الخميس، 12 أبريل 2012

بيروت - ذاكرة حرب: جولة على خطوط التماس





قبل 37 عاماً من اليوم، افتتحت بوسطة عين الرمانة مأساة لبنانية طويلة استمرت لاكثر من 15 عشر عاماً متتالية، انتشر فيها الرعب والخوف والقتل والدماء في وطن قيل انه "سويسرا الشرق" ولؤلؤة العالم العربي. 

آنذاك افترشت المتاريس الرملية والحديدية كل الشوارع والازقة والساحات. فارتسمت خطوط التماس بين "شرقية" و"غربية"، وضاعت التسميات والهويات والانتماءات، فاصبحت قاتلة، مدمرة، متلهّفة لإلغاء اعمى، مصحوب بالتراكمات وبكمّ هائل من التحريض والحقد.

اكثر من 37 عاماً مضت، وكأنها البارحة، وقصص خطوط التماس ما تزال تختلج افكار الشباب والكهول، واجيال المحاربين والميليشيات التي لا تتوقف عن الحديث عن بطولاتها الوهمية بين جبهات بلد ممزق، وعلى ارض قيل انها ساحة لصراعات الآخرين لا اكثر ولا اقل.

وبين الاشرفية والسوديكو ورأس النبع والبسطة، والمتحف والعدلية، وبين محمصة صنين والطيونة، وعين الرمانة والشياح... خطوط تماس قديمة تقف شاهدة امام ذاكرة مكان لذاكرة حرب قتلت الحياة وعززت ثقافة الموت والترقب والحذر.

وبمناسبة مرور اكثر من 37 عاماً على اندلاع الحرب الاهلية اللبنانية، جولة سريعة على بعض المناطق التي شكّلت في الماضي ساحة مرعبة للقتال بين ابناء الوطن الواحد. وهذه الجولة التي اقوم بها وايّاكم ليست من قبيل التذكير بالماضي، انما للتعلّم منه وللتطلّع الى المستقبل.


مبنى بركات الشاهد على الحرب سيتحول الى متحف بعد اشهر

منطقة السوديكو في بيروت شكّلت ابّان الحرب الاهلية اللبنانية نقطة ساخنة وخطّ تماس بين القوى المتصارعة. ومبنى بركات او المبنى الاصفر شاهداً على هذه الحرب الدامية، اذ ترتسم آثار الحرب الأهلية وملامحها القاتمة على جدرانه، مقدمة دليلاً حياً وماثلاً أمام الأعين على تلك الحقبة السوداء من تاريخ لبنان.


 هذا المبنى العريق الذي اعتبر تحفة عمرانية وهندسية في عشرينات القرن الماضي أصابته سهام الحرب ورصاصات القناصين وقذائف الأحزاب المتنازعة، اذ تحوّل بسبب موقعه على خط التماس إلى مركز بيد القناصين، ومكان تدور فيه المعارك المسلحة.


اليوم يتمّ العمل على تحويل هذا المبنى الى مركز مدني وثقافي يكون بمنزلة متحف لبيروت يحمل ذكرى سنواتها الماضية، والى متحف وملتقى ثقافي وفني وحضاري، ومكان لحفظ الأبحاث والدراسات التي تتناول مدينة بيروت، عبر التاريخ، لتتحول الاعيرة النارية والقذائف التي اخترقت هيكله الى منطلق للحوار والتعلّم من اخطاء الماضي.



شارع الحمرا ... يجمع اللبنانيين ...

يعتبر شارع الحمرا من اكثر الشوارع حيويةً في العاصمة اللبنانية، ومكان يرتاده كل الناس من كل الطوائف والمشارب والاديان والخلفيات.

وفي هذا الشارع حانات ومسارح ومقاهي ومراكز تسلية ومراكز تجارية وشعبية. وما يميّز هذه المنطقة من بيروت هو الحركة الشبابية والفكرية، والتفاعل الكبير بين مكونات المجتمع اللبناني بطريقة او باخرى.

وقع الشارع في فترة الحرب بايدي الميليشيات المسلّحة التي تصارعت على النفوذ لسنوات، الامر الذي ترك الكثير من الندوب والجراح.

اليوم يعود الشارع عنواناً ومقصداً لكل لبناني وعربي واجنبي، نابض بالحياة والحرية والحركة.




فندق فينيسيا ... مجد بيروت وسحرها ...

فندق فينيسيا إنتركونتيننتال من فنادق العاصمة بيروت يطل على البحر الأبيض المتوسط، ويقع على طول الممر الشهيرة "الكورنيش البحري" يبعد بضع دقائق من المدينة التجارية وحي المصرف، واماكن الترفيه. وقد استضاف هذا الفندق العريق اهم الاحداث السياسية والثقافية على الاطلاق، اضافة الى استضافته اهم شخصيات العالم من رؤساء وصولاً الى فنانين.


تعتبر منطقة الفنادق في بيروت عنواناً اساسياً للسهر والفخامة والرفاهية على كل الاصعدة. ففي ستينات القرن الماضي ازدهرت العاصمة بفنادقها الراقية والفخمة، وعرفت منطقة الفنادق المطلّة على البحر المتوسط بأنها ايقونة بيروت النابضة.


مع نهاية العام 1975، وبعد اشهر على بداية الحرب الاهلية اللبنانية، اندلع ما يُعرف بـ"حرب الفنادق" ونال فندق فينيسيا انتركونتيننتال نصيبه من هذه الحرب الدامية بين الميليشيات المتصارعة على السيطرة والحقد والكراهية.


وحرب الفنادق هي حرب وقعت في فترة الحرب الاهلية اللبنانية من تاريخ 24 أكتوبر 1975 لحتى سنة 1976 حيث دارت اشتباكات ضارية وعنيفة وشرسة وتم فيها تدمير معظم الفنادق بقصف صاروخي عنيف ودامت الحرب لمدة سنة.


وعام 2005 وعلى مقربة من فندق فينيسيا، اغتيل رئيس وزراء لبنان الاسبق رفيق الحريري بعبوة تزيد عن 1000 كلغ من المواد المتفجرة.


اليوم عادت منطقة الفنادق الى سابق عهدها، وعاد فندق فينيسيا منارة لبيروت، وعنواناً للتألق والفخامة والسهر.



وسط بيروت ... القلب النابض ...

تعتبر ساحة النجمة قلب بيروت السياسي والسياحي والاقتصادي. فهذه الساحة التاريخية المجاورة للمجلس النيابي، والقريبة من وزارات الدولة والسرايا الحكومي وشارع المصارف والاسواق التجارية، شهدت على تاريخ طويل لمدينة عاشت الحرب والسلم، ومسلسل طويل من التقاتل بين ابناء الوطن الواحد، اضافة الى لحظات رائعة واحتفالات وطنية وحّدت الشعب اللبناني.

وساحة النجمة الواقعة في وسط بيروت التجاري، تعرّضت لدمار هائل وكامل بسبب الحرب الاهلية اللبنانية التي خلّفت مآسي كبيرة. الا ان اصرار اللبناني على النهوض، دفع بورش اعادة الاعمار الى الواجهة، واعاد قلب لبنان الى سابق عهده والى مجده، حتى بات يُقال بأن الوسط التجاري في بيروت هو الاجمل والاكثر اناقة بين دول المنطقة برمّتها.

المتحف ... خط تماس وخط تلاقي وحوار ...

يعتبر متحف بيروت الوطني، المتحف الرئيسي للاثار في لبنان. وفيه مخطوطات وتحف ومقتنيات اثرية تعود للعصور القديمة ولمختلف الحقب التاريخية التي مرت على البلاد.

عندما اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 تم اغلاق المتحف أمام الجمهور لحين عودة الهدوء والاستقرار، ولكن مع مرور الوقت بدأ يتعرض للقذائف واضطر المسئولون إلى اتخاذ تدابير واقية لحماية المعروضات الأثرية. ومع نهاية الحرب تمّ ترميمه وفتحه امام الجمهور.

وكان المتحف يقع على خطوط التماس التي تفصل بين بيروت الغربية وبيروت الشرقية خلال فترة الحرب الاهلية. وقيل بان منطقة المتحف في تلك الفترة كانت اشبه بمنطقة موت يسيطر عليها القناصة في كل مكان.

منطقة المتحف اليوم هادئة ومسالمة، تجمع كل الشعب اللبناني، وتذكره بأن الوطن لا يمكن ان يُباع او يُشترى، وبأن التقاتل والتصارع والتنازع الاهلي لا يمكن ان يوصل الى اي حلّ، سوى الى الهاوية.

الجولة في بيروت لا تنتهي ... وتبقى بيروت مدينة السلم والحرب والامل والحياة.


سلمان العنداري ... SA

هناك 3 تعليقات: