الأحد، 22 مايو 2011

أطفال على خط النار ... بين الشوارع والازقّة



الفقر ... لا تعليق ...

يجلسون على الارصفة ويجتاحون الشوارع، ويجوبون الطرقات والازقة، ويتسولون قرب السيارات المسرعة سعياً لتأمين بعض الأوراق النقدية للاستمرار في العيش على هامش الحياة... تراهم يتنقلون على خط النار، وتحت خط الفقر ، وبين خطر الموت يجوبون تلك الشوارع وسط ضياع في المفاهيم، فلا حقوق تحميهم، ولا قوانين ترعاهم، ولا اهل يؤمنون لهم حاجاتهم الاساسية والضرورية للحصول على مستوى لائق ومحترم في بلد يبحث عن نفسه...انهم اطفال بلا بيوت...اطفال الشوارع.

البحث عن طفل يتملّكه الحزن، وتسيطر عليه الريبة والخوف والشك هو امر بغاية السهولة في بلادنا ومدننا وقرانا، فاذ بهم ينتشرون في كل مكان وفي اي زمان، منذ ساعات الصباح الاولى وحتى ساعات متقدمة من الليل...

يبيعون السلع الرخيصة ويقدمونها "كالاطباق الجاهزة" عبر نوافذ السيارات... يحتشدون على الارصفة ويطلقون دعواتهم في الهواء بغية الحصول على حفنة صغيرة من "القروش"...اطفال ضاقت بهم الحياة، فزجّ بهم القدر في سجن صغير، يخلو من الاحلام ولحظات الفرح، ويمتلىء بألم واسى وضياع سيقودهم حتماً الى الهاوية".


حادثة صغيرة جعلتني اكتب مرة اخرى عن "اطفال الشوارع". فالاسبوع الماضي، وفيما كنت انتظر صديقة لي كانت قادمة من الجنوب باتجاه بيروت في محلة الكولا، وهو مكان حيوي في العاصمة حيث يتلاقى الناس من مختلف المناطق عبر تلاقي شبكة المواصلات الاساسية في تلك المنطقة.

وبعد ان طال الانتظار بضع دقائق، شاهدت تحت جسر التحرير الشهير، وعلى احدى الارصفة طفلاً صغيراً لا يتجاوز السادسة من العمر يجلس على ضفة الطريق ملقياً في الشارع المكتظ، وفي يوم حار ومشمس ليبيع العلك و"ليتسلّق الناس" متوسلاً اياهم.


صحيح اننا اعتدنا مثل هذه المشاهد على طرقاتنا، ولكن صغر سن هذا الطفل هو ما استفزني ودفعني للكتابة واطلاق الصرخة مرة اخرى. خاصةً انه بحسب الشرعة الدولية لحقوق الانسان، وبحسب المواثيق الدولية والقوانين المحلية، وبحسب ابسط الاخلاق الانسانية، فمن المفترض ان يعيش كل طفل على هذه الارض حياةً تليق به وبمستقبله وتضمن امنه وسلامته واستقراره، الا ان احلام هؤلاء الاطفال على ما يبدو انها تخلت عنهم وهجرتهم رغم تعلقهم بها، حتى وصلت الامور الى نقطة اللاعودة... فتحولت الطفولة الى كابوس مخيف، والى واقع مذر وبائس لا يعترف بأي حقّ، ولا يقرّ بأي قيمة انسانية.

ليس بعيداً من الكولا، وفي محطة بحمدون اللبنانية، القرية التي يرتادها مئات آلاف السيّاح العرب كل صيف، يكثر "اطفال الشوارع" الذين لا تتراوح اعمارهم الست سنوات، فتراهم يطوفون الشوارع بحثاً عن "الكنز المفقود"...

وفي احدى الزوايا الهادئة بعيداً عن ضوضاء السهر واصوات الموسيقى والسيارات ووشوشات الناس المحمّلين بأكياس التسوّق، يجلس "أحمد" لبضع دقائق مختلياً بنفسه، اذ انه اغتنم فرصةً صغيرة لكي يُسرع في عدّ الاموال و"الغلّة" التي جمعها اليوم من بيع "البالونات" الملونة لروّاد بحمدون.

اقتربت من احمد واشتريت منه "بالوناً"، ودار الحديث حول مدى اقتناعه بما يقوم به، ليجيب بكل اسى بانه مجبر على العمل لكي يواجه فقره ويسد جوعه ويساعد اهله في "المصروف المتزايد وسط غلاء المعيشة". الا ان الدخول في اعماق هذا الطفل عبر طرح بعض الاستفسارات والاسئلة، يفضح حنينه الى طفولة مفقودة وغير مرئية ومحرومة... طفولة كبرت بين يوم وليلة، وهي اليوم مشتاقة لحنان الام، ولحقيبة مدرسية واقلام تلوين، و"لولدنات" ولهوات بالعاب مع شلّة من الاصدقاء في حديقة المنزل...

رنا فرحات وهي شابة مهتمة بالقضايا الاجتماعية التي "تنخر" في المجتمع اللبناني، كانت قد كتبت منذ اسابيع على مدونتها على الشبكة الاجتماعية مقالة تكلّمت فيها عن "طفولة تنزفها الشوارع"، حيث نقلت مشاهداتها اليومية "لأطفال يتسللون عبر نوافذ السيارات لبيع العلكة او التسوّل". اذ تقول: "اعتادت ليلى ابنة العشر سنوات وشقيقتها سعاد الخروج من البيت صباحاً وتقاسم الادوار ضمن مناطق جغرافية محددة لتمارسن مهنة "الشحادة" في سبيل الحصول على المال من دون ملل او تقصير"...تسأل رنا: "لماذا تمارسين هذا العمل يا سعاد؟"، لتجيب بملامح التعب: "اعمل انا وشقيقتي حتى نؤمن الدواء لأمي المريضة كونها غير قادرة على العمل"...


هذه القصص والمصادفات والاسئلة نجدها كل يوم "ملقية" على ارصفة الطرقات والشوارع...فالاطفال الصغار تخلّوا عن احلامهم وفضّلوا لعب ادوارا اخرى، اكثر نضجاً واكثر وحشية واكثر صخباً ومعاناةً...قصص مدوّية عن حرمان متجذّر، او استغلال متعمّد من قبل ذويهم...

هؤلاء الصغار لا احد يسأل عنهم. منبوذون بثيابهم المتسخة ووجوههم المليئة بتجاعيد الهموم في عمر الطفولة، فاذا كان اهاليهم قد تخلوا عنهم واستغلوا معاناتهم وبراءتهم، فعلى الدولة معالجة هذه الآفة باسرع وقت ممكن حتى لا تنفجر هذه القنبلة الموقوتة في شوارعنا الضيقة.


من يحمي الطفولة في لبنان؟ ومن يملك القدرة والسلطة والجرأة لمعالجة هذه الآفة التي تتوسّع وتزداد كل يوم؟ وهل صحيح ان الارقام التي ترد الى وزارة الشؤون الاجتماعية المتعلقة باطفال الشوارع تخطت الخطوط الحمراء؟ والى متى الانتظار، ولماذا لا تعمد الجهات المختصة بالتعاون مع قوى المجتمع المدني الى استحداث مراكز تأهيل ورعاية لاؤلئك الاطفال، واستصدار قوانين صارمة تعاقب كل من يحاول استغلالهم ودفعهم الى العمل والتسوّل في الشوارع؟...
سلمان العنداري ... SA

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق