الأحد، 1 أبريل 2012

خطّ الزمن ... ومكاني العالي



عادةّ ما أتردد كثيراً في التطرّق الى "خط الزمن". فالمسألة بالنسبة لي فيها بعض الحساسية، لأني عادةّ ما أكتب بصراحة متناهية عن امور قد تبدو شخصية، اقصّها في خط زمني، وازرعها في دوائري الضيقة.

ولمن لا يعرف، فلعبة خط الزمن محفوفة بالمخاطر، وحسّاسة للغاية. لان وضع النقاط على الحروف عادة ما يكون صادماً ودقيقاً. ويكون حاسماً وواضحاً لا يقبل الجدل او الشكّ.

يوميات ولحظات واشهر تمرّ، وتستمر الاحداث والقصص بالتعليق على خط الزمن، منها ما يطبع بقوة، ومنها ما يجرح ويترك ندوباً لا يمحوها الزمن، ومنها ما يغرز في القلب، ومنها من يرسم ضحكة، ودمعة وابتسامة، ومنها من يكتفي بالتربّع على هذا الخط، فيصبح جزءاً لا يتجزّأ منه...

تدور الايام، يتراقص خط الزمن على دفاتر من ورق. تدفعني الذكريات نحو حافة الهاوية. استمر في الجري بحثاً عن قرار شطب احدهم على رأس قائمتي واضافة اخرين اليها.

خط الزمن لا يرحم احد، ارى البعض يسقط كأوراق الشجر. ينتحرون على ابواب الحقيقة الساطعة. اقنعتهم تلك التي وضعوها على وجوههم، والازياء التنكرية التي البسوا بها ارواحهم وعقولهم، اراها اليوم تحترق، وتفضح حقيقتهم. اراها تنهار وتفضح كل شيء.

خط الزمن اسقط من حساباته من حاول لعب ادوار البطولة، وحمل شعارات بالية، وتمسّك بتفاهات ونظريات طوال اشهر واشهر.

خط الزمن قرر ان ينسى من امتهن الخداع والكذب والتكاذب، واللعب على العواطف لا اكثر ولا اقل... اليوم سأخرجهم من دائرة الثقة ولا عودة عن هذا القرار، وسأطردهم دون خجل من عالمي الخاص وادعوهم الى الرحيل على الفور.

كم اشعر بالاسى على من تحول الى غريب لم اعد اعرفه او اشعر بوجوده، عندما غرق في نفسه واقفل كل الابواب. عندما نهشه طمعه فتحول الى حفنة من  الابتزاز او الاستغلال.

مسكين هذا/هذه، اضاع كل الفرص، واغرق كل المراكب... هو غادر عالمي وبدوري هجرت عالمه باكمله، فأصبحنا غرباء لا اكثر ولا اقل، نلتقي على مفارق الحياة بالصدفة، وبتنا نتحدث في اطار المجاملات واللياقات الاجتماعية لا اكثر ولا اقل، حتى ان الذكريات والايام التي عشناها سوياً تحولت الى غبار اندثر مع الهواء.

بعضهم قرر حمل الجلجلة لوحده، تناسى ان هناك من حوله قادر على مساعدته والوقوف الى جانبه في كل الايام والظروف، قرر اقفال كل الخطوط والانتظار على محطة لا قطار فيها، ولا سكة لها.

"شخص" اخر، تحول الى سراب، الى مجرد رقم صغير في كومة مبعثرة من الاسئلة، من الاستفهامات التي لا تنتهي. تحوّل الى ضوء خافت يقتل نفسه كل يوم بحجة الانتظار. اما انا فقد استعجلت الرحيل، استعجلت الذهاب بعيداً الى اللا مكان واللا زمان واللا قرار...

اليوم سأقول كلمتي، سأتخذ قراري، سأحرق خلفي كل المراكب، سأمحو ذكرى من الماضي، سأتمسك بذكريات اخرى لن اتركها ولن تتركني، ولكني لن ابقى سجين تلك الصور والكلمات، سألوّح يبديّ لمن يستحق، سأودّع البعض، وسأقول الى اللقاء القريب للبعض الاخر، سأوقف الساعة لدقائق لأعترف للبعض، سأسترق بضع لحظات اخرى لا اريدها ان ترحل او تغيب...

الغربة تتوسّع، ويتوسّع مداها كل يوم، والجراح التي لا تندمل سأداويها وسأتصادق معها علها تفهمني وافهمها... سأنجح انا على ثقة. سأنجح بالانتقال من هذه الضفة الى الضفة الاخرى ولن انظر الى الوراء مهما كلّف الامر، ومهما شدّتني الايام اليها... رغم كلّ شيء.

سألجأ الى مكاني العالي، فهو الوحيد القادر على كل ذلك، لأن تعلّقي به سيحثّني على الصمود والمتابعة والمضي قدماً الى الامام. هذا المكان تربّع على دائرة الثقة، ووحده من ابقيته على هذا الخط.

خط الزمن الصارخ هذا بات على ثقة ان هذا المكان هو الانسب والاقدر واكثر من يستحق ان اكون الى جانبه. اراقب على تلاله كل شيء، اتامل فيه اي شيء. اقصّ في ظلاله كل ما يختلج عقلي من امور ومشاعر.

مهما طال الانتظار، وابتعدت المسافات، وابعدت نفسها عن اللحاق باليوميات الدامية والجميلة والناصعة البياض، الا ان الوقت لن يطول. سأنتظر، وارسم بالخط العريض عبرة وذكرى وحبّاً لا متناهياً.

سأكتب على الرمل والحجر كل شيء. سأبوح يوماً بالسرّ الكبير ولن اخاف او اتردد. سأضيع في غاباته وعالمه الخاص. سأرجم كل دخيل او منافق او متغطرس او متكاذب ومتخاذل يريد الاصطياد بالماء العكر...

تلك المستنعقات التي لّونت بكذبة ستنقذ نفسها، وبدوري سأنقذها. وتلك القلوب الحزينة التي تبتسم بخجل لتزرع الفرحة، ستعود كعيون دامعة صادقة تفرح بصدق وتتراقص في كل الساحات والميادين.

عقارب الساعة الغريبة تلك ستنصفني، وهبوب الريح سيكون على قدر ما تشتهي سفني، وتلك الاصوات اكاد اسمعها تهمس في اذني كل ليلة، وتذكرني بوجودي كل صباح، وتدلني على الامل مع كل غروب شمس او غفوة قمر.

على كل حال، الشتاء انتهى، والخريف ذهب ولن يعود. والسهول التي زّرعت منذ اشهر قليلة ستغدو مليئة بزهور وآمال ولقاءات وابداعات جديدة. وكل الاحزان على موعد نهائي مع النسيان.

ستنام تلك الهواجس، ومكانها الوحيد ذاك الوادي الذي ادفن فيه كل شيء واستدير. ليبقى مكاني العالي وحده من يقول كل شيء واي شيء.

واذا كان الربيع قد بدأ بالفعل، الا ان الربيع الذي افتّش عنه منذ سنوات اقترب وبات الموعد اقرب الى القلب والحقيقة...

انها الرموز تكلمت اليوم، وقالت ما في داخلها من كلام. ولا كلام بعد ما قلته وسأقوله بقلب محروق ولكنه مفعم بغد جديد سيكون واعداً على الاكيد.

في بالي سأبقي ما تبقّى من هذا الكلام. ومروري هنا اشبه بشطبة قلم مسرعة، لانها لم تعد قادرة على الكتمان.

خطوط زمنية جديدة اضيفها، ورسائل ابعثرها يميناً وشمالاً على ان يكون ما كتبته تحية وفاء للبعض، ومجرد عتب شديد على البعض الاخر، اما كلمتي ستبقى الفاصلة بين الحق والباطل و"صرخة حريتي" ستبقى مدوية اينما كانت واينما ذهبت، فهي ليست ملكاً لأحد ولن تكون.

ومن اليوم فصاعداً، سأدع خطّ الزمن جانباً واتركه يقرركل شيء. ومكاني العالي هو الاهم. اما الان سأمشي فقد قلت بعضاً من كلامي...

سلمان العنداري ... SA

هناك 5 تعليقات:

  1. صراحتا استاذنا الفاضل تدويناتك ومقالاتك ثمينة جدا بنتائجها المحقة والمصيبة ففي كل موضع تضع يدك على الجراح فتخط بأناملك ما خفي في السر علنا بكلام مباح حفظك الله وحصنك بحصنه المنيع تقبل منا أرق واغلى تحية محبة وتقدير باسم الشعب العربي السوري الحر إن شاء الله

    ردحذف
  2. شكراً جزيلاً على هذه التعليقات وعلى متابعتك المهمة واللافتة لتدويناتي، وتحية من الشعب اللبناني الى الاصدقاء والرفاء المناضلين في سوريا
    على امل ان ننال حريتنا كلنا وان نتخلص من براثن الحقد والقمع والطغيان في اقرب وقت ممكن
    سلمان

    ردحذف
  3. عقارب الساعة الغريبة تلك ستنصفني، وهبوب الريح سيكون على قدر ما تشتهي سفني، وتلك الاصوات اكاد اسمعها تهمس في اذني كل ليلة، وتذكرني بوجودي كل صباح، وتدلني على الامل مع كل غروب شمس او غفوة قمر.

    ردحذف
  4. لغربة تتوسّع، ويتوسّع مداها كل يوم، والجراح التي لا تندمل سأداويها وسأتصادق معها علها تفهمني وافهمها... سأنجح انا على ثقة. سأنجح بالانتقال من هذه الضفة الى الضفة الاخرى ولن انظر الى الوراء مهما كلّف الامر، ومهما شدّتني الايام اليها... رغم كلّ شيء.

    ردحذف
  5. اكتفي بكلمة ..
    رائع..

    ردحذف