الأحد، 25 سبتمبر 2011

وهلّأ لوين؟ ... ماذا فعلت بنا يا نادين لبكي؟؟


وهلّأ لوين؟... عنوان الفيلم الجديد لنادين لبكي الذي بدأ عرضه في دور السينما اللبنانية منذ ايام. ذهبت برفقة مجموعة من الاصدقاء لمشاهدته في احدى صالات السينما في بيروت. تهافت المئات من الناس على شباك التذاكر، اتوا من كل الفئات والاعمار ليشاهدوا ساعتين من المشاهد المؤثرة التي تطبع بالذاكرة وتحاكي القلب والعقل... تاركةً مجموعة من الاسئلة الصعبة والمبكية، وفي مقدمتها... هلأ لوين؟...

يتناول الفيلم الحرب والتمايز الطائفي في لبنان، قصّتها نادين لبكي علينا بواقعية مريرة مضحكة ومبكية، عن سلاح انفلت وانتشر في البيوت، وعن نزعة عنفية اشعلت قرية بمسجدها وكنيستها...

وفي خلال مشاهدتي لمشاهد الاشتباكات والاشكالات المؤسفة بين ابناء القرية البعيدة، وعلى وقع موسيقى خالد مزنّر الرائعة، تراءت الى ذهني مشاهد الاشكالات الدامية في باحة الجامعة العربية في بيروت، وتناهت صور السابع من ايار عندما احتلت فئة من اللبنانيين العاصمة بيروت، وعندما حمل اللبنانيون السلاح بوجه بعضهم البعض...

تراءت هذه الصور وفي عيني احتبست الكثير من الدموع والقلق والاسى، لاننا بالفعل لم ولن نتعلم بعد من تجربة حرب مهلكة دامت لاكثر من 15 عاماً، تخللنها عمليات خطف واذلال على الهوية ...

هل يعقل ان نبقى في القفص المذهبي؟، وهل يعقل ان نبقى في الدوامة نفسها، لا نتطوّر ولا نتصالح مع انفسنا؟... سألت نفسي تلك الاسئلة وتساءلت في اعماقي عن الاسباب السخيفة والسطحية التي تجعلنا ننهش بعضنا كذئاب في اجمل واكثر البلاد تنوعاً وحضارةً في التاريخ؟...

رسالة الفيلم تُدمي وتقتل... كفى متاجرة بالطائفية والحساسيات، وكفى تقاتل بين ابناء الوطن الواحد... الم يحن الوقت بعد لنتعلم من تجاربنا واخطائنا واحلامنا التي نقتلها كل يوم...؟ صرخت نادين في الفيلم، وكانت صرخة مدوية... "بيكفّي... خلص... ما تعلمتوا بعد..."

كفى.. كفى كراهية وحقد وقتل وذبح وحرق لدموع وقلوب الامهات... كفى استرسال بالخطاب المفعم بالتفرقة وببذور الفتنة.. الم نتعلم بعد يا ترى؟... ألم نتعلم من موجات غضبنا؟، الم نستكين بعد؟... إستيقظوا من التخلف... كفّوا عن قتل المسيح ونحر النبي باسم حروبكم القذرة... كونوا انتم... كونوا لوطنكم، لمستقبلكم، لحبكم، لشوقكم، لاولادكم، لاحلامكم... واقطعوا الطريق على دروب الماضي المخزي والمخجل...

هل يعقل ان تصل تفاهة اللبناني الى قتل شريكه في الوطن؟، وهل يعقل ان ينجر العاقل الى دوامة العنف ويعتدي على جيرانه واهله واناسه واحبائه؟، وهل يعقل ان نحوّل الخبز والملح الى دماء تسفك في الشوارع وعلى السطوح وبين الازقة المتعفنة بالذكريات؟...

وبصوت رشا رزق المليء "بالنوستالجيا" تقول الاغنية في الفيلم على وقع مشاهد موحشة تهرع فيها "الست امال" وسط الغابة وفي عتمة الليل: "يمكن لو في بيني وبينك حكي..  كنا حكينا.. يمكن لو في بيني وبينك دمع .. كنّا بكينا ... لو كان في طريق تودّي شوي شوي كنا مشينا ... او كان في شي درب يوصّل بين ي وبينك كنا لقينا.. يمكن لو في بيني وبينك حلم كنا غفينا ... يمكن لو في بيني وبينك سلم كنا نسينا ... لو كان في طريق تودّي شوّي شوّي كنا مشينا ... او كان في شي درب يوصّل بيني وبينك كنّا لقينا... يمكن في نغمة وحدة بيني وبينك عم بتعيد.. يمكن في ناس كتيري بيني وبينك ما بتفيد... يمكن في قمر او في شجر او في جسر حديد... يمكن في سهل او في جبل او في شي وادي بعيد ... يمكن في طريق جديدي بيني وبينك نحنا مش شايفينا... يمكن لو ..."

مدهشة هي نادين... ساحرة... مقاومة شرسة قررت كسر كل المحظورات والقفز فوق الخطوط الحمر، لتقول لنا انه من حق اولادنا العيش بسلام، ومن حق الامهات ان تربي اجيالاً مسالمة بدل الغرق في مستنقع السلاح والهجرة واليأس والتيئيس...

 قالتها ... وابكتنا ... وحركت فينا شعوراً غريباً بضرورة الانتفاض على هذه المنظمة الى حين الوصول الى لبنان الحقيقي الذي نطمح اليه.. شكراً نادين لبكي... شكراً للابداع اللبناني... عسى ان يتعلموا، علهم يدرون ماذا فعلوا ويفعلون...

نسيم ... الشاب الذي خرج في يوم مشرق عاد  جئة هامدة لامة تقلا ... قتلته القناصة .. ذهب ضحية الاشتباكات بين المسلمين والمسيحيين... فأحرق قلب امه الخائفة على مستقبل القرية...

سأترك لكم ان تشاهدوا الفيلم ... وان تستمعوا لحكاية الست امال وابو احمد وايفون ونسيم وروكز... عن قرية مهجورة تناضل نساؤها لتحويل العنف الطائفي المستعر في انحاء الوطن الى حرب بلا بواريد... الى غسيل قلوب ومصالحة ومصارحة ...

خرجنا من الصالة بعد انتهاء العرض، وكانت صديقتي تسألني: "ماذا فعلت فينا يا نادين؟"... اما انا فهرعت غاضباً، مشمئزاً مستثاراً... صامتاً ... اسأل نفسي: "اين انا من كل هذا؟"...

لا... لن نسمح بعد اليوم ان نعيد تلك الايام والسوداء. نادين لبكي ايقظت فينا صرخة مدوّية ... تمرّدوا ... تمرّدوا ... بامكاننا ان نغيّر وجه العالم... اذا وضعنا الطائفية جانباً... وانطلقنا...

انه ربيع الفن يتفتح في خريف لبنان السياسي...

شكر خاص لسحر ووائل وتامي...
سلمان العنداري ... SA

لمشاهدة مقاطع من الفيلم:


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق