المشهد شاحب في بيروت... ابتسامة صفراء تبنعث من المدينة التي تعضّ على جراحها ومشاكلها... غبار من الهذيان يلتف في الشوارع ويتجمع على الارصفة والازقة، ويتطاير في الهواء كأوراق الخريف.
بيروت اليوم تكذب على نفسها، او بالاحرى تتكاذب. فبعد اكثر من اربعة اشهر ونصف على الانقلاب الشهير الذي نفذه "حزب الله" برعاية سورية، وُلدت حكومة "مُعاقة" برعاية سورية ايضاً، وتحت ضغط هائل من الرئيس بشار الاسد الذي يقمع المظاهرات والاحتجاجات الشعبية بالدم والدبابات والقتل...
وُلدت الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي الذي قرر على ما يبدو الذوبان في مشروع "القمصان السود" على وقع مسدسات واسلحة وصواريخ مكدّسة على طاولة مجلس الوزراء الفاقدة للبريق والامل، والتي لا تحظى بثقة اللبناني الذي ملّ التناتش والتقاتل والانتظار...
بيروت اليوم تتظاهر بانها انهت اشهراً من الفراغ الحكومي القاتل، الا ان الواقع لا يشجع اطلاقاً. فالحكومة التي ابصرت النور بعملية قيصرية مفاجئة، يمكن اعتبارها "حكومة بعثية سورية" بامتياز خاصةً اذا نظرنا الى الوجوه الشاحبة المتلهفة للثأر والانتقام والكيدية، والجائعة لنيل اكبر حصة من التعيينات الادارية الدسمة... تلك الوجوه التي تريد الانقضاض على الدولة وخطفها وضمّها الى مشروع الدويلة التي يعمل عليها منذ عقود...
بيروت اليوم في قبضة مجموعة من التابعين والداعمين لنظام يقتل شعبه، وماهي هذه التشكيلة العجيبة الا محاولة لتخفيف الضغط عن "الدكتاتور" القابع في قصر المهاجرين، والذي قرر في ليلة وضحاها نحر وذبح كل من يواجهه بكلمة الحق في الشارع، ولهذا كانت الحكومة في لبنان لتعويم دمشق سياسياً، لايصال رسالة الى المجتمع العربي والدولي ان سوريا ما زالت قادرة على الامساك باوراق المنطقة رغم كل المشاكل والضغوطات التي تتعرض لها.
الصورة التذكارية التي التقطت في القصر الجمهوري بالبدلات السود، تعيد تذكيرنا بحفلة القمصان السود التي نفذها "حزب الله" في العاصمة اللبنانية قبل اشهر.
ووسط هذه الصورة السوداوية الصفراء، وفي ظل بلد مليء بالفساد والافساد، وملوك الطوائف والطائفيات، وفي وضع اشبه بالمأساوي على كل الاصعدة الاقتصادية والاجتماعية والمعنوية، جاءت هذه الحكومة لتزيد التين بلّة، ولتطلق مزيداً من الرصاصات القاتلة على شعبها وعلى كيانية الوطن ووجوده....
الخوف كل الخوف من ان تنجح حكومة البعث هذه في تحويل لبنان الى دولة مارقة معزولة على كل المستويات، وفي اخراج لبنان عن الارادة الدولية، وعن الجو العربي العابق بالحرية والثورة والامل، وحق الشعوب في تقرير مصيرها وفي قول كلمتها، وفي كسر جدار الصمت المطبق منذ عقود...
الخوف كل الخوف ان تنهار الشرعية وان تهتز صورة لبنان الرسالة والتنوع والامل والحرية والديمقراطية... الا ان مواجهة هذا المشروع الايراني السوري ستكون قاسية ومحتدمة. فالشعب والشباب والنخبة اللبنانية الحقيقية لن تسمح لهؤلاء بخطف البلاد وتفجير الاوضاع، وجرّنا الى دوامة الفوضى والخراب من جديد.
بيروت لن تسمح لنفسها ان تكون سجينة واقع السلاح، وان تدافع عن النظام المجرم في دمشق، وان تناقض نفسها وهويتها وحلمها وطبيعتها. فبيروت اليوم ستواجه حكومتها المنفصمة بمعارضة سلمية ديمقراطية واضحة وحاسمة لا تساوم ولا تراوغ ولا تخاف... لا لحكومة القمصان السود...
الى المعارضة دُرّ ... قبل ان يصبح المشهد في بيروت كارثي ودموي وفاشي...
سلمان العنداري ... SA
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق