مما لا شك فيه ان دور وسائل الاعلام الاجتماعي في الاحتجاجات والثورات تنامى بدرجة كبيرة في السنوات والاشهر القليلة الماضية، اذ تمكنت هذه الشبكات الاجتماعية من تغيير الانظمة ومن مواجهة القمع المتمادي وانتهاك حقوق الانسان وسياسة التعتيم الاعلامي التي انتهجتها الوسائل الاعلامية الرسمية التابعة للانظمة التوتاليتارية الاستبدادية التي قهرت شعوبها لعقود وعقود.
وفي هذا الاطار، وضمن فعاليات الندوة التدريبية الاقليمية حول الحوار بين الثقافات والتغير الاجتماعي المنعقدة في العاصمة المصرية القاهرة بمبادرة من مؤسسة "اناليند المتوسطية"، تبادل اكثر من 50 ناشط عربي من دول جنوب المتوسط خبراتهم وتجاربهم في مجال استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في عملية التغيير في العالم العربي.
وتحت عنوان "الاتصال من خلال الاعلام الاجتماعي الحرية والمسؤولية"، دار النقاش حول اهمية الاعلام الاجتماعي ودوره في التغيير والتأثير على كل المستويات. حيث قدمت الجلسة سارة زعيمي، ناشطة في المجتمع المدني متعدد الثقافات ومهتمة بالأنشطة الشبابية والتعليم غير الرسمي، واطلعت المشاركين على بعض الارقام والاحصاءات والمعلومات القيمة عن دور هذه الوسائل وعلاقتها بالمواطنية والديمقراطية في العالم.
القوة في المعرفة
واعتبرت زعيمي في عرضها "اننا نعيش في عصر المعلومة، وان "القوة في المعرفة... ومن يمتلك المعلومة يمتلك القوة"، ورأت ان الوسائط الاجتماعية التي نستخدمها اليوم عبر الانترنت هي حاجة تشاركية اساسية، تتيح لاي شخص في العالم ان يصبح المرسل وان ينقل الخبر للجمهور".
وطرحت زعيمي عدداً من الاسئلة على المشاركين: "الوسائط الاجتماعية تجمعنا ام تفرقنا؟، هل هي اخلاقية ام غير اخلاقية؟، هل هي نخبوية ام عمومية وشعبية؟، وهل هذه الوسائط فعالة ام غير فعالة؟".
وضمن طاولة مستديرة، تبادل الشباب المشارك الخبرات والتجارب في مسألة الاعلام الاجتماعي واستخدام هذه الوسائط في حياتهم العملية وفي تعاطيهم اليومي مع الاحداث المتسارعة في المنطقة العربية. وبدا واضحاً استخدام الفايسبوك واليوتيوب بشكل واسع لتتبع اخبار الثورات الحاصلة في المنطقة، كما انخرط البعض في حركات سياسية وشبابية كان لها الدور الاساسي في احداث التغيير في المنطقة، (كحركة 6 ابريل في مصر، و20 فبراير في المغرب، وصفحة كلنا خالد سعيد، اضافةً الى عدد كبير من الصفحات المطالبة بالاصلاح والتغيير ومحاربة الفساد).
واعتبر عدد من النشطاء انهم يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي لنشر افكارهم وكتاباتهم ونشاطاتهم بشكل دوري ومنتظم، فيما اشار بعضهم الاخر الى اهمية استخدام موقع التوتير على اعتباره وكالة ضخمة للاخبار والمعلومات التي تتيح للملايين حول العالم قراءتها والوصول اليها.
صحوة رعاع؟
وطرحت مسألة اعتبار الثورات الحاصلة اليوم في عدد من دول العالم العربي بانها "صحوة رعاع" نقاشاً محتدماً بين المشاركين. والمقصود بهذه النظرية التي قدمها المنظر الماركسي انطونيو غرامشي هو الاضاءة على دور الفئات المهمشة الفاعلة من غير النخب التقليدية في مسيرة التغيير، وهذا بالضبط ما حصل في العالم العربي من خلال استخدام وسائل الاعلام الاجتماعي، اذ تحول الفرد الذي يستخدم هذه الوسائط والذي يبادر في قيادة حركة الاحتجاجات الى نخبة جديدة قادرة على التأثير بشكل ضخم على الرأي العام، فبات يصنع التاريخ ويحرك مساراته على حساب النخب القديمة التي كانت تقوم بهذه المهمة.
وانطلاقاً من هذه الرؤية، فقد تمكنت هذه الوسائل الجديدة من تنظيم الاحتجاجات افتراضياً ومن تنفيذها على الارض، مما ادى الى موجة ضخمة من الحراك الشعبي والنخبوي على كل المستويات نتج عنها تحول ديمقراطي مهم في المنطقة والعالم. حتى ان الرئيس الاميركي باراك اوباما ادرج هذه الوسائل ضمن قائمة الحريات العالمية الجديدة نتيجة الدور الهائل والمهم الذي لعبته هذه المواقع بحيث تحولت الى قيمة بحد ذاتها.
وعلى الرغم من ان وسائل الاعلام الاجتماعية وحدها لا تشجع على الثورات وعلى مواجهة الانظمة من دون تحرك مواز على الارض من قبل النخب الثقافية والفكرية والسياسية ومن قبل التجمعات الشعبية والعامة، الا انها لعبت دوراً بالغ الاهمية في هذا التحول، وهذا ما حصل ويحصل في العالم العربي عبر مواقع التويتر والفايسبوك واليوتيوب. فما نراه في سوريا وليبيا واليمن وتونس والبحرين وغيرها من الدول يشكل خير دليل على دور هذه الوسائط في تحريك الجماهير وقيادة الاحداث.
مواقع التواصل الاجتماعي ... كابوس الانظمة
مواقع التواصل الاجتماعي هذه، تحولت الى "كابوس" بالنسبة للجهات الرسمية نتيجة القدرة الهائلة لهذه المواقع على التأثير على قواعد واسعة جداً من الناس والراي العام. فمن منا لا يذكر كيف اغلقت السلطات المصرية خدمات الانترنت لايام عديدة ابان الاحتجاجات الشعبية الضخمة التي شهدتها البلاد في يناير- كانون الثاني الماضي، وقد جاء هذا الاقفال التام لشبكة الانترنت نتيجة الدور المتنامي والضخم الذي لعبته وسائل الاعلام الاجتماعية في تحريض الناس ودفعهم لمواصلة تحركاتهم ضد نظام حسني مبارك الذي افتضح امره امام العالم اجمع، فسقط بعد 18 يوماً من انطلاق الاحتجاجات في 25 يناير.
اضافةً الى ذلك، فان وسائل الاعلام الاجتماعي تربعت على عرش الادوات الاكثر تأثيراً على الاطلاق، اذ ساهمت بشكل كبير في مسيرة التغيير والضغط والمناصرة والتحشيد والتنظيم، وبالتالي فان ما حصل في تونس ومصر زاد من استخدام هذه الوسائط من قبل فئات واسعة من الشعوب والشباب في تلك المنطقة، مما ادى الى زيادة الاعتماد على هذه المواقع في الثورة وفي كسر حاجز الخوف وفي العصيان المدني وقيادة الشارع.
وقبل "الربيع العربي"، كان لمواقع التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في احداث الثورة التي اندلعت في ايران عام 2009، اذ استخدم الناشطون المعارضون مواقع التوتير واليوتيوب بشكل مكثف، مما سمح لوسائل الاعلام الغربية وللراي العام العالمي بمتابعة الاحداث المأساوية الجارية في شوارع طهران وعدد من المدن الايرانية بشكل سهل ومباشر، حتى ذهب المراقبون والمتابعون الى تسمية ما حصل بثورة التوتير.
بامكاننا تغيير العالم من خلال المدونات
ووسط هذه الصورة تحدثت زعيمي عن قوة المدونات الاكترونية في احداث التغيير في العالم العربي وفي كسر الحواجز التي ترفعها السلطة بوجه مواطنيها، اذ اشارت "الى انه تم احصاء اكثر من 37000 مدونة عربية ناشطة عام 2009، 6000 منها كانت تتبادل وتتشارك المعلومات والمواد فيما بينها، وقد اخفى اغلبية المدونين اسماءهم نتيجة سياسات القمع في المنطقة"، وتابعت زعيمي: "تأكدوا انه بامكاننا تغيير العالم باسره من خلال المدونات والوسائط الاجتماعية الاخرى".
والجدير ذكره اننا نعيش الجيل الثاني من عصر الانترنت والمعروف بالجيل "التشاركي والتواصلي مع الاخرين" مما سمح بتبادل الافكار والمعلومات وبالتفاعل مع الاحداث، وباتاحة الفرصة لاي شخص في العالم على ابداء رأيه ونشر افكاره وتبادلها. وجاءت هذه الحقبة بعد الجيل الاول من الانترنت الذي بدأ عام 1995 عبر نشر المعلومات بشكل عادي عبر قاعدة "المرسل – المتلقي". الا اننا بدأنا اليوم بالدخول في الجيل الثالث من الانترنت الذي يعتمد على البث المباشر والحيّ، وهذا ما يحول الانسان الى كائن رقمي يتفاعل مع الاحداث في كل لحظة.
سلمان العنداري ... SA القاهرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق