البديلة، وادارة التنمية المستدامة.

ومن بين المحاضرين المختصين، السيد نزار هاني مدير محمية ارز الشوف، والسيدة كاثي بيان، رئيس تحرير تلفزيون ومجلة البيئة العالمية، والسيد وائل حميدان، والمدير التنفيذي "لاندي اكت" وغيرهم من المتحدثين وكبار المسؤولين في منظمات دولية رائدة ومتخصصة.

وسيعقب هذه الدورات الاسبوعية ورشات عمل مكثفة على مدى يومين متتاليين تتناول مهارات القيادة، ومهارات الاتصال، وبناء الفريق ، وادارة المشاريع والفعاليات، والمسؤولية الاجتماعية للشركات. وسيتم تنفيذ الدورات التدريبية في مركز "ستاربكس" وسط بيروت، وفي مقر جمعية "الثروة الحرجية والتنمية" في الجديدة. اما ورشة العمل "الرئيسية" والتي تتألف من يومين متتاليين، ستقام في مركز الجمعية في الرملية قضاء عاليه. اضافة الى ذلك، سيقوم فريق العمل والطلاب ببعض الزيارات الميدانية الى بعض الشركات الصديقة للبيئة في بيروت وعدد من المناطق".

المشاركون المؤهلون هم طلاب الجامعات والمدارس المهنية، النوادي البيئية والشبابية واعضاء المنظمات غير الحكومية والمهنيين الشباب واعضاء المجالس البلدية، على ان تتراوح اعمارهم بين 20 الى 30 عاماً".

وفيما كان الصخب السياسي "يزمجر" في شوارع بيروت وصالوناتها السياسية، وفي وقت تعيش فيه البلاد "انفصاماً سياسيا"، وانتظاراً مطوّلاً لحكومة لم تأت بعد، حرصت جمعية الثروة الحرجية والتنمية على اطلاق هذا المشروع الريادي الذي ينظر الى المستقبل، فكانت الاكاديمية الخضراء.

حفل "تدشين الاكاديمية" حضره كل من القائمين على برنامج الامم المتحدة الانمائي، وممثلين عن بلدية بيروت وجمعية الثروة الحرجية، وموظفين من ادارة شركة ستاربكس، وعدد من طلاب الجامعات والناشطين في مجال البيئة.

وكان لافتاً حضور النائب امين وهبة الذي عبّر في حديث معه عن اهتمامه الكبير بالمواضيع والقضايا البيئية، حيث ابدى استعداده للتعاون والمساعدة في اي مشروع بيئي يمكن ان يقدم، داعياً الجميع الى زيارة منطقة البقاع الغربي للتعرف عليها من الناحية البيئية والتراثية.

السيدة سوسن ابو فخر الدين، المديرة العامة للجمعية تحدثت عن المشروع بحماسة شديدة، واشارت الى ان "الاكاديمية ستساعد في زيادة الوعي حول الموارد البيئية، وفي تطوير مهارات الشباب المشاركين في القيادة والتواصل والتنظيم وغيرها من المهارات التي تساعدهم حتماً في حياتهم الاجتماعية وفي مجالات عملهم".

واضافت: "ياتي تعاوننا اليوم مع ستاربكس من خلال هذا المشروع، كامتداد لرؤية الجمعية حول دور الشباب الاساسي في صناعة المستقبل، وذلك بعد تزويدهم بالمعلومات والمهارات التي تمكنهم من ذلك، وهذا ما تسعى اليه الاكاديمية التي تفتح ابوابها قريباً جداً".

بدورها تحدثت المدير الاقليمي للاتصالات والمسؤولة الاجتماعية في ستاربكس الشرق الاوسط وشمال افريقيا السيدة رنا شاهين، وعرضت للشراكة المتينة بين ستاربكس والجمعية الثروة الحرجية والتنمية على مدى السنتين الماضيتين، مؤكدة ان مشروع اكاديمة الريادة الخضراء يندرج في اطار مبادرة "ستاربكس للارض المشتركة" التي تهدف الى تأكيد الالتزام بدعم البيئة خاصة في مجال تقديم الدعم للشباب .

والمشروع بمثابة التزام من "ستاربكس"، ستستمر فوائده لسنوات وسنوات مديدة، باعتبار ان الاستثمار بقدرة الشباب حتى يصبحوا قادة في القضايا البيئية هو ضمانة اكيدة لنمو وازدهار البيئة في لبنان".

وكشفت شاهين ان "المشروع سيتيح للمجموعات الشبابية ولطلاب الاكاديمية تنفيذ مشاريع عدة، عبارة عن مشروع تخرج، وهو اولى ثمار المتخرجين من الاكاديمية، وقد تعهدت ستاربكس بتامين التمويل لمشاريع تصل قيمتها الى 5000$ للمشروع الواحد مع استعدادنا لاي تسهيل اخر نستطيع تامينه لدعم نجاح افكار الشباب".

كما دعت شاهين القطاع الخاص "الى الانخراط الفعلي مع المجتمعات المحيطة به كي يكونوا يداً للعون ومشجعين للمبادرات، ونماذج يقتدى بها من مشاركة الجميع في تحسين نوعية حياة المواطنين".

وبعيداً من الاضواء، تقف كارين الزغبي، منسقة برامج المناصرة في الجمعية. تُشرف على تفاصيل الحفل بدقة شديدة، اذ يُقال انها "العقل المدبّر والمحرّك" للاكاديمية، وانها ستشغل منصب "مديرة الاكاديمية".

الزغبي وفي دردشة معها اعتبرت "ان هذا المشروع النموذجي يهدف الى تسليط الضوء على مفهوم التنمية البيئية المستدامة، وذلك بناءاً على اعلان الامم المتحدة لحقوق الانسان، بان لكل انسان الحق في بيئة امنة وصحية وسليمة، كما وسنسعى في المستقبل القريب الى تطوير هذا المشروع ليطال العدد الاكبر من الشباب اللبناني".


بعد الحفل، كانت دردشات وشوشات بين الحضور. فمنهم من ابدى خشيته على سبيل المزاح من ان تعتمد الاكاديمية سياسة "النومينيه"على غرار برنامج "ستار اكاديمي" الاسبوعي، وفي المقلب الاخر، "تهافت" شديد على تعبئة الاستمارات الخاصة بالمشاركة... الى ذلك ينتظر الشباب عيش تجربة رائدة ومميزة في اكاديمية الريادة الخضراء...

سلمان العنداري... SA

السبت، 25 يونيو 2011

التقمّص ... عندما نموت ونعود الى الحياة من جديد


العودة الى الحياة بعد الموت ... التقمص


التقمص في اللغة العربية هو "مصدر تقمّص، اي لبس قميصاً". واستعار الموحدون الدروز هذه اللفظة لكي يطلقوها على الوجه الاول من اشكال التناسخ الذين يؤمنون به، اي انتقال الروح بعد الموت من جسد المائت الى جسد مولود بشري آخر، وعنهم اخذت هذه التسمية وانتشر استعمالها. فما هو التقمّص؟ وهل صحيح ان الروح تنتقل من جسد الى آخر وتعود بعد الموت؟ وهل التقمّص عقيدة ام ظاهرة؟ حقيقة ام خيال؟ وماذا عن القصص والوقائع المتداولة في الاوساط الدرزية عن اشخاص ماتوا وعادوا بعد سنوات بأجساد اخرى ليتذكروا حيواتهم السابقة؟


انتقال الروح من جسد انسان الى جسد آخر يسمى التناسخ. وهو نظرية دينية قديمة تقوم على عودة الروح بعد الموت الى الحياة في جسد جديد، ويرى القائلون بها ان الروح جوهر الهي أزلي خالد، وخلودها يستمر في حيوات شتى تكون في امتدادها حياة واحدة ابدية مستمرة. الا انهم اختلفوا من حيث الشمول والاختصاص، وتشعبوا الى مفاهيم مختلفة نسجت كل جماعة او امة ديباجتها وفق أمنياتها ورغباتها وخلفياتها.


أصحاب الشمول جعلوا التناسخ مشتركاً بين الانسان والحيوان والنبات والجماد. اما اصحاب الاختصاص، فرأوا في التناسخ انتقال الروح من جسد بشري الى آخر، ولهذا أطلق الدروز على التناسخ اسم التقمّص لتمييزه عن الاشكال الاخرى السائدة لدى بعض الفئات في العالم، لان تقمّص الانسان في جسم حيوان مثلاً يتنافى وشريعة الترقي العامة ويتنافى وشكل الجسد الروحي مع وظائفه.


والتقمص عند الموحدين الدروز معتقد راسخ وثابت يستخلصونه من القرآن ويؤمنون به منذ نحو ألف سنة، باعتبار ان الروح الالهية لا تنزل الا في روح الهية، وهي تتقمص وصولاً الى مرحلة الصفاء اذ تصبح في غنى عن التعامل مع كل ما هو مادي وترجع الى خالقها.

رغم الرفض الشيعي والسنّي لفكرة "التقمّص"، يؤكّد الرئيس السابق للمحكمة الدرزية الاستئنافية الشيخ مرسل نصر  ان "الموحدين الدروز طائفة مسلمة مؤمنة موحّدة تشهد ان لا إله الا الله وان محمد رسول الله، وتقر بوجوب الصوم والصلاة والزكاة والحج لمن استطاع، ومن لا يقرّ بهذا يكون قد خرج من التوحيد. فالموحدون الدروز مسلمون، تعمّق ائمتهم الاوائل في درس القرآن بتنزيله وتأويله، واليه استندوا في اعتقاد مبدأ التقمص، فضلاً عن ان عدداً كبيراً من ائمة الاسلام وفلاسفتهم ومفكريهم وفي شتى الاعصار والامصار قالوا بهذا المبدأ انطلاقاً من الايمان بخلود الروح الذي يفترض ان يكون لها ماضٍ وحاضر ومستقبل، وان تكون لها مهمة تؤديها في شتى مراحل الحياة، كما تجدر الاشارة الى ان من لا يعتقد بالتقمص داخل الطائفة لا يخرج من الملة".

يرى نصر رأيين في عقيدة التقمّص، الاول يجزم ان الروح تصعد الى السماء فور مفارقتها الجسد، ويستند الى قوله تعالى "يسألونك عن الروح قلّ الروح من أمر ربّي، وما أوتيتم من العلم الا قليلاً"، ومؤيدوه لا يعتقدون بالتقمّص. اما الرأي الثاني فيستند الى اجتهاد بعض أئمة الموحدين لقوله تعالى" وكيف تكفرون بالله وكنتم امواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم اليه ترجعون" (سورة البقرة)، كما الى مجموعة من الآيات والنصوص الدينية التي تؤكد التقمّص وتعدد الحياة والممات.

يشبّه نصر تقمّص الانسان بمثابة "الامتحانات الفصلية، اما يوم القيامة والمحاسبة فهو بمثابة الامتحان الاخير الذي يقرر فيه اذا ما نجح الطالب ام لا، فالحساب واجب والقيامة واجبة، وهي معتقد اساسي من معتقد التوحيد، اذ يدخل بعضهم الى الجنة ويذهب البعض الاخر الى النار". ويتابع ان "عقيدة التقمّص ليست محصورة عند الموحدين الدروز، بل موجودة في كثير من الديانات القديمة، والشرقية منها خصوصاً، فحتى المسيحية في الزمن القديم كانت تعتقد بالتقمص، الا انه بعد الاجتماعات الكهنوتية التي حصلت اتخذ القرار بعدم اعتماد هذه العقيدة، علماً انها بقيت بين بعض المتعمقين في الدين المسيحي" على ما يقول نصر.


التقمّص عقيدة قديمة

كان الفراعنة أول من آمنوا بهذه العقيدة، وجسدوا ذلك في طريقة دفن أمواتهم، اذ كانوا يعمدون الى وضع كل حاجات المأكل والمشرب والادوات الشخصية مع الميت، حتى انهم وضعوا تماثيل لخدّامهم لاعتقادهم انه عند عودة الروح الى المتوفى سيجد الجميع في خدمته، كما كانوا يرسمون وجه الميت على التابوت بهدف تعرّف الروح الى جسدها كي لا تلتصق بجسد آخر.

وفي اليونان ايضاً، آمن بعض الفلاسفة بـ "التناسخ"، ومنهم أفلاطون وأرسطو وسقراط، اذ يعتبر أرسطو ان الروح إذا لم تكن صالحة تعود لتخلق في جسد حيوان. وآمنت بذلك بعض الديانات في الهند والصين والشرق الاقصى، كالبوذيين الذين يعتبرون ان الحياة عذاب، وروح الانسان ان لم تكن صالحة ستعود إلى الأرض في جسد آخر حتى تصبح طاهرة.

واضافة الى اعتقاد الكثير من القبائل والشعوب الاخرى بالتقمّص، جاءت الكتب الدينية السموية كلها لتؤكد ان الروح ترجع إلى خالقها ولكنها في الوقت نفسه قد تعود إلى الجسد "لان الله على كل شيء قدير".

في المسيحية، وحتى انعقاد المجمع أو المؤتمر الكهنوتي الخامس في حزيران عام 553م في القسطنطينية، آمن المسيحيون بالتقمص، وكان الفيلسوف والعالم المسيحي أوريغينيس الإسكندراني (185 – 254م) والذي كان رئيس مدرسة اللاهوت في الإسكندرية في مصر، أول من كتب وحلل موضوع التقمص في المسيحية وتبعه في ذلك الكثير من الكهنة وعامة الشعب، حيث تقرر في هذا المؤتمر الغاء الإيمان بالتقمص وهدر دم كل من يؤمن به واعتباره خارجاً عن الديانة المسيحية ووجب إعدامه حرقاً.


لكل فعل... ردة فعل

يقول الباحث محمد خليل الباشا في كتابه "التقمّص واسرار الحياة والموت" ان الغاية من اتخاذ الروح الجسد لباساً لها هي الاختبار والتجربة في طريق التسامي والترقي لتحقيق الذات وبلوغ الصفاء والنقاء، وهذا لا يمكن ان يتحقق في خلال السنوات القصيرة المعدودة للانسان في التقمص الواحد، فكيف إذا ما مات الانسان شاباً أو طفلاً، وما هي قيمة السنوات مهما كثرت في حياة روح خالدة، بل ما قيمتها في بحر الزمن، في كون هائل سما على الزمان والمكان. فالتجارب اللازمة لإدراك المعرفة وبلوغ الصفاء لا يمكن ان تتم في زمان محدود أو مكان محدود، بل بأعمال لا تتسع لها حياة واحدة ولا مكان واحد في الأرض .

وفي هذا الاطار يقول نصر ان الموحدين الدروز يعتقدون ان التقمّص يتم لتحقيق العدالة الالهية "فالمجتهدون بهذه العقيدة ارادوا ان يجدوا تفسيراً للتناقض الموجود في الحياة، فلماذا هذا اعمى وهذا مبصر؟ ولماذا هذا غني وهذا فقير؟". ويضيف: "عندما يولد توأمان، احدهما ضرير والثاني مبصر، فماذا جنت يد الضرير حتى ولد هكذا، وماذا جنت يد البصير حتى ولد على حالته؟ فقالوا انه لا بد من عمل سابق استحق فيه الضرير ان يولد ضريراً واستحق فيه البصير ان يولد بصيراً، وان هذا الموضوع ايضاً ينطبق على قوله تعالى "ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره"، و"وما أوتيتم من مصيبة فبما كسبت ايديكم". اذن فالمصيبة التي وقع فيها الضرير يمكن ان يكون اكتسبها في الدين السابق. كما ان الكثير من الجبابرة الذين اضطهدوا وقتلوا وفتكوا ماتوا ميتةً طبيعية ولم يحاسبوا على اي شيء مما اقترفته أيديهم. اعتبر المجتهدون الدروز انه يجب ان يكون لكل فعل ردة فعل. وردة الفعل ان لم تحصل في هذا الجيل فستحصل في الجيل التالي، وذلك يتم عبر التقمص. ومن هنا كان الاجتهاد لازالة التناقضات التي نراها في حياتنا من اجل تحقيق العدالة الالهية، وكان التقمص ضرورة للانسان كي يمر بمستويات متعددة من فقر وغنى وذكاء وغباء، ليحاسب في هذه المستويات المختلفة".

كيف يتذكر الانسان حياته السابقة؟

تقول تقنية التقمص انه بعد الموت يذهب العقل الباطني مع الروح. وعندما تتقمص الروح في جسد جديد يفرّغ هذا العقل تسجيلاته في الذاكرة الاساسية، ثم يأتي ليسجل الاحداث الجديدة، وعند ولادة الطفل تكون حياته القديمة حاضرة امامه، وقد يتذكر تفاصيلها عندما يبدأ بالكلام لكنه ينساها مع الايام، رغم انها تظل موجودة في عقله الباطني.

اما التذكّر او النطق، فيعني ان يستبقي عقل بعض الاشخاص شيئاً من ذكريات التقمص، ويصفون ماضيهم اوصافاً امكن التثبت من كثير منها، والتأكد من عدم وجود اي اعراض لاضطراب الذاكرة يثير عند صاحبها بعض الذكريات التي قد تظهر اما في شكل اوهام تحل محل ذكرى حقيقية غربت عن ذهنه، واما في شكل ذكريات حقيقية التبس فيها الزمان والمكان، واما في شكل تصوّر احداث يخيّل له انه مر بها كما يحدث في حالات الرؤية من قبل او déjà vu.

يصف نصر النطق بانه "حالة من الكمون في لاوعي الانسان لكثير من التجارب والمعارف التي اكتسبتها الروح على مر العصور، وكل ذرة من هذا الكون تتمثل فيه، اما بالنسبة الى تذكّر الحيوات السابقة، فلا يمكن الفرد تذكّر حيواته السابقة في شكل دائم، الا انه غالباً ما يتبين ان من يموت في حادث عنيف، كاطلاق رصاص او غرق او صدام ما، يكون احتمال النطق وتذكر حياته السابقة اعلى من سواه".


التقمص يثبته العلم

كان للعلم دور فاعل في "اثبات" نظرية التقمّص، اذ ذهب العلماء في استخدام طرائق مختلفة للتحقق من صحة التقمص ومنها التنويم المغناطيسي، اذ يعتبر نصر انه "ساعد الى حد كبير بترسيخ عقيدة التقمص لان المنوم يمكن ان يعود الى حيوات سابقة وهذا شيء مهم جداً على صعيد العلم".


عصام عاد بعد 3 سنوات على موته؟

المتتبع لاحداث التقمّص يصادف الكثير من اخبار "التذكّر" و"النطق"، كقصة جميل السوقي الذي قتل في حوادث 1958 ثم عاد وولد في بلدة الشويفات، وعندما نطق ذهب الى اهله السابقين وارشدهم الى المكان الذي خبّأ فيه بندقيته، كما قال لهم انه اودع ساعته عند فرّان في مدينة عاليه الجبلية، وقد ذهب شقيقه الى الفران المذكور فوجد انه ما زال محتفظاً بها.

وفي قصة اخرى، يحكى انه خلال الحرب اللبنانية عام 1976، قتل الشاب عصام سعيد نتيجة الاشتباكات التي دارت في قريته صليما في المتن الاعلى. وبعد مرور اكثر من ثلاث سنوات على مقتله، فوجىء اهل "المرحوم" بفتى صغير يطرق بابهم ويشير اليهم بالاسم مدعياً انه عصام وقد تقمص في جسد الطفل فراس الحلبي من قرية الخلوات المجاورة.

 التقينا فراس بعد 33 عاماً على مقتل عصام ليخبرنا قصته الغريبة، وكيف تقمص وتذكر حياته السابقة: "بعد عودتنا من المملكة العربية السعودية الى لبنان عام 1979 كنت طفلاً صغيراً، وبدأت أردد اسماء غريبة "صلاح" و"حياة" وكانت والدتي تتساءل دوماً عن سبب تردادي المستمر لهذه الاسماء التي لا اعرفها".

وتابع: "في احدى المرات، اصطحبني عمّي في جولة معه الى بعض المناطق التي تحيط بقريتنا، وعندما وصلنا الى ساحة بلدة صليما، قلت لعمي اسم القرية، ففوجىء كيف يعلم الطفل الآتي من السعودية باسم قرية لم يزرها يوماً، وعندما وصلنا الى وسط البلدة، ترجلت من السيارة لأبدأ مصافحة الناس ومناداتهم باسمائهم، قائلاً انني عصام سعيد. وهنا اكتشف اهلي انني متقمص".

يؤكد فراس انه عاش فترة طويلة من الصراع الداخلي بين الماضي والحاضر، صراع على الهوية الحقيقية التي يحملها نتيجة ازدواجية الذكريات والتباسها في كثير من الاوقات، وفي مرحلة من المراحل، اصبحت عائلة سعيد الثانية جزءاً لا يتجزأ من حياته اليومية، ولكن مع مرور الزمن استطاع فراس ان يتجاوز هذا الصراع رغم حفاظه على علاقات ودية للغاية مع بعض من اقاربه في "الجيل الماضي" وخصوصاً اخته منيرة التي ما زال يتردد اليها.
 
رحلة الى الشرق


الأديب الفرنسي الكبير "لامارتين" عندما زار الشرق، فلسطين ولبنان وسوريا، كان يدوّن معرفته بالأماكن قبل ان يزورها... وذكر ذلك في كتابه "رحلة إلى الشرق".

جولة ستيفنسون


زار البروفسور الاميركي الشهير يان ستيفنسون لبنان خلال جولة في العالم لاكثر من 30 عاماً لاجراء بحوث حول ظاهرة التقمص، وكانت زيارته الى احدى القرى الدرزية فجائية وغير معلنة لتفادي اي تحضير مسبق لرواية خيالية أو غيرها من أساليب تساعد في تشويه الحقيقة. وصل وطلب من الأهالي ان يرشدوه إلى أحد المنازل الذي تجسّدت فيه ظاهرة التقمص، فاستدل إلى منزل فتى في الخامسة من عمره، اسمه عماد الأعور روى له حياته السابقة منذ ان كان في السنة الأولى من عمره. وكان يشير في كلامه إلى قرية أخرى تبعد 25 ميلاً عن قريته، كما كان يتلفّظ أسماء مثل "جميلة" و"محمود".

وبعدما قابله ستيفنسون، أخذه إلى القرية التي كان يذكرها دائماً في كلامه، فتعرّف الى المنزل الذي كان يعيش فيه، و تمكن من التعرّف الى عمه محمود من خلال الإشارة إليه في الصور الفوتوغرافية، وكذلك زوجته جميلة اضافة إلى كثيرين كان يعرفهم في حياته السابقة. والاغرب من كل ذلك انه تمكّن من التعرّف الى المكان الذي خبأ فيه بندقيته، بعدما كان سرّاً لا يعرفه احد سوى والده قبل مماته، كما تذكّر كيف كان موقع السرير أثناء مرضه الأخير قبل الوفاة.

 
اشكال التناسخ


النسخ هو التقمص وهو انتقال النفس أو الروح من انسان إلى آخر (وهو ما يؤمن به الدروز).
المسخ ويعني انتقال النفس البشرية إلى جسد حيوان.
الرسخ ويعني انتقال الروح من الجسد البشري إلى نبات.
الفسخ وهو انتقال الروح من الجسد إلى جماد.
 
بعض النصوص والايات التي تشير الى التقمص بشكل او بآخر وفق علماء دروز


* في الانجيل

- انجيل متى 12:17 : على لسان السيد المسيح "أقول لكم ان إيليا قد جاء ولم يعرفوه بل عملوا به كل ما أرادوا كذلك ابن الانسان أيضا سوف يتألم منهم".
- انجيل متى 13-14: 11 : "لان جميع الانبياء والناموس تنبئوا إلى يوحنا وان أردتم ان تقبلوا فهو إيليا المزعم ان يأتي".
- انجيل يوحنا 3:3: عندما سأله نيقوديموس أجاب يسوع وقال له "الحق أقول لك ان لم يولد أحد ثانيةً فلا يقدر ان يعاين ملكوت الله".

 
* في القرآن

- سورة البقرة، الآية 28: "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يُحييكم ثم إليه تُرجعون".
- سورة طه، الآية 55: "منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نُخرجكم تارةً أخرى".
- سورة الزمر، الآية 6: "يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً بعد خلق".

سلمان العنداري ... SA
تحقيق كتبته في جريدة النهار اللبنانية قبل فترة .

الأربعاء، 22 يونيو 2011

لا والف لا للتحرش الجنسي ...


اكتب لكل فتاة تعرضت لمحاولة تحرش من قبل وحش كاسر وغاضب ومريض نفسياً، في العمل او في الشارع او في الحديقة العامة... اكتب لكل سيدة وقعت ضحية الكبت والعقليات المريضة... اكتب لكل طالبة حاول استاذها افتراسها في لحظة تخلّ بعد يوم طويل من الجلوس على مقاعد الدراسة...

اكتب لكل امرأة في الحياة تشعر بالعار والانكسار والرغبة الجامحة في الاغتراب عن هذا العالم الغارق في بحر الشهوات المجونة والمجنونة... اكتب لكل امرأة تبحث عن نفسها وعن تحقيق ذاتها وتأكيد طموحها واحلامها في محيط مغلق ومجتمع محافظ ومتحفظ لا يحترمها ولا يعرها الاهمية اللازمة.

اكتب لكل موظفة ضاقت ذرعا ًمن تصرف مديرها معها، ومن شهواته الفاسقة في المكتب وخارجه، ومن نظراته الجارحة في عنقها وصدرها ومؤخرتها... اكتب لخادمة "عاملة منزل" اضطرت لان تتعايش مع مجموعة من الوحوش في المنزل التي تعمل به، فقط لانها تريد ان تؤمن العيش الكريم لاطفالها في الجهة الاخرى من العالم...

اكتب لطفلة مسكينة قرر قريبها ان يفجر نزواته الغريبة بجسدها البريء، وان يخطف منها البسمة وقت المغيب، وان يهددها بالقتل وفضح امرها في ما لو اخبرت ذويها بالامر، لتتحمل وسمة العار حتى اللحظات الاخيرة من حياتها المغتصبة...

واذا كان مجتمعنا العربي مريض، غارق في الماضي، ويلعن المرأة ولا يحترم عقلها، ولا يعطي اي اهمية لمشاعرها وتطلعاتها ونظرتها للامورفان الوقت قد حان الوقت كي ننتفض ونقول لا للتحرش الجنسي... ولكي نقف نحن النخبة المثقفة والمتعلمة، نحن الشباب الواعي والمتفاعل، بمواجهة هذا السرطان الخطير لوضع حد نهائي لهذه الكارثة التي تتسع في مجتمعاتنا.

 حان وقت التضامن مع المرأة ومساعدتها ومساندتها على رفض التحرش بها، ولا بد من توعية المجتمع من هذه الفعلة الفصامية المليئة بالعقد الاضطرابية والرجولة المتخيلة الممزوجة بسادية مترفة بالعار.

ومع تحفظي على ذكر بعض قصص التحرش التي تابعتها في السنوات الاخيرة، اعلن تضامني مع المرأة، ورفضي التحرش الجنسي بها، وارفع الصوت عالياً مع عشرات من المدونين والناشطين: "لا للتحرش الجنسي، نعم لكرامة المرأة...

سلمان العنداري ... SA

الاثنين، 20 يونيو 2011

قراءة في كلام الاسد : ليته لم يتكلّم ...

متوتراً بدا الرئيس السوري بشار الاسد في كلمته الاخيرة ...

بغضب شديد، تابعت الكلمة الباهتة والشاحبة والمأساوية التي القاها الرئيس السوري بشار الاسد، الذي يواجه ثورة شعبية غير مسبوقة منذ اكثر من 3 اشهر.

خرج الاسد كالعادة، ليذرف الدموع، وليبرر سياسة القتل وسفك الدماء، وليوهم المجتمع الدولي واصدقاءه بأنه ماض بتنفيذ حزمة اصلاحات صورية لا اكثر ولا اقل.

خرج الدكتاتور، ليؤكد من جامعة دمشق وامام حشد لا بأس به من المصفّقين بان فصول المؤامرة تُزهر مزيداً من العزّة والمناعة لسوريا، وكأنه اراد الدوس على الربيع المتفتح في مدن وقرى الشام، والقول بانه لا ربيع ولا ثورة ولا انتفاضة يمكن ان تطيح بي وبنظامي المستعد لقتلكم جميعاً على يبقى الى الابد...

واذا كانت المؤامرات التي تحدث عنها الاسد "كالجراثيم التي لا يمكن ابادتها"، فان القتل الذي يمارسه النظام يبدو اكثر فتكاً من تلك الجراثيم، كما ان نظرية المؤامرة التي يتخفى خلفها كل دكتاتور عربي في المنطقة لم تعد جذابة على الاطلاق، لان الشعوب استفاقت وخرجت من قمقم القمع والطغيان والتخويف، واسقطت الاقنعة، كل الاقنعة عن كل الشعارات التي تُرفع هنا وهناك.


ليته لم يتكلم... لانه لم يضف شيئاً، ولم يتخذ اي قرار حاسم بوقف النزيف وبوقف حمام الدم، وبتلبية مطالب مئات الالاف من السوريين، فكان كلامه عبارة عن تكرار لشعارات سابقة بتنا نعهدها ونعرفها عن ظهر قلب.


واذا كان الخيار الوحيد "هو التطلع الى المستقبل"، فعلى الرئيس السوري التنحي والرحيل فوراً عن الحكم،  او قراءة الماضي وفهم للحاضر (كما يقول) والاستفادة من التجارب، والمضي قدما في الاصلاح الحقيقي لمصلحة سوريا والشعب السوري بدل الاستمرار في سياسة التكاذب في بركة الدماء التي غرقت فيها البلاد.


الاسد واجه شعبه بخطابه الخشبي هذا، فارتدى ثوب الملائكة وتذرع بالتدخلات الخارجية وبموقع سوريا الاستراتيجي في المنطقة، واصفاً الاحتجاجات بانها مجموعة من الاعمال الخارجة عن القانون...


ولم ينس الاسد التلويح بفزاعة التطرف الاسلامي الذي اعتبره "الاكثر خطورة" وبأنه يقبع بالزوايا المظلمة، ويقتل باسم الدين ويخرب تحت عنوان الاصلاح، داعياً الى تطويق هذا الفكر... وبهذا الكلام يكون الاسد قد اطلق الرصاصة الاخيرة على منطقه السياسي المفلس كلياً، ليستمر بكلامه الفارغ عسى ان يجد من يصدقه.

وبوقاحة غير معهودة، برر الاسد استخدام السلاح واعمال القتل والاجتياحات المرعبة للمدن والمحافظات والقرى بانها اتت بعد قيام "العصابات المسلحة والمخربين" على حد قوله باطلاق النار على الشرطة وباستغلال المسيرات، وباغلاق المدارس والطرق العامة بقوة السلاح، وبالتعرض للمؤسسات العامة وبتشويه صورة الوطن خارجيا وبالدعوة للتدخل الخارجي، وبالعمل على استحضار خطاب مذهبي"...

هذا ولعب الاسد على معزوفة الاصلاح مراراً وتكراراً، والجدير ذكره ان هذا العنوان الجذاب والبراق كان قد رفعه شعاراً قبل نحو 11 عاما فور تبوئه السلطة بعد رحيل ووالده. حينها كانت النتيجة مزيداً من القمع وتفلت المخابرات والطغيان في كل "حكر ووكر" في البلاد...

عن اي قانون تحدث الاسد يا ترى؟... اهو قانون القتل، ام قانون البعث، ام قانون السلطة الابدية؟... اهو قانون الاجتياجات واطلاق النار على المتظاهرين، وتعذيب الاطفال، ام قانون تهجير الالاف وقطع الطرقات وتعميم ثقافة الفساد؟".

واذا كان من واجب الدولة ان تطارد المخربين، فعلى الرئيس الاسد ان يتخذ قراراً جريئاً وان ينفذ الوعود باسرع وقت ممكن، مع الاشارة الى ان الشعب فقد ثقته بالنظام الذي يهتز ويتزعزع بسرعة شديدة، وانتقل من المطالبة بالتغيير والاصلاح الى اسقاط النظام بالكامل.


واذا كان الحوار بات عنوان المرحلة الحالية، بحسب الاسد، فالنظام مطالب قبل المباشرة باس حوار بوقف اطلاق النار واعمال القتل والقمع، وبتنفيذ حزمة الاصلاحات التي تحدث عنها، ومحاسبة كل من ارتكب الجرائم والفظائع بحق الشعب والناس والابرياء، وبالاعتذار العلني من كل مواطن سوري سُلب من حق العيش، وسُرقت منه كرامته لعقود وعقود.


وعلى كل حال، اذا اراد الرئيس السوري بلسمة الجراح ووقف النزيف، فليلاحق ازلام نظامه ومخابراته قبل ان يوجه اصابع الاتهام للابرياء العزّل، وليحاسب نفسه قبل كل شيء.... فليته لم يتكلم ...

سلمان العنداري ... SA 

الأحد، 19 يونيو 2011

إنه الرفيق جورج حاوي بعد ستّ سنوات من اغتياله

جورج حاوي ... الشهيد ... المناضل


ستّ سنوات مرّت، وكأنها البارحة، جورج حاوي مرّ من هنا، فكان على موعد مع الموت الجبان الذي شاء ان ينهي حقبة مهمة من حياته السياسية والانسانية. لكن هذا الموت والاغتيال القاسي لم ولن يتمكن من سرقة فكر وانجازات وعقلية هذا الرجل في مقاربة الامور والقضايا، فالانتصار على الموت والقدر والاجرام لا يكون الا بالوفاء لمسيرة احد اهم وانظف رجال السياسة في لبنان... انه جورج حاوي.

"انه من اللبنانيين الشجعان الكبار الذين دفعوا الى تقديم حياتهم المفعمة حيوية ونضجاً ووطنية، في خضم انتفاضة شعبنا من اجل استعادة الحرية والاستقلال والسيادة، ولردّ العافية الى نظامنا الديمقراطي. انه واحد من الرموز البهية التي اسهمت بتعزيز قدرة مجتمعنا على مقاومة القبضة الحديدية التي كادت ان تزهق روحه".هكذا يقول ميشال اده في مقدمة كتاب "جورج حاوي، مواقف القائد وشهادات الرفاق".

ويقول كريم مروة، صديق حاوي انه لا يحتاج الى التعريف به، فهو كان على امتداد حياته السياسية التي لم تطل كثيراً بفعل الاغتيال الذي طاوله،عميق الحضور في حياة لبنان وفي احداثه وفي حياة المنطقة وفي احداثها. وقد تحوّل وفي وقت مبكر وبسرعة مذهلة الى شخصية لبنانية وعربية مرموقة. بل تجاوز وهو في سن الشباب حدود لبنانيته وعروبته الى المدى الاوسع عالمياً، ليس فقط كقائد لحزب لبناني عريق، مكمّلاً بسيرته، في ظروف جديدة مختلفة سيرة رفاقه الرواد الاوائل، واتخذ فيما بعد صفة الشخصية الديمقراطية واليسارية المستقلة... انه جورج حاوي.

تاريخ لا يمكن اختصاره

تاريخ جورج حاوي لا يمكن اختصاره بحقبة زمنية معينة ومحددة، على الرغم ان كثير من القوى والاطراف السياسية كانت تتصارع على "ابو انيس" وخياراته السياسية بعد اغتياله، فمنهم من صنّفه بأنه شهيد المقاومة والبعض الآخر شهيداً للاستقلال، وبعضهم صنّفه في خانة شهيد القضية الفلسطينية, الا انه وفي الحقيقة، فإن جورج حاوي هو شهيد لبنان، كل لبنان ، لأن نضالاته السياسية طوال عقود كانت تهدف كلها لحماية سيادة واستقلال وكرامة لبنان اضافةً الى وفائه للقضية الفلسطينية وشعبها .

لا تضيعوا في الطائفية

فيما يختص بانتفاضة الاستقلال، فقد كان حاوي حريص كل الحرص على الا تضيع هذه الانتفاضة وهذه الحركة الشعبية الضخمة في غياهب الطائفية المستشرية والمحاصصة، وقد تركزت احاديثه الاخيرة على ضرورة تأمين قدرة الرابع عشر من آذار على الوفاء بشعاراتها التي اطلقتها في انتفاضة الاستقلال والحيلولة دون احتمالات التراجع عنها او التقليل من شأنها او المساومة عليها لأهداف ومصالح خاصة، كما كانت له الكثير من الملاحظات على اداء المعارضة "قوى 14 آذار"، والخطاب الطائفي لبعض هذه القوى مطالباً اياها بضرورة القفز فوق الخطوط المذهبية والزواريب اللبنانية الضيقة من اجل الشروع بدولة لا طائفية مدنية تحترم الانسان قبل كل شيء ولا تحصره في طائفة او عقيدة.

عندما اعلن الرئيس السوري بشار الاسد عن نيته سحب الجيش السوري من لبنان بعد اكثر من 30 عاماً من الوصاية والاحتلال والقمع، وصف حاوي هذا القرار بأنه خطوة تاريخية في مستقبل العلاقات. وتوجه الى اللبناننين بالقول": "لا تضيعوا طعم الانتصار، كما ضيعتم طعم انتصار التحرير من الاحتلال الاسرائيلي، بافتعال عدم اكتماله.

لا تضيّعوا الانتصار

"لا تضيعوا محتوى الانتصار الذي كان لنا شرف الدور الاساسي فيه، منذ مقاومتنا الدخول السوري الخطأ الى لبنان عام 1976، ودفعنا الاثمان غالياً لذلك، وطوال المرحلة الماضية رفعنا لواء تصحيح العلاقات اللبنانية السورية، ودفعنا بسبب ذلك الثمن التهميش والعزل، بينما كان بعض المعارضين اليوم يقطفون ثمار التعمشق على تلك العلاقات، وبجانبها الاكثر سوءًا، لجني المكاسب السياسية والمادية، وصولاً الى كوننا اول من رفع شعار ضرورة التغيير الجذري في شكل هذه العلاقة ومحتواها فوراً بعد انجاز التحرير، بينما ذهب هذا البعض مزايداً بادعاء احتضان المقاومة دون ان يساهم بها، لا تاريخاً ولا حاضراً. وطوال مرحلة استمرارنا رافضين لصيغة الهيمنة كنا طليعيين في مواجهتها".

الطائف طبّق بشكل انتقائي

يعتبر جورج حاوي ان اتفاق الطائف طبق بشكل انتقائي، " فلم يلغ هيمنة ما ليقيم وطناً، بل الغى هيمنة سميت بالمارونية السياسية ليقيم هيمنة اسلامية عامة، وشيعية خاصة، تبدو الآن عارية بعد سقوط جانبي المشاركة في هذا الجانب، الا وهو الجانب السني المتمثل بالشهيد رفيق الحريري ومشاركة وليد جنبلاط الدرزية، لتبدو الصورة الحقيقية للحالة الشيعية التي تحمل على عاتقها كل وزر الوضع اللبناني. ثم طبق اتفاق الطائف انتقائياً فيما يتعلق بالوجود السوري, فألغيت فترة السنتين تحت ذريعة الاحتلال الاسرائيلي. وكنا نحن متواطئين في هذا الامر، وكان برأينا والبطريرك صفير نفسه قال، انه لم يكن مناسباً في مرحلة النضال لإخراج العدو الاسرائيلي ان نطالب بإخراج الحليف السوري. ولكن الخطأ الاكبر والتاريخي الذي ارتكبته القيادة السورية في لبنان انها لم تبادر، وفي الاسبوع الاول لخروج الاحتلال الاسرائيلي من الجنوب تحت ضربات المقاومة، الى طرح النظر بشكل وجود قواتها في لبنان، وبشكل تطبيق الطائف. بل فعلت العكس.

سوريا لم تدرك التحولات

يتابع الشهيد حاوي في الحديث عن سوريا بالقول: " سوريا لم تدرك ان هناك تحولاً ما في المزاج اللبناني الذي احتما التجاوزات من قبلنا، ومن قبل سوريا، ومن قبل المقاومة الفلسطينية، اذ لم يعد يحتمل ذلك الآن، ولم يعد ذلك مبرراً لهذا الوجود السوري سياسياً عسكرياً وامنياً والذي ادى الى صدور البيان الشهير لمجلس المطارنة، والذي لم يظهّر على حقيقته، بل العكس قوبل ببيانات من "خلية حمد" ".

" وصلنا لحالة انهم لم يعرفوا كيف يتراجعون اذ اصبجوا امام الانهيار والتراجع العسكري الذي لم يضع خطة للتراجع كما يضع خطة للهجوم هو عسكري فاشل وساقط في علم العسكر والسياسة. وكان يجب ان يدرج كيف تتراجع سوريا وكيف يتراجع الحكم القائم على محورها، ولكن مع الاسف كل دعوات العقل ذهبت، وصرنا امام واقع كارثي، الواقع الذي لا يعرف المعني به كيف يتراجع ويحمي نفسه، سينهار. وقد جرى اول انهيار".

"آمل ان تعرف سوريا والحكم الذي بني على قوتها في لبنان كيف تتراجع الآن حتى لا تنهار ليس فقط في لبنان، بل حتى لا تنهار سوريا نفسها، لأنني لست من انصار اسقاط هذا الحكم في سوريا، هذا الحكم العلماني، الذي يأتي على انقاضه كل طائفي ومذهبي واخوان مسلمين. وسيدفع اللبنانيون ثمن ذلك غالياً، ومسيحيو لبنان خاصةً وديمقراطيو لبنان وغيرهم. فمن موقع حرصي على وحدة لبنان، وعلى إغلاق لبنان على التدخلات الخارجية، وعلى التعاون اللبناني السوري، ادعو السوريين الى معرفةة كيفية التراجع حتى نبني علاقات تحالفية حقيقية لاحقاً.

إخرجوا...

ليس صحيحاً ان اللبنانيين لا يستطيعون ان يحكموا انفسهم، وانهم امام خيارات وحيدة هي ان تحكمهم سوريا او اسرائيل او اميركا, اللبنانيون حرروا ارضهم، وسوريا لم تحرر ارضها بعد. اللبنانيون طلائعيون في الغروبة، والغرب الآحرون قدموا تنازلات وصلت الى التنازل عن سيادتهم وقرارهم الوطني مقابل استعادة بعض ارضهم. واللبنانيون عريقون في الديمقراطية. وليس صحيحاً ان هناك خطراً في خروج سوريا من لبنان، وان ذلك سيحدث عدم اسنقرار, بالعكس استمرار الصيغة السابقة من الوجود السوري ومن استخدام الجنوب سيكون مدعاة لإعادة العامل الاسرائيلي والاميريكي والاوروبي الى الساحة اللبنانية. هل تريدون إقفال لبنان امام العوامل الاميريكية والاوروبية والاسرائيلية؟. اخرجوا.

نحن نريدعلاقات من نوع جديد على قاعدة وطنية لبنانية وليس حكن سوريا للبنان، ولا استبداله بحكم امريكي اسرائيلي.

كونوا اوفياء

اذن، جورج حاوي يحتفل بذكرى اغتياله، ويتذكر اليوم كل الشعب اللبناني هذا النهار التراجيدي الذي اودى بحياته. الا انه، علينا جميعاً ان نرتقي بجورج حاوي وان نكون على قدر كبير من المسؤولية في الحفاظ على ارثه وثقافته ومعرفته وانفتاحه وعروبته وقوميته وتعاطفه مع القضية الفلسطينية ورفضه لدولة الطوائف، ورفضه لأي هيمنة سورية اسرائيلية او اميريكية ومن اي مكان اتت، فلنكن اوفياء لهذا الخط وهذه الممارسة ولهذا الرجل الذي لم يسئم يوماً من التفتيش عن المبادرات والحلول، ولم يتوانى يوماً عن قول الحقيقة مهما كانت جارحة.

كونوا اوفياء ايها الشباب لجورج حاوي، تذكّروه كل يوم وكل لحظة وعند كل استحقاق.
سلمان العنداري ... SA