الأربعاء، 30 مايو 2012

لبنان واستراتيجية تحالف الاقليات ...

تحالف الاكثريات في لبنان ... هواجس متفاقمة ...

تعيش "الجماعات" اللبنانية المتنوعة هاجساً كبيراً مرتبطاً بوجودها ومستقبلها في هذا البلد الذي يحوي اكثر من 18 خليطاً متنوعاً من الناحية الثقافية والدينية والطائفية. فلبنان بلد التناقضات على ارضه، يعيش صراعاً محموماً منذ عقود عنوانه الوحيد... الاقليات.

وليس غريباً على احد، فلبنان بلد يجمع مجموعة من الاقليات منذ زمن بعيد، تعايشت مع بعضها ديمغرافياً وسياسياً، وها هي اليوم تخوض معارك ضارية في سبيل البقاء في ظلّ ما تتعرض له المنطقة من عواصف ومتغيرات قد تهدد بعضاً من هذه المجموعات، ممّا قد يعرضها "بنظرها" للاضطهاد مجدداً.


عام 2006، اجتمع "ميشال عون" رئيس التيار الوطني الحرّ بالامين العام لحزب الله "السيد حسن نصرالله" وعقدا تحالفاً سياسياً استراتيجياً في كنيسة مار مخايل في بيروت. وبالرغم من النقاط السياسية المهمة التي طرحها اللقاء والتحالف، الا ان هذه الورقة السياسية عكست خوفاً كبيراً لدى الطائفة الشيعية والبعض من الطائفة المارونية لما يمكن ان تحمله التطورات في المنطقة وفي لبنان.

وعرّف بعض المحللين ذلك في ما بعد بـ"تحالف الاقليات" بمواجهة ما سُمي "السيطرة السُنية" في المنطقة، باعتبار ان المنطقة العربية باغلبيتها تنتمي الى الطائفة السنية، الامر الذي جعل مجموعة من الفئات الاقلوية تشعر بضرورة التحالف والبقاء معاً "لعدة اسباب" في مواجهة هذه "المخاوف"، بغضّ النظر عن صحتها ام لا، وبغض النظر عن اهدافها الداخلية وابعادها الاقليمية.

في المقابل، يجزم البعض الاخر على ان هذا التحالف بين الحزب والتيار، تمّ توقيعه لحماية سلاح حزب الله ولاضفاء الشرعية المسيحية عليه، في ما استغل العماد عون هذا الواقع الجديد، متسلّحاً بسلاح الحزب، ومتمسّكاً بأثمان على اعلى المستويات، يحصل عليها نتيجة هذا الغطاء المسيحي القوي.

ويقول المحللون الاستراتيجيون ان لبنان يعيش صراعاً على ارضه. بين المحور الذي تتزعّمه ايران "الشيعية" بمواجهة المحور الذي تقوده المملكة العربية السعودية "السنيّة". وبين هذا المحور وذاك، يخوض رجال السياسة-الطوائف صراعهم ومعاركهم في سبيل الحفاظ على "توازن القوى" في البلد.

عام 2008، تحوّل السجال السياسي في البلاد الى امني، اذ قام "حزب الله" بعملية امنية داخل العاصمة بيروت وضواحيها، واستخدم السلاح الفردي المتوسط والخفيف تحت عنوان "حماية طائفة"، وصدّ الهجمات السياسية على سلاح الحزب الذي يقود ويسيطر على غالبية "الطائفة الشيعية".

تحولت "الحرب الصغيرة" الى ما يشبه حرب طائفية. اعتبر البعض ان الصراع الامني، والتوترات المفتعلة ناتجة عن احتقان شيعي – سني جذوره اقليمية انفجرت في لبنان.

انقسمت الاقليات الطائفية بين مؤيد لما يقوم به "حزب الله"، وبين معارض له. لتصبح البلاد "مفصومة" بين فريق عريض يقف خلف الطائفة الشيعية "بما يمثلها حزب الله" ، وبين الطائفة السنية "التي يقودها تيار المستقبل" الذي يرأسه سعد الحريري ابن رفيق الحريري الذي اغتيل عام 2005.

وبعبارة اخرى اكثر وضوحاً، اصطفّت القوى المتعددة بمعسكرين، واحد تقوده اغلبية الطائفة الشيعية، واخرى تقوده اغلبية الطائفة السنية، حتى بات يُقال ان في لبنان مسيحي-سنّي او درزي –سنّي في مواجهة مسيحي-شيعي او درزي-شيعي.

هذه الاحداث الضاغطة، وخوفاً من المزيد من التدهور الامني، اجبرت زعيم الطائفة "الدرزية" في لبنان، وليد جنبلاط الى التخلي عن تحالفه مع "تيار المستقبل" والانتقال الى تحالف حزب الله – التيار الوطني الحرّ، خوفاً على جماعته القليلة التي تسكن مناطق الجبل المحاذية لخطوط التماس وللنقاط الساخنة المتنازع عليها بين الطائفيتين السنية والشيعية، باعتبارهما الاكبر في لبنان.

المتغيّرات السياسية تلاحقت خلال السنوات القليلة الماضية. انهارت انظمة، وسقطت عروش، وتنحّى رؤساء ودخل اخرون الساحة السياسية. الا ان المشهد في لبنان لم يتغير بعد. الخوف نفسه ما زال يعصف في كل دار ومجلس ومنطقة.

تبّدل المشهد بين حلفاء النظام السوري، وحلفاء المعارضة السورية. الا ان التوترات بقيت على ما هي. سلاح منتشر في الشوارع، اطلاق نار، احراق دواليب، شعارات مذهبية واشتباكات فردية وحزبية حاقدة. هواجس تلاحق بعض الطوائف كالكوابيس، واسائلة تُطرح من كل حدب وصوب عن مستقبل هذا البلد الذي دخل في دوامة من التوتر بسبب التداعيات والتطورات الاقليمية المتسارعة...
ا

ذن، الخوف، يلاحق كل الاقليات في لبنان... خوف من التعرّض لضغوطات امنية، ولاحداث قد تكون تداعياتها سلبية على مستقبل كلّ منها. مع الاشارة الى ان النظام السياسي اللبناني يقرّ بالمناصفة بين المسيحيين والمسلمين، ويُوزّع المراكز السياسية بالتساوي على الطوائف الكبرى، وعلى الطوائف الصغرى كذلك الامر. مع الاشارة ايضاً الى انه في لبنان لا يوجد طائفة مسيطرة على البقية، لان توازن القوى يفترض حسابات دقيقة للغاية على قاعدة لا غالب ولا مغلوب.

وبالتوازي، يخاف المسيحيون في لبنان كما في منطقة المشرق على مستقبلهم، باعتبارهم اقليات مهجوسة تعيش في منطقة مسلمة بغالبيتها. من بيت لحم، مروراً بالاردن، ومن العراق وسوريا وصولاً الى لبنان ومصر، يسعى المسيحيون الى الصمود في ظلّ العواصف الاقليمية وضبابية المستقبل.

وهذا الخوف المصحوب بكثير من المبالغات في بعض الاحيان، يطلّ برأسه لدى فئة واسعة من المسيحيين في المنطقة. فتفجير كنسية سيدة النجاة والاعمال الارهابية التي قامت بها جماعات تكفيرية في العراق والتي ادت الى تهجير اكثر من 80% من المسحيين في بلاد ما بين النهرين، اضافةً الى ما حصل في القاهرة والاسكندرية قبل اشهر قليلة من مواجهات وسياسات كادت ان تُشعل نزاعاً طائفياً في مصر، تُعتبر بمثابة كابوس يلاحق هذه الجماعة الخائفة من المستقبل.

ويعتبر بعض المسيحيين ان سيطرة تيارات اسلامية على الحكم بعد سقوط الانظمة سيؤدي الى تهجيرهم واضطهادهم والبطش بهم، فيما يرى فريق اخر ان الامر غير صحيح وان مشاركتهم في هذه الثورة واجب واساسي لاعادة صياغة الخارطة السياسية للعالم العربي، وان اي نظام دكتاتوري لا يمكن ان يحميهم من القتل والتهجير او الاضطهاد.

ووفقا لإحصائيات حديثة، فإن المسيحيين كانوا يمثلون نحو 20% من سكان المنطقة قبل قرن، لكنهم الآن يمثلون 5% ولا تزال النسبة في انخفاض، ولم يعد عدد المسيحيين في الشرق الأوسط سوى 20 مليونا بينهم خمسة ملايين كاثوليكي من أصل اكثر من 356 مليون نسمة.

كما تشير دراسات نشرت العام الماضي ان نسبة المسيحيين انخفضت في تركيا من 20 % في أوائل القرن العشرين إلى 0.2% اليوم. كما يرى البعض أن نزوح المسيحيين من العراق منذ الغزو الأمريكي عام 2003 قد يؤدي إلى اختفائهم من العراق.

وبالحديث عن هذه المخاوف ناقش مجمّع "سينودس الاساقفة" الخاص بأساقفة الشرق الأوسط في مدينة الفاتيكان اواخر عام 2010، أسباب نزوح مسيحيي الشرق الأوسط ومدى تمتعهم بالحريات الدينية وسبل الوئام بين جيرانهم المسلمين. اذ حذروا من أن تناقص أعداد المسيحيين في الشرق الأوسط ونزوح الآلاف منهم تحت ضغط التوترات السياسية سوف يؤدي إلى اختفائهم.

في المحصّلة، ان مسألة ما يسمى بتحالف الاقليات اثبتت فشلها في لبنان، لأن الحل الوحيد يكمن في الحوار البنّاء والفعّال بين مختلف القوى السياسية والطائفية، وفق منطق لا غالب ومغلوب، خاصة وان هذا البلد لا يمكن ان يُحكم من قبل اي فريق واحد الا بالتفاهم والحوار والالتزام بالمناصفة.

وفي هذا الاطار، تاتي دعوة الرئيس اللبناني ميشال سليمان في مكانها، بالرغم من عدم نجاح النسخات السابقة مما سمي طاولة الحوار الوطني، الا ان البلاد اليوم بأمسّ الحاجة لحوار بين الاطراف الاساسيين. حوار صادق وواضح وبنّاء، من شانه ان يخفف من حدة التوتر، وان يُنتج حكومة متوازنة وحيادية، وان يعمد الى حلّ قضية السلاح المنتشر من الشمال الى اقاصي الجنوب... وبانتظار انقشاع الرؤيا في سوريا والمنطقة.. هل يدخل لبنان المجهول ويشتعل فتيل الانفجار؟.

سلمان العنداري... SA

نُشرا بالتوازي مع beirutobserver.com

الثلاثاء، 29 مايو 2012

الاعلام المصري ... تخويف ومبالغة


مماّ لا شك فيه ان الاعلام المصري فتيّ بعض الشيء، وجديد في مقاربته وتغطيته لحدث سياسي ديمقراطي مصيري من شأنه ان يُحدد وجهة الحياة السياسية المصرية كالانتخابات الرئاسية، بعد عقود من الضياع في دهاليز نظام حسني مبارك وديمقراطيته المزيّفة.

الاعلام المصري لم يتعوّد على ادارة وتغطية المعارك الانتخابية وعلى حياة ديمقراطية بكل ما للكلمة من معنى. فالثورة التي اشتعلت قبل اكثر من عام ونجحت في توحيد رؤية الشعب المصري وفي اقتلاع النظام الديكتاتوري من جذوره، تعيش اليوم مخاضاً صعباً بفعل الواقع السياسي والامني والديمغرافي الذي ارتسم بعد اشهر قليلة من ثورة يناير.

وقبل الشروع في الحديث عن التغطية الاعلامية الانتخابية المصرية، لا بد من الاشارة الى ان الاعلام المصري لم ينجح بأي شكل من الاشكال في كبح جماح الفتنة المذهبية التي كادت ان تقع قبل اشهر في ماسبيرو، والتي طالت الاقباط بمواجهة المجلس العسكري، اذ ان وسائل الاعلام المرئية على وجه الخصوص، صوّرت الاقباط وكانهم غرباء عن المجتمع المصري وكأنهم يعتدون على هيبة الجيش وكرامة الدولة، وهذا ما خلق مزيداً من الاحتقانات والتوترات التي كات ان تحول الثورة الى بقايا ثورة، والى بركان مذهبي قذر.

ومما لا شك فيه ان صعود تيار الاخوان المسلمين في مصر وفي كل اقاصي العالم العربي بعد الربيع العربي والثورات التي اطاحت بالانظمة يثير الكثير من المخاوف. اذ ان سيطرة الاخوان على مجلس الشعب المصري اثار مخاوف الليبراليين والمحافظين والاقباط ومجموعة الاقليات في مصر، وباتت التساؤلات تطرح من كل حدب وصوب، عمّا اذا كان الاخوان سيسيطرون على الحياة السياسية اكثر واكثر، وعن مستقبل مصر والحريات فيها، وهل ان المسيحي في مصر ينتظر اياماً صعبة من الاضطهاد والتضييق على حريته في ممارسة معتقداته الدينية؟.

الاعلام المصري في مكان عكس صورة ما بعد الثورة، واصبح يتحدث عن مرحلة ما بعد سيطرة الاخوان على الحكم، من خلال الحديث عن مستقبل الحريات والمعتقدات، او من خلال عرض اداء الاخوان المسلمين في مجلس الشعب وفي المحافظات، وكيف يقومون باستدراج الناخبين واقناعهم بضرورة التصويت لخطهم السياسي.

وعلى الخط الاخر، يساهم الاعلام المصري بحملات التخويف هذه من خلال المبالغة في التغطية، وتصوير الاخوان المسلمين على انهم عمالقة لا يمكن ان يهزموا، حتى ان البعض من هذه الوسائل الاعلامية ذهب بعيداً في توصيف الحالة المصرية على اعتبارها حالة طائفية وبانالمارد الاسلامي خرج من القمقم ليأكل ويبتلع الجميع.

كما ان المخاوف من عودة النظام السابق الى الواجهة من جديد بعد اكثر من عام على اسقاط الفرعون الكبير حازت على اهتمام كبير في وسائل الاعلام المصرية التي وُلدت بعد الثورة، يُضاف اليها المخاوف من سيطرة المجلس العسكري على النظام السياسي، في ظلّ ما يقوم به هذا المجلس من سياسات تشير في مكان ما الى نيّة واضحة للاستيلاء على الحكم بشكل او باخر.

وبالحديث عن مخاوف الاقليات، تواصلت مع صديقتي القبطية لاسألها عن حال البلاد وعن رأيها في الانتخابات وفي العملية السياسية بعد الثورة، اذ قالت لي بحزن شديد “ان الثورة في مصر انتهت منذ زمن، وما يجري اليوم هو محاولات تخويف للاقليات المتبقية في مصر لا اكثر ولا اقل”، واكدت لي صديقتي ان “الاعلام المصري ساهم بشكل كبير في ابعادنا او احباطنا عن المشاركة بقوة في التغيير في البلاد، خاصة وان البعض ما زال ينظر الينا وكأننا مواطنين درجة ثانية “.


سلمان العنداري ... SA
نُشرت بالتزامن مع siyese.com

الأربعاء، 23 مايو 2012

هل "تـــيّـــار المســـتــقبل" متطرّف؟


بين نبأ اعتقال المواطن شادي المولوي، وحادث مقتل الشيخ احمد عبد الواحد، شهدت البلاد في الايام القليلة الماضية اسبوعاً غير عادياً... اعتقالات غير مبررة، قطع طرقات، شعارات طائفية ومذهبية، اشتباكات مفاجئة، ظهور مسلّح في الشوارع، خطابات غير مسبوقة، وتحريض ضّد الجيش اللبناني...

من الشمال مروراً بعكار والبقاع وصولاً الى بيروت، تطورات دراماتيكية كادت ان تفجّر الساحة الداخلية المحتقنة اصلاً، لتزداد معها امكانية الانزلاق نحو المجهول، وزعزعة الاستقرار في لبنان المجنون، الواقع بين مطرقة التداعيات الاقليمية والخارجية، وسندان التوترات الداخلية وقابلية الانفجار في اي لحظة.

المخطط على ما يبدو انه نجح بالفعل. النظام السوري اراد زجّ البلاد في دوامة من الخوف والخراب والفوضى، وها هو اليوم يقلب على ظهره من الضحك متفرّجاً على المشهد الاسود المتصاعد من الشمال وصولاً الى بيروت، وكيف يتقاتل اللبنانيون كذئاب جائعة تنهش كل شيء.

وبالرغم من عودة الامور الى نصابها "بشكل او باخر" في الشمال، الا ان نظام بشار الاسد نجح بحنكة في نقل المشهد السوري المتفجّر الى الداخل اللبناني عبر البوابة الطرابلسية والعكّارية، كما برع في "توتير" الشارع السُنّي، واظهار تيار المستقبل بمظهر المتطرّف الذي لا يتصرّف بعقلانية، والذي يتعاطى بمذهبية بالغة في الامور، حتى انه اشاع جوّاً من التساؤلات حول اداء هذا التيار، ودعمه القوي "لجماعات اسلامية متشددة" في البلاد.

يقول نائب من كتلة المستقبل النيابية ان الاحداث التي شهدها الشمال لم تكن بالحسبان، وان قيادة تيار المستقبل تفاجئت بردة الفعل الغاضبة وبالاحتقان المتراكم منذ اشهر ضد النظام السوري، وضد ما تقوم به هذه الحكومة من اجراءات وسياسات مفصومة ومرفوضة وضبابية. ويعترف النائب ان بعض ردّات الفعل الشعبية وحتى تلك الصادرة من بعض النواب لم تكن مدروسة وكانت مبنية على كثير من الانفعال والعفوية.

واذا كان حادث مقتل الشيخ عبد الواحد قد ادى الى ما ادى اليه من تداعيات واشتباكات واعمال "شغب"، فان سياسة "تركيع الدولة" عبر هذه الممارسات وباجبارها على اطلاق شادي المولوي بهذه الطريقة، اضافةً الى دفع الجيش الى الانسحاب من ثكناته وحواجزه شمالاً، يبدو انها اثبتت نجاحها الباهر من جهة اخرى على حساب القانون والمؤسسات.

هذا الواقع يضعنا امام دولة عاجزة فاقدة لكرامتها وامنها ووجودها، غير واثقة من نفسها، وغير قادرة على حماية مواطنيها، دولة فاشلة تغرق في المجهول، وتُغرق نفسها في الازمات والحروب الصغيرة والكبيرة، وامام حكومة ترفع شعاراً سخيفاً تحت عنوان النأي بالنفس، فتنأى عن حقوق الناس وحاجاتها واهتماماتها، وتبتعد عنهم.

وفي هذا الاطار يعتبر البعض ان تيار المستقبل ارتكب خطأً سياسياً واستراتيجياً فادحاً عندما انتهج عبر بعض نوابه سياسة التحريض ضد الجيش اللبناني، ووصفه بأنه جيشاً تابعاً يأتمر بما يقوله بالنظام السوري، ليشوّه ويخدش طريقة تعاطيه المدنية المعتدلة، ما ابعده عن منطق الدولة والمؤسسات، لان الركون الى لغة الشارع والعصبيات كاد ان يفجّر البلاد بأكملها.

وبالرغم من "القطبة المخفية" في حادث مقتل الشيخ عبد الواحد، وطبيعة التركيبة الامنية اللبنانية المعقّدة، الا ان الاتهامات المُوجهة ضد الجيش اللبناني لا تنفع ولا تخدم مصلحة البلد، فالمطلوب معالجة الامور من جذورها بدل حفلات الاحتقان التي لا تنتهي بتداعياتها، وبالرغم من فداحة ما حصل، الا ان المؤسسة العسكرية تبقى الوحيدة البعيدة نسبياً عن سموم الطائفية، ولا بد من حمايتها وابعادها عن البركان المحموم.

ويقول متابعون ان انجرار انصار تيار المستقبل الى لعبة الشارع سيُفقد سعد الحريري الكثير، فالشمال على كفّ عفريت والتعالي على الجراح في هذه اللحظة هو الاهم، لأن التوتر اللبناني اذا تكررت فصوله سيؤدي الى اكثر من 7 ايار، والى اكثر من حرب صغيرة، ستصيب هذه المرة كل مكونات المجتمع، وستقود الى قعر الهاوية دون ادنى شكّ.

ومن جهة اخرى فان ظهور رئيس التيار العربي شاكر البرجاوي في شوارع بيروت بشكل مفاجىء، تماماً كظهور شاكر العبسي عام 2007، اذ استُعمل البرجاوي كأداة سورية جديدة مثيرة للجدل في توقيت سياسي لبناني حرج للغاية. فهل تعود سوريا مجدداً لتنقضّ على تيار المستقبل بأشكال جديدة ومبتكرة، تماماً كتلك التي شهدناها قبل ايام؟.

وبانتظارعودة الوضع الى طبيعته في لبنان بعد موجة العنف، يعود تيار المستقبل الى لغة العقل والهدوء، مقدّماً المصلحة الوطنية على اي موجة غضب، في وقت يستمر فيه النظام السوري بابتكار وسائل جيدة لاشعال الساحة الداخلية من جديد، وبالنفخ على الجمر والرماد والنار، ولهذا على كل القوى السياسية وخاصة تيار المستقبل، ان تدرك هذه المؤامرة، وان تبتعد عن صب الزيت على النار بأي شكل من الاشكال.

وبالعودة الى النائب في كتلة المستقبل الذي ختم حديثه بسؤال وجواب: " هل نجح النظام السوري بتحويل "تيار المستقبل" الى حركة متطرّفة ؟... بالطبع لا، سيبقى التيار في طليعة الحركات والاحزاب الوطنية التي تؤمن بالاعتدال وتتمسك بمنطق الدولة، ومهما حاول بشار الاسد او غيره لن ننجرّ الى العنف، ولم نجنح الى هاوية التطرّف والتشدد".

سلمان العنداري ... SA
beirutobserver.com.

الأحد، 20 مايو 2012

تويتر .... Top 10



لا شكّ ان اختيار 10 أشخاص أو منظمات على الأقل اقوم بمتابعتها على موقع التويتر يُعتبر امراً صعباً بعض الشيء، نظراً لكثرة تلك الحسابات التي اتابعها من كل انحاء العالم. وبما ان التمرين يفرض ذلك، سأعرض عليكم قائمة بأكثر 10 حسابات أتابعها حالياً، بغض النظر عن العدد الكبير من الناشطين والفاعلين والمنظمات الاخبارية الكبرى الاخرى، العربية والعالمية التي اتابعها.


@Taghreedat


الحساب الرسمي لمبادرة تغريدات، التي تهدف الى دعم المحتوى العربي الرقمي بكافة أنواعه عبر بناء مجتمع للمحتوى العربي الرقمي الهادف من خلال مشروعات أولها تعريب تويتر. وللصفحة اكثر من 60 الف متابع عربي.

والذي يميز هذا الحساب عن غيره، نشره لتغريدات وحكم وامثال عربية ملفتة. وكانت اخر تغريدة قمت باعادة تغريدها (ريتويت) من جديد كانت: "هناك دائما..قليل من الحقيقة وراء"كنت أمزح" وقليل من المشاعر وراء "لا أهتم" وقليل من الحاجه وراء"دعوني وشأني" و الكثير من الكلمات وراء"الصمت".

وتغريدات هي جزء من "مبادرة سفراء التغريد العربي"، وهي مبادرة عربية تمتد إلى 10 دول عربية بهدف دعم المحتوى العربي الرقمي بكافة أشكاله وصوره من خلال بناء مجتمع للمحتوى العربي الرقمي الهادف.


@camanpour

حساب كريستيان امانبور على التويتر: هي واحدة من اهم الصحفيات في العالم اجمع ، عملت في السي ان ان، وشغلت منصب كبيرة المحرري والمراسلين، وهي اليوم تقوم بتحقيقات خاصة حول العالم في المناطق الساخنة، وبتقديم برامج ومقابلات خاصة على قناة اي بي سي الاميركية..
تتواصل امانبور مع متتبعيها على التويتر، وتسأل الاسئلة وتستطلع اراءهم، وتخبرهم عمّا تقوم به من نشاطات عالمية... باختصار احبّ امانبور...

@Annahar

حساب جريدة النهار اللبنانية على التويتر تحول في ظرف اشهر قليلة الى واحد من افعل وانشط الحسابات في لبنان، اذ تقوم الجريدة التي ادخلت وسائل التواصل الاجتماعي الى موقعها الالكتروني منذ حوالي العام، بتحديث الاخبار على مدار الساعة، وبالتواصل مع القرّاء والمتابعين. وما يميز حساب جريدة النهار عن غيره انه تفاعلي وحيوي ونشط، ويجيب على اسئلة الناس والمغردين. اضافة الى شموليته، لانه يرصد الاخبار من كل انحاء العالم.

@GebranKGebran

من الصفحات الرائعة التي اتابعها، هي الصفحة الرسمية للاديب اللبناني الراحل جبران خليل جبران الذي يعتبر ايقونة عربية وعالمية في الشعر والكتابة، اذ ينشر هذا الحساب مجموعة من ابرز ما قاله جبران واورع مقولاته.

وتقول الصفحة في تعريف عنها : "لأن جبران لم يمت، وكلماته خالدة كعين الشمس، إجتمعنا حفارو قبور باقون على العهد، نبحث عن الحقيقة مهما حاول الآخرون دفنها تحت التراب... في القلب".

@Elissakh


يعتبر حساب الفنانة اللبنانية اليسا من الحسابات المؤثرة والفاعلة في لبنان والعالم العربي، فللفنانة الصاعدة طريقة جميلة ومبتكرة في تحديث تغريداتها، وهي تشتهر بالتواصل مع معجبيها وبمشاركتهم بعض تفاصيل حياتها الشخصية، مثالاً انها لا تشرب القهوة الا مع والدتها، وانها تنام باكراً وتحبّ المطر، كما تخرج اليسا بتغريدات سياسية بين الفينة والاخرى، اضافة الى نشر صور مع اصدقائها.

احب ان اتابع هذه الفنانة مع الاشارة الى اني لا اتابع سوى عددا قليلاً جدا من الفنانين على التويتر، خاصة بعد "الهجمة" الاخيرة للفنانين العرب على هذا الموقع.


@arabstoday


حساب العرب اليوم على التويتر يعتبر من اقوى الحسابات بالنسبة لي، اذ ان الصحيفة الالكترونية التي تصدر من لندن تقوم بتحديث اخبارها كل دقيقة، ويمكن للقارىء ان يحصل على اخبار مهمة ومنوعة في الوقت نفسه.

اجد هذا الحساب تفاعلي ويلبي رغبة المواطن العربي بالحصول على اسرع الاخبار واكثرها غرابة على الاطلاق.



@WikiLeaks



لا شك ان الحساب الرسمي لويكيليكس من الحسابات المثيرة للجدل على التويتر. اذ يتابعها اكثر من مليون ونصف شخص حول العالم.

وويكيليكس هي منظمة دولية غير ربحية تنشر تقارير وسائل الإعلام الخاصة والسرية من مصادر صحفية وتسريبات أخبارية مجهولة. بدأ موقعها على الإنترنت سنة 2006 تحت مسمى منظمة سن شاين الصحفية، وادعت بوجود قاعدة بيانات لأكثر من 1.2 مليون وثيقة خلال سنة من ظهورها. وما تزال ويكيليكس عبر حسابها على التويتر بنشر وثائق جديدة، والتعليق عليها بتغريدات.

@HaririSaad

وهو الحساب الرسمي والشخصي لرئيس وزراء لبنان الاسبق سعد الحريري. اذ يستخدم الحريري التويتر ويحدّث التغريدات  بنفسه، ويتواصل مع متتبعيه، وقد تواصلت معه اكثر من مرة وتبادلنا مجموعة من الاسلئلة والاجوبة والنقاشات.

 لفت الحريري الانظار عندما اطلّ على جمهوره عبر التويتر من العاصمة الفرنسية، وبدأ بتنظيم  جلسات يومية للتحدث والتغريد المباشر مع متتبعيه. واعتبرته مجلة التايم من ابرز الوجوه الناشطة على التوتير في لبنان والوطن العربي.

@Journalismnews


وهو حساب لموقع بريطاني يتحدث عن الصحافة واخبارها، وعن حرية الصحافة، يقدم للصحفيين النصائح ويتحدث عن احصائيات وارقام، وعن فرص عمل ان وجدت، بالاضافة الى ذلك اتابع عدد كبير من هذه الحسابات التي تطلعنا على اخر اخبار الصحافة حول العالم وعن احدث تقنيات التحرير والاعلام الاجتماعي.

@lassecgen


الحساب الرسمي للامين العام لجامعة الدول العربية الاستاذ نبيل العربي، ويتواصل العربي على التوتير مع المتابعين، وفي الاونة الاخيرة وبسبب الازمة المصرية، والازمة السورية، تابع عدد كبير من الناس والناشطين على الانترنت صفحة العربي.

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

@Salmanonline

واما وبعد عرض هذه القائمة، يمكنكم في اي وقت زيارتي على التويتر ومتابعة تغريداتي على امل ان تنال اعجابكم. .



سلمان

الثلاثاء، 15 مايو 2012

ســـهــــل الـــبـــقــاع .... وابواب المستقبل

البقاع ... منطقة واعدة اقتصادياً ...

ينسكب سهل البقاع ككأس نبيذ على كتف وادي، بألوان الطبيعة التي تفترش لها امكنة، وتُخبىء في طيّاتها الاسرار والخيرات والامل بغدّ أفضل.

والبقاع، السهل الواسع الذي ينبسط بين سلسلتي جبال لبنان الشرقية والغربية. يُعتبر ارضاً خصبة حُبلى بالخيرات، وزاخرة بالطاقات والامكانيات على كل المستويات الاقتصادية والشبابية والسياحية.

ويخترق السهل الاخضر نهرا الليطاني والعاصي، ولذلك شكلت هذه المنطقة في القرون الماضية خزان بلاد الشام من الحبوب والخضار والفاكهة.

ومن البقاع الشمالي مروراً بالبقاع الاوسط، وصولاً الى البقاع الغربي، ارض شاسعة، تتراقص على اشعة الشمس الذهبية كل يوم، وتتمايل على خدود عناقيد العنب، واصوات المياه العذبة التي تغرّد كعصافير على قطعة ذهبية من لبنان.

من مدينة الشمس وعظمتها الى جارة الوادي وطابعها المميز، الى قرية راشيا بقراميدها الدافئة، وصولاً الى بحيرة القرعون.. سحر يهمس في كل مكان، وطريق يأخذك بعيداً.

لطالما احببت هذه المنطقة الرائعة من لبنان، بناسها الطيبين والكرماء، وبشبابها المفعم بالامل، والمتمسك بالبقاء في هذه المنطقة التي تسعى الى تطوير قطاعاتها وامكانياتها وبنيتها التحتية.

عام 2009 شغلت منصب منسّق منطقة البقاع في احدى المشاريع المدنيّة التي هدفت الى تدريب طلاب المدارس الثانوية على العيش المشترك وتقبّل الاخر والتعددية، خاصة بعد عام من احداث السابع من ايار المؤسفة التي خلّفت توترات مذهبية وطائفية على طول البلاد وعرضها.

وطوال 9 اشهر متتالية، تنقّلت بين قرى سهل البقاع ومدنه، من الهرمل ورأس العين واللبوة، مروراً ببعلبك وزحلة وسعدنايل وتعلبايا وعنجر، وصولاً الى راشيا وجبّ جنين، وكانت هذه الزيارات تتكرر اسبوعياً لاكثر من مرة، اذ قمت وفريق عمل متخصّص بتدريب مئات الطلاب من مختلف الطوائف على تقنيات الحوار والمواطنة عبر ورش عمل تُعقد دورياً.

هذه التجربة القصيرة قرّبتني اكثر من البقاع واهله، وجعلتني مهتماّ بهذه المنطقة البعيدة عن العاصمة، اذ سنحت لي الفرصة ان اتواصل مع فئة كبيرة ومهمة من الشباب، اضافة الى مجموعة من الفعاليات الاجتماعية والفكرية والثقافية التي تعمل جاهداً من اجل تحسين اوضاع البقاع، ولرسم صورة واضحة وزاهرة لمستقبل مفعم بالحياة والفرص والاستمرار.

يقول الشباب البقاعي ان البقاع بحاجة الى مزيد من المشاريع الانمائية والاقتصادية التي من شأنها ان تؤمن آلاف فرص العمل، وان تُبقي مئات العائلات والشباب في مناطقهم، بدل الانتقال الى بيروت او السفر الى الخارج بحثاً عن عمل يؤمن مستلزمات الحياة الصعبة.

وبالرغم من وجود عشرات الاستراحات والمنتزهات والاماكن الاثرية الساحرة، الا ان المنطقة بحاجة الى المزيد من المشاريع الانمائية والتجارية التي من شأنها ان تفتح ابواب المستقبل على مصراعيها.

وبحسب الناس هناك، فان هذه المنطقة بحاجة لمشاريع انمائية مختلفة. وقد بدأ العمل الفعلي والجدّي على دعم البقاع انمائياً من خلال المبادرات الخاصة نتيجةً لثقة القطاع الخاص بدينامية هذه المنطقة وبقدرتها الاقتصادية الكبيرة، في وقت نرى فيه الدولة غير قادرة على تحقيق الانماء المتوازن الذي كانت قد وعدت به مراراً وتكراراً على مدى عقود.

 وفي هذا الاطار، يتداول اهالي البقاع "خبراً مُفرحاً"، مفاده ان مشروعاً ضخماً يجري العمل على تنفيذه في منطقة شتورا قرب منطقة تعنايل، من شأنه ان يؤمن آلاف فرص العمل، وان يلبّي الاحتياجات.

ويحمل المشروع اسم "Cascada Village"، الذي يُنتظر ان يكون مقصداً اساسياً لسكان البقاع واهله، خاصة وان موقعه الاستراتيجي الوسطي سيجمع الناس من مختلف المناطق، وسينعش هذا السهل الاخضر على كل المستويات.

ويحوي المشروع مجمّعات تجارية وترفيهية وسياحية بمواصفات عالمية عالية، ويتوقع البقاعيون ان يساهم "كاسكادا فيلدج" وغيره من المشاريع في تنمية المنطقة وانعاشها اقتصادياً.

اعتقد ان مشروعاً كـ"Cascada Village" وغيره، من شأنه يجمع الناس من كل الطبقات الاجتماعية والسياسية والطائفية والمناطقية، تماماً كما حاولتُ ومجموعة من الناشطين قبل سنوات ان نجمع الناس من كل الفئات، وبالنالي فان اي مشروع انمائي واقتصادي جديد في منطقة البقاع من شأنه ان يقوي منعتها في ظل الاوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وان يجمع اهلها وناسها من مختلف الاتجاهات والخلفيات، وان يؤسس لبنية اقتصادية متينة وواعدة على مدى السنوات والعقود القادمة.

سلمان العنداري ... SA

الاثنين، 7 مايو 2012

في ذكرى 7 ايار: وحوش ضارية وحقد اعمى...

في ذكرى 7 ايار 2008 ... طائفية وسلاح وتعصّب ....

لا شك ان احداث 7 ايار 2008 خلّفت شرخاً كبيراً بين مكونات المجتمع اللبناني، وجراحاً لم تندمل حتى يومنا هذا بفعل الطريقة الوحشية التي تصرف بها "حزب الله" وقوى الثامن من اذار في "يومهم المجيد".

كان يوماً اسوداً بكل المقاييس... ميليشيات مسلحة، وتبادل لاطلاق النار، سقوط قتلى، واعتداءات على الممتلكات، وخسائر بالجملة بعد انحراف وجهة السلاح المقاوم وانقضاضها على الجبل والعاصمة وعلى الناس الابرياء.

منذ العام 2008 وحتى اليوم، لم يتغير شيئاً على الاطلاق، السلاح يسرح ويمرح في الساحات والشوارع  والازقة، ويلهو على طاولة مجلس الوزراء ويُقطّع الوقت ويُهدد رئيس الحكومة وفريقه الوسطي. ويرقص على المنابر وخلف المكاتب الملمّعة بأصابع مرفوعة وبصوت مرتفع ممزوج بالصراخ والعويل والوعيد.

الوحش عينه، ما زال يتحرك وينقضّ على كل مقومات الدولة، وينهش مؤسساتها على كل الجبهات وعلى كل المستويات، بالتعاون مع "شلّة" من التابعين والمستزلمين. تراهم يختبئون خلف سلطة السلاح ووهجه، ويطلقون التهديدات يميناً ويساراً، في وقت يكاد غرقهم بوحول الفساد يعميهم ويطيح بهم من شدّة الفضائح التي فاحت رائحتها في كل مكان.

بعد السابع من ايار زاد التعصّب والتطرّف والكره... الشعب اللبناني ما زال شعبا ًطائفياً مذهبياً يقتات على التعصّب الاعمى وخطابات التحريض التي يقوم بها زعماء الطوائف، خاصة وان الانتخابات النيابية العامة باتت على الابواب، ومعها بات يحلو الكلام والاستغلال من كل الفئات السياسية، وخاصة الاذارية منها.

منطق الدويلة منتصر اليوم، لان الدولة ومؤسساتها في خبر كان، بسبب الحكومة التي يرأسها نجيب ميقاتي، وعقلية ميشال عون الجامحة، والشبقة نحو السيطرة والتفرّد، على وقع التناتش على الحصص والتعيينات والصفقات المريبة بين بواخر الطاقة وفضائح المازوت والكهرباء والاتصالات.

على فريق الثامن من اذار، و"حزب الله" على وجه الخصوص ان يدركا ان سياسة رفع الاصابع لن تساهم في تحرير لبنان وصون المقاومة، وعلى العماد ميشال عون ان يتأكد ان سياسة التهديد والشتم لن تحقق الاصلاح والتغيير، كما ان سياسة دعم النظام السوري الذي يقتل شعبه كل يوم لن تؤدي بتاتاً الى انتصار فريق على اخر في لبنان بأي شكل من الاشكال.

الحلّ الوحيد يكمن في الجلوس الى طاولة الحوار، ووضع الامور في نصابها، من خلال تنفيذ البنود التي تمّ الاتفاق عليها منذ العام 2006، والاتفاق على استراتيجية دفاعية موحدة تحمي لبنان من اية اعتداءات خارجية تحفظ الجيش اللبناني، وتعطيه الحق الحصري بحماية الحدود من خلال بسط سيادة الدولة على كامل اراضيها، ووضع آلية تُبقي على المقاومة على ان يكون نشاطها وحراكها بأمرة الدولة فقط لا غير.

وعلى المقلب الاخر، على قوى 14 اذار ان تتخلى عن حقدها، وان تخرج من قوقعتها وتعصّبها وصورتها التقليدية التي رسمتها في الاونة الاخيرة، لان التغيير لا يكون بالشعارات والخطابات والمهرجانات والاجتماعات والبيانات، بل باقرار عقلية جديدة بعيدة عن الثورية والشعبوية. عقلية تحاكي المواطن اللبناني ومصالحه بعيداً من التذاكي والتملّق، والدوران في حلقة مفرغة عنوانها السلاح، على ان تتخلّى عن تعاطيها "السوفياتي" الحزبي، وان تعطي للقوى المدنية والشبابية الدور الحقيقي في الوصول الى "الربيع المنتظر".

في المحصّلة، يمكن القول ان الطائفية هي الوحش الحقيقي في البلاد، ووقعها يكاد يكون اقوى من سلاح غير شرعي، او شتّام مجنون على المنابر، او من اصبع مرفوع ومسدس موجّه نحو الرؤوس، لان استمرار هذه الطبقة السياسية باستغلال الناس بهذه الطريقة البشعة سيكون له تبعات كارثية قبل اشهر من الانتخابات النيابية. فعن اي 7 ايار نتحدث، ونحن نعيش كل يوم 7 ايار جديد...؟

أليست الطائفية والمذهبية اسرع الطرق لاشعال الحرب بيننا كمواطنين، وهل يدرك زعماء الطوائف ان استخدامهم لهذه المناسبة سيعيد الامور الى الوراء؟. وهل تعي هذه الطبقة السياسية ان شعاراتها الفاشلة والصدئة لم تعد مسموعة، وان عدم احترامها لعقول وكرامة اللبنانيين هو اكبر اعتداء على الكرامات، وهو اكثر وطأةً من 7 ايار نفسه؟... اسئلة برسم هذه الطبقة الى ما شاء الله...

سلمان العنداري ... SA

الأحد، 6 مايو 2012

بين حريّة الصحافة واحداث 7 ايّار ... مسدّسات موجّهة نحو الرؤوس

الصحافة في لبنان تواجه المسدسات والتهديدات ....

تلعب الصحافة دوراً اساسياً في نقل الاحداث والتطورات، وفي تظهير الصراع المحتدم الى الرأي العام، من الصالونات السياسية وخلف الكواليس الى صفحات الجرائد وشاشات التلفزة وعبر اثير الاذاعات و"دهاليز" شبكة الانترنت.

الا ان هذا "الاعلام" غالباً ما يدفع الاثمان الباهظة في نقله لهذه الحقيقة ولتلك الوقائع التي تملأ الساحة الداخلية "المشتعلة"، اذ يتعرّض كثير من الصحافيين وبعض الوسائل الاعلامية بين الفينة والاخرى لإعتداءات واقتحامات من قبل "قوى الامر الواقع" اثناء تغطيتهم للاحداث "المتفاقمة"، ليتحوّل ناقل الحدث والصوت والصورة الى الحدث بعينه.

والمعلوم ان "هذا" الاعلام دائماً ما يتعرض "لإنتكاسات" دورية و"لضربات" موجعة ومؤلمة تهدف الى "رسم الخطوط الحمر" بالدم والتهديد والتهويل والوعيد من اجل "إسكات" الاصوات الحرّة، ولـ"طمس" الحقائق ودفنها بقوة السلاح وعبر ممارسة الضغوط والمطاردات والملاحقات البوليسية, من مؤسس جريدة "الحياة " اللبنانية كامل مروة الذي سقط ضحية آرائه وكتاباته يوم 16 ايار 1966، مروراً بسليم اللوزي ورياض طه، وسمير قصير وجبران تويني، الى محاولة الاغتيال الفاشلة التي طالت الاعلامية مي شدياق في خريف عام 2005، وصولاً الى عشرات المحاولات "الاستخبارية و"القمعية" الجبانة المستمرة في ترهيب المحطات الاعلامية وفي الاعتداء بالضرب على بعض الزملاء وملاحقتهم ومطاردتهم باستخدام اساليب رخيصة وحاقدة معروفة النوايا والخلفيات والاهداف.

اليوم، وفي ظلّ "التخبّط والتوتر" السياسي الذي يمر به لبنان، وفي وقت تتصارع فيه الكتل والقوى السياسية على العديد من الملفات  بموازاة لحظة اقليمية حرجة تُنبىء بإنفجار قريب للاوضاع، كثير من السيناريوهات والمعلومات يتم تداولها في الاوساط السياسية والاعلامية، تفيد بأن "مجموعة من الصحافيين والاعلاميين سيكونون في دائرة الاستهداف فيما لو انفجر الوضع الامني والسياسي في البلد"، ولم تستبعد هذه الاوساط تكرار "سيناريو" اقتحام مبنى "اخبارية المستقبل" كما حصل في احداث 7 ايار مصحوباً باعتداءات بالجملة على عدد كبير من الصحافيين المعروفين بانتمائهم لخط سياسي معين".

إخبارية المستقبل التي يملكها الرئيس سعد الحريري، كانت قد تعرّضت لاقتحام مسلّح في ايار 2008، ووقعت ضحية "الحقد والقمع" وسياسة كم الافواه، اذ ترافق هذا الاقتحام مع هجوم صاروخي "مدبّر" من قبل الجمعات المسلحة نفسها على مبنى صحيفة المستقبل الواقع في محلة الرملة البيضاء، مصحوباً باعتداءات "ميدانية" على العديد من العاملين في الحقل الاعلامي وفي تغطية الاحداث الجارية آنذاك.

مشاهد تلك "المعارك الدامية" ضدّ حرية الرأي والتعبير في لبنان عكست صورة بائسة وقاتمة عن واقع "الحريات" بمواجهة القوة والعنف والتعدي على المؤسسات والافراد... اضافةً الى تهديدات بالجلمة وصلت لعدد من الاعلاميين على خلفية رأيهم السياسي واتجاهاتهم السياسية.

صور ما تزال شاخصة حتى هذه اللحظة في اذهان الصحافيين والاعلاميين، في وقت عادت الى الواجهة السيناريوهات "المجنونة" التي تُكتب في بعض الصحف، والتي تحذّر من مغبّة "المسّ" بالمقدسات التي لم تتغير، حتى وصلت الامور لدى بعض الاقلام في مرحلة ليست ببعيدة الى التهديد المباشر "من دون قفازات"، والى الايحاء ان مشاهد احداث 7 ايار ستتكرر بصورة اكثر عنفيةً ودموية بشكل او بآخر، من دون استثناء "الاعلام الـ14 الآذاري" الذي لا ينفك عن انتقاد المقاومة واداء قوى الثامن من آذار على الساحة الداخلية".

وفي هذا الاطار، يتمنى الكاتب السياسي في جريدة "الجمهورية" جورج علم ان لا تعاد الكرّة مرة اخرى، وان لا تتكرر مشاهد الاعتداء على الاعلام في شوارع بيروت. معتبراً ان "اثماناً باهظة دفعها الاعلام في كلّ مرة كانت تشهد فيها البلاد توترات امنية او سياسية".

ويبدي علم خشيته من ان "يكون الصحافي الضحية الاولى لأي خلل امني جديد يمكن ان يصيب البلد في هذه الفترة الحساسة"، متوجّهاً الى "الجهات المعنية" بأن تُبقي "الاعلام بعيداً عن الصراعات وعن تصفية الحسابات بين الافرقاء المتخاصمين، على اعتبار انه المرآة الحقيقة والحضارية للبنان، وبالتالي يجب ابقائه محترماً ومكرماً، ووضعه برتبة المقدسات وبمنأى عن اي اعتداءات او اساءات، لأن اي اساءة للاعلام هي اساءة اجرامية ومسيئة الى كل المعنويات والمثل العليا والى كل المبادىء، فالصحافي هو رجل فكر وقلم وصاحب رسالة لا اكثر ولا اقل".

علم الذي حرص على توجيه كلامه الى كل وسائل الاعلام دون الاشارة الى اي جهة او فريق، يلفت الى انه و"في نهاية المطاف اذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن الجسم الصحفي في لبنان سيستمر في دفع الاثمان على كل المستويات، وهذا من شأنه ان ينعكس سلباً على واقعنا المهني بشكل اساسي".

من جهة اخرى، يرفض المحلل السياسي في جريدة "النهار" راجح الخوري التوجّه الى الجهات التي تُهدد الاعلام بصورة مستمرة، معتبراً ان "وسائل الاعلام دائماً ما تتعرض لاعتداءات وانتكاسات، منذ ايام جمال باشا وحتى هذه اللحظة، اذ دفع العديد من الصحافيين ثمن انخراطهم في العمل الوطني والسياسي، مما ادى الى سقوط مجموعة كبيرة من الشهداء في الحقل الصحفي، وجريدة النهار نالت نصيبها من هذه الهجمة عام 2005، عندما اغتيل كلّ من سمير قصير وجبران تويني".

ويتمنى الخوري ان "يُنظر الى الصحافة على انها صحافة رأي لا مسدسات، وان الناس التي تمسك القلم هي غير الناس التي تستعمل الاسلحة"، داعياً الى "ترك فسحة من الحوار والأمل لمعالجة الامور من خلال الكلمة وليس عبر العنف والدم والتهديد"، مُبدياً امله في ان "يكون الجميع قد تعّلم واستقى الدورس والعبر من التجارب السابقة، ومن احداث السابع من ايار 2008 عندما تم الاعتداء على الاعلام، على ان لا تتكرر هذه المشاهد مرة اخرى".

ووسط هذا القلق المصحوب "بهواجس" من امكانية الانقضاض مجدداً على الاعلام، يبفى السؤال: "هل يتعرض الاعلام الى 7 ايار جديد؟؟، ومن يحمي الصحافيين والاعلاميين من اي "عملية جراحية" جديدة في شوارع بيروت ودهاليزها؟".

سلمان العنداري ... SA

الخميس، 3 مايو 2012

حرية الصحافة 2012: الشرق الاوسط وشمال افريقيا ... اسوأ التصنيفات

خارطة حرية الصحافة في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ...

أفردت منظمة فريدوم هاوس لحرية الصحافة في تقريرها مساحة مهمة لمنطقة الشرق الاوسط التي شهدت عام 2011 تحولات مهمة وضخمة. وفي تقريرها السنوي الذي تناول حرية الصحافة في العالم اعتبرت المنظمة ان منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا واصلت حصولها على اسوأ التصنيفات في العالم عام 2011، مع حصول دولة واحدة (5%) على تصنيف حرة و5 دول (26%) على تصنيف حرة جزئياً، و13 دولة (69%) على تصنيف غير حرة. وعلى المنوال نفسه، من حيث التوزيع حسب السكان. اذ يعيش 2% فقط من سكان المنطقة في بيئات اعلامية حرّة، و27% يعيشون في بيئات حرة جزئياً.

وعلى الرغم من ان القنوات الفضائية العابرة للحدود الوطنية ومنابر المعلومات القائمة على الانترنت كان لها اثراً ايجابياً، ظلت وسائل الاعلام في كثير من بلدان المنطقة مقيّدة بحكم الطوارىء، وملكية الدولة وتوجيهات التحرير، وتشريعات التجذيف القاسية، والقوانين ضد اهانة الملوك والشخصيات العامة.

على الرغم من ذلك، في عام 2011 وبفضل الانفتاحات غير العادية في بعض البيئات الاعلامية التي كانت منغلقة في السابق، تحسّن متوسّط الدرجة الاقليمية بشكل كبير، وخاصة في الفئات السياسية والقانونية، وكانت هناك ثلاثة تغييرات ايجابي في الحالة، حيث اطاحت سلسلة من الثورات التي بدأت اواخر عام 2010 بزعماء راسخين ، وادت الى تعطيب او هدم انظمتهم للسيطرة على وسائل الاعلام. ومع ان المكاسب لافتة للنظر، الا انه من المهم ان نلاحظ ان الكثير من ها لم يحظ حتى الان بالدعم من قبل هياكل مؤسسية وقانونبة وتنظيمية جديدة. وسوف تكون هناك حاجة لليقظة اثناء سعي هذه الدول الى ترسيخ تحولاتها والبدئ باعتماد قوانين ودساتير جديدة.

وبحسب التقرير، فقد كانت ليبيا على وجه الخصوص مذهلة، فقد كانت مصنفة لفترة طويلة باعتبارها واحدة من اسوأ منهكي حرية الصحافة في العالم، ولكنها صنفت بنهاية العام في فئة حرة جزءياً بعد تحسّن في ارقامها من 94 الى 60 نقطة. وتغير البيئة الاعلامية في ليبيا بشكل كبير في عام 2011 في جميع فئات المواضيع الثلاث. وضمنت مسودة الميثاق الدستوري للمرحلة الانتقالية التي وضعت بعد الاطاحة بمعمر القذافي العديد من حقوق الانسان الاساسية، وقدمت تعريفاً واسعاص لحرية التعبير، رغم ان هذه الاحكام لم ترق الى مستوى المعايير الدولية. ولم يتم بعد انشاؤ المؤسسات التي ستتولى تنفيذها.

وبدورها، ارتفعت درجة تونس التي كانت الظروف فيها خلال عام 2010 ايضاً قمعبة للغاية. من 85 نقطة الى 51 نقطة بعد الااحة بالرئيس زين العابدين بن علي، لتدخل تونس بشكل جيد ضمن تصنيف حرة جزئياً. ونصت مسودة الدستور فضلا عن قانون الصحافة في المرحلة الانتقالية على عوامل حماية رئيسية جديدة لوسائل الاعلام. وتم اطلاق سراح المدونين المعتقلين ونشطاء حرية التعبير عن الرأي. ويتمتع الصحافيون الان بالقدرة على العمل دون الخوف من الاعتقال او الرقابة الرسمية.

تحسنت مصر التي كان تصنيفها قد تم تخفيضه في عام 2010 بسبب الحملة المحيطة بانتخابات تشرين الثاني نوفمبر البرلمانية، ايضاً الى حرة جزئياً بعد حركة احتجاج شعبية اجبرت الرئيس حسني مبارك على التنحي، ومع ذلك، كان التغيير في درجة البلاد من 65 الى 57 نقطة، اقل دراماتيكية في ليبيا او تونس.

ادت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في العديد من البلدان الاخرى الى زيادة القيود على الصحافة، وحدق اكبر تراجع على صعيد الارقام على الصعيد العالمي في البحرين، حيث تراجعت من 72 الى 84 نقطة، حيث واجه الصحفيون قضايا تشهير وفرضت الحكومة في كثير من الاحيان قوانين صحفية مقيدة لردع الانتقادات الاعلامية. كما تعرض الحافيون والمدونون ايضاً لمضايقات شديدية واعتقالات والتعذيب نتيحة لتغطيتهم للمظاهرات المستمرة، وهرب العديد منهم الى المنفى. وعلى الرغم من عدم امتلاك الحكومة للصحف، تحتفظ وزارة الثقافة والاعلام بالسيطرة على المطبوعات الخاة، وتفرض غرامات على المطبوعات التي تنقل معلومات تجدها الوزارة غير مقبولة.


عانت سوريا ايضاً تراجعاً كبيراً، من 84 نقطة الى 89 نقطة، وذلك بسبب تزابد الهجمات والترهيب والاعتقالات التي واجهها الصحافيون المحليون والاجانب. وألغت الحكومة التصاريح الصحفية للمراسلين الاجانب، وتعرض العديد من العاملين في وسائل الاعالم للاعتقال نتيجة لقانون الصحافة الذي صدر فس شهر اغسطس، واضطرت القلة الباقية من المنافذ الاعلامية التي تتمتع بدرجة من الاستقلالية للاغلاق. ولم يتبق سوى تلك التي تسيطر عليها الحكومة والحزب الحاكم. وعمل الصحافيون المواطنون والناشطون لاخراج المعلومات من البلاد، ولكن السلطات بذلت كل جهد لتعقبهم. وقد جعلت هذه الظروف بالاضافة الى اعمال العن فالمتصاعدة التي تقودها الدولة في العديد من المناطق من جمع ونشر الاخبار الدقيقة امراً مستحيلاً تقريباً في هذا البلد.

وفي التصنيفات العالمية لعدد من دول المنطقة، احتلت اسرائيل المركز الـ60 بتصنيف دولة تتمتع بصحافة حرة، واحتل لبنان المركز 107 بـ51 نقطة بتصنيف دولة حرة جزئياً، واحتلت تونس المركز عينه، الكويت ومصر احتلتا المركز 123، ليبيا 132، والجزائر 139، اما الاردن فكانت في المركز 144 بتصنيف دولة غير حرة.

اعداد سلمان العنداري ... SA

حريّة الصحافة 2012: الانجازات والانكسارات

الخارطة العالمية لحرية الصحافة لعام 2012

احتفل العالم باليوم العالم لحرية الصحافة، في وقت تعيش فيه الكثير من البلدان تراجعاً حاداً في حرية الرأي والتعبير. وفي هذا الاطار، وكعادتها، قامت مؤسسة فريدوم هاوس العالمية بنشر تقريرها السنوي عن حرية الصحافة. وتحت عنوان :حرية الصحافة في 2011، الانجازات والانكسارات، أعدّ كل من كارين دويتش كارليكار وجينفر دونهام تقريراُ مفصّلاً، اعتبرا فيه ان "عام 2011 اظهر مكاسب غير مستقرة، ولكن يحتمل ان تكون واسعة النطاق بالنسبة لحرية الاعلام في الشرق الاوسط وشمال افريقيا".

وبحسب التقرير فقد سجلت ليبيا وتونس خطوات كبيرة الى الامام، حيث تخلّصت من الطغاة الذين جثموا على حكمها لفترة طويلة بعد ثورات شعبية ناجحة. ومع ان الاتجاهات السائدة في هذه البلدان لم تكن ايجابية بشكل موحّد، مع حدوث انتكاسات مهمة فيما يتعلق بتوقعات الديمقراطية في كل من مصر وليبيا نحو نهاية العام، فان حجم التحسينات وخاصة في تونس وليبيا كان بمثابة انجازات كبرى في تاريخ طويل من سيطرة القادة المستبدين على وسائل الاعلام.

كما تراجعت المكاسب في عدة بلدان اخرى في الشرق الاوسط، وقد عكست حتى التراجعات الكبيرة في البحرين وسوريا ردود الفعل المذعورة والعنيفة للنظام تجاه الحركات الاحتجاجية المتماسكة، والتي تضمنت مطالباتها الجريئة بمزيد من الحرية دعوات لبنية اعلامية اكثر انفتاحاً.


وكانت التحسينات في العالم العربي اهم النتائج التي توصل اليها تقرير حرية الصحافة لعام 2012: دراسة عالمية حول استقلال وسائل الاعلام، الاصدار الاخير من مؤشر فريدوم هاوس منذ عام 1980، وجاءت المكاسب في اعقاب ثماني سنوات متتالية من الانخفاض في مستوى درجة حرية الصحافة العالمية، وهي ظاهرة اقّرت عملياُ على كل منطقة في العالم. علاوة على ذلك، رافقت هذه الظاهرة تغييرات ايجابية في عدة دول رئيسية خارج منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، مثل بورما واندونيسيا والفلبين وزامبيا وتايلند. وتشمل البلدان الاخرى التي سجلت تقدماً جورجيا ونيبال والنيجر وسيراليون وتوغو.


عانت ثلاثة من البلدان التي حققت مكاسب كبرى، وهي بورما وليبيا وتونس، لسنوات عديدة من بيئات اعلامية كانت من الاكثر قمعية على مستوى العالم، وحققت كل من ليبيا وتونس قفزات خلال عام واحد لم يسبق ان تحققت على مدار 32 عاماً.


في الوقت نفسه، واصلت حرية الصحافة مواجهة عقبات وانتكاسات في اجزاء كثيرة من العالم، فقد صعّدت الصين، التي يوجد فيها اكثر نظم قمع وسائل الاعلام تعقيداً، من سعيها للسيطرة على مصادر الاخبار والمعلومات القديمة والجديدة على حد سواء عن طريق الاعتقالات والرقابة. ولجأت القوى السلطوية الاخرى، مثل ايران وروسيا وفنزويلا الى مجموعة متنوعة من الاسابيت لمواصلة احكام قبضتها على وسائل الاعلام، واحتجاز بعض النقاد الصحافيين، واغلاق وسائل الاعلام والمدونات، ورفع دعاوى سب وقذف وتشهير ضد الصحافيين.


وكان التطور الاخر المثير للقلق في عام 2011 هو التراجع في حرية الصحافة في العديد من الديمقراطيات الراسخة، وكان ابرزها تشيلي والمجر، ونتيجة لحالة التراجع في عدد من البلدان الحرة في السابق على مدى السنوات القليلة الماضية، انخفضت نسبة سكان العالم التي تتمتع بصحافة حرة الى ادنى مستوى لها خلال اكثر من عقد من الزمان. ووجد التقرير ان 14.5% فقط من سكان العالم، او واحد تقريباً من كل ستة، يعيشون في بلدان تتمتمع بتغطية قوية للاخبار السياسية، وتضمن سلامة الصحافيين، وتدخل الدولة في شؤون الاعلام في ادنى حدوده، والصحافة لا تخضع لضغوط قانونية او اقتصادية مرهقة. كما لوحظ تدهولر في عدد من بيئات الاعلام الحرة جزئياً، مثل الاكوادور ومقدونيا ومالاوي واوغندا واوكرانيا.


وسائل الإعلام الجديدة، الوعد والقيود: قدمت وسائل الإعلام الجديدة وصحافة المواطن مساهمات كبيرة في الثورات المصرية والتونسية على حد سواء، وكانت عاملاً حاسمًا في خلق دينامية سياسية جديدة يحتمل أن تكون أكثر ديمقراطية.

في روسيا. وحتى في سوريا، حيث تم رفض دخول وسائل الإعلام الأجنبية، بما في ذلك قناة الجزيرة القطرية ذات التأثير الواسع، كان المواطنون العاديون قادرين على استخدام كاميرات الهواتف المحمولة لتسجيل الأعمال الوحشية التي يرتكبها النظام، ومنع الحكومة من الهروب من التقصي العالمي.

ومع ذلك، أثبتت الأحداث في بلدان مثل مصر وروسيا أنه على الرغم من أن وسائل الإعلام الجديدة، وخاصة عندما تدعمها وسائل الإعلام التقليدية، يمكن أن تكون فعالة للغاية في نشر أخبار الانتهاكات التي ترتكبها الحكومة وتعبئة العمل المدني ضد الأنظمة غير الليبرالية، إلا أنها تلعب دورًا أقل أهمية بكثير في بناء المؤسسات الديمقراطية، وخصوصًا في المجتمعات التي لا يزال معظم السكان فيها يحصلون على معلوماتهم من وسائل البث التي تسيطر عليها الدولة.

القمع في أعقاب الربيع العربي: راقبت الأنظمة الاستبدادية في جميع أنحاء العالم، بسبب خوفها من حدوث اضطرابات داخلية، أخبار الثورات العربية. ولجأت إلى أساليب تتراوح من حجب المعلومات في وسائل الإعلام الرسمية، كما هو الحال في زيمبابوي، وإثيوبيا، إلى التصفية الأكثر تقدمًا للإنترنت والرسائل النصية، كما هو الحال في الصين.

 ومع ذلك، كان بعض الناس في هذه البلدان قادرين على متابعة الأحداث في الشرق الأوسط عبر شبكات التليفزيون الفضائية وشبكة الإنترنت، أو في حالة الصين عن طريق استخدام أدوات التحايل للتهرب من رقابة الإنترنت. وفي البلدان التي شهدت احتجاجات مناهضة للحكومة، مثل أوغندا وأنغولا وجيبوتي، لجأت السلطات لاستخدام إجراءات قاسية وعنيفة في بعض الأحيان ضد الصحافيين الذين يغطون المظاهرات.


 الحروب التليفزيونية: مع أن النمو الكبير في قنوات الكابل والقنوات الفضائية وسع من تنوع وسائل الإعلام في عدد من البلدان خلال العقد الماضي أو أكثر، إلا أن سيطرة الدولة على وسائل الإعلام المحلية لا تزال هي القاعدة في كثير من المجتمعات، كما تمثل وسيلة رئيسية للحد من المحتوى النقدي. وفي أعقاب المظاهرات الحاشدة في روسيا للاحتجاج على ترشح رئيس الوزراء فلاديمير بوتين للرئاسة، أدرج أعضاء المعارضة في لائحة من المطالب إنشاء محطة تليفزيون عامة لا تخضع لسيطرة الكرملين. ومنذ توليه السلطة لأول مرة في عام 2011، سيطر بوتين على التليفزيون الوطني، أساس نظام حكمه الاستبدادي، وحول وسيلة كانت تتسم بالتنوع وتوجيه النقد إلى قناة دعاية وإلهاء تافهة.

واحتفظ القادة من ذوي التفكير السلطوي الآخرين هوغو شافيز في فنزويلا، وروبرت موغابي في زيمبابوي، ورؤساء معظم الدول -الأوروبية الآسيوية، والزعماء الشيوعيون في الصين وفيتنام على نحو مشابه بسيطرتهم على الأخبار التليفزيونية أو وسعوا منها.


الحاجة إلى اليقظة في الديمقراطيات: انعكست الضغوط المختلفة على حرية الصحافة في البلدان الديمقراطية المتنوعة مثل الهند وإسرائيل وإيطاليا وجنوب إفريقيا وكوريا الجنوبية. وساهمت المضايقات المتزايدة التي تعرض لها الصحافيون الذين يحاولون تغطية الحركات الاحتجاجية في تراجع في حالة تشيلي، من حرة إلى حرة جزئيًا. وفي أعقاب هبوط حاد في الأرقام عام 2010 ، تم تخفيض المجر إلى حرة جزئيًا نتيجة للجهود المدبرة من قبل الحكومة المحافظة لرئيس الوزراء فيكتور أوربان للسيطرة على الإطار القانوني والتنظيمي لوسائل الإعلام. ويعتبر هذا الانخفاض بمقدار20 نقطة على مدار عامين في بلد كان حرً ا لفترة طويلة أمرًا غير عادي للغاية في تاريخ المؤشر، ولكنه يوضح أن حرية وسائل الإعلام لا يمكن أن تكون أمرً ا مسلمًا به حتى في الديمقراطيات التي يبدو أنها راسخة.

أسوأ الأسوأ: كانت أسوأ ثمانية بلدان في العالم من حيث التصنيف، والتي حصلت على نقاط بين 90 – 100  نقطة، هي روسيا البيضاء وكوبا وغينيا الاستوائية وإريتريا وإيران وكوريا الشمالية وتركمانستان وأوزبكستان. ولا وجود في هذه البلدان لوسائل الإعلام المستقلة أو تستطيع بالكاد العمل، وتعتبر الصحافة، بمثابة أبواق للنظام، كما أن وصول المواطنين للمعلومات غير المنحازة محدود للغاية، ويتم سحق المعارضة من خلال السجن والتعذيب، وغيرها من أشكال القمع. وخلال عام 2011 ، سمح لها التحسن الكبير في بورما وليبيا بالخروج من هذه الفئة، مما قلل من عدد من الدول التي لا تزال وسائل الإعلام الحرة فيها مقيدة بشكل كبير إلى أدنى مستوى لها في السنوات الخمس الماضية. ومع ذلك، ساءت الأوضاع في إيران، والتي احتلت المرتبة الدنيا من خلال وجود أكبر عدد من الصحافيين وراء القضبان في العالم 42 وفقًا لإحصاء لجنة حماية الصحافيين. وفي أوزبكستان، أغلقت السلطات واحدة من آخر الصحف المستقلة في البلاد. وفي هذه الأثناء، نقلت الحملة القمعية التي تشنها الحكومة السورية على التقارير المستقلة التي يقدمها المواطنون الصحافيون والمراسلون الأجانب هذا البلد إلى حافة نطاق 91-100

التقرير القادم سيفصّل اكثر واقع حرية الصحافة في العالم العربي

اعداد : سلمان العنداري... SA

الأربعاء، 2 مايو 2012

التحقيقات السرية ... رقص على الحبال في قعر هاوية...



التحقيقات السرية .... 


 لا يختلف اثنان أن التحقيقات المستترة تتسم بالإثارة وتجذب أعداداً هائلة من القراء أو المشاهدين خاصة واننا نعيش في عصر الكتروني سريع، يحبّ التشويق، ويركض نحو السبق الصحفي والاخبار الملفتة والمثيرة للجدل. ولهذا النوع من التحقيقات سلبيات وايجابيات.  

ولا يُخفى على احد ايضاً ان اللجوء الى هذا النوع من التحقيقات يكون ناتجاً عن واقع معين، يدفع الصحفي الى اعتماد هذه الطريقة كخيار اخير لاستكمال قصّته ولايجاد الحقيقة التي يبحث عنها.

فعالمنا العربي "الرسمي" لا يؤمن بحرية الحصول على المعلومات والوثائق الرسمية، ويُبعد الصحفي عن قلب الحقيقة، ليدفعه هذا الواقع الى خوض المغامرة، والى المخاطرة بحياته في عين العاصفة للحصول عمّا يريد ان يعرفه.

احياناً تحتاج بعض القصص الى التخفّي او لعب دور المحقق. واجد في هذا الامر "ضرورة" في بعض الحالات باعتباره "آخر الكيّ" لاستكمال تفاصيل القصة التي يعالجها الصحفي.

الا ان هذا النوع من الحقيقات اذا تخطّى الخط الاحمر، يتحول الى عمل ينتهك الخصوصية، وينتهك الانظمة والقوانين، ويعرض الصحفي والمؤسسة التي يعمل لديها خطر الملاحقة القانونية وحتى الامنية في كثير من الاحيان. وبالتالي فالامر اشبه بالرقص على الحبال في قعر هاوية.

كاميرا خفية تجتاح مسلخ بيروت وتفضح المستور ...

منذ اسابيع، صوّرت الزميلة ليال ابو موسى من قناة الجديد اللبنانية تحقيقاً سرياً من قلب مسلخ بيروت للّحوم، والتقطت عدسة هاتفها الجوال مشاهد بشعة للطرق غير القانونية وغير الخاضعة لمعايير السلامة والنظافة العامة في ذبح اللحوم. علماً ان التصوير في هذه المنطقة يحتاج الى طلب رسمي.

صباح اليوم التالي انشغلت وسائل الاعلام اللبنانية بهذه القضية، ولدى سؤال الزميلة ليال عن سبب قيامها بهذا الموضوع، ومخاطر تعرضها للمسائلة القانونية، اجابت ان "القانون لا يحمي المغفّلين، وما بُني على باطل فهو باطل، لان صحة المواطن تبقى الاهم من بعض القوانين والتشريعات، اذ تكفي مشاهد الذبح الفاضحة لكي يتحرك القضاء ليحاسب اصحاب المسلخ بدل ملاحقة الصحفي الذي يبحث عن الحقيقة".

تجربة شخصية متواضعة 


اما على الصعيد الشخصي، فقد لجأت الى هذا النوع من التحقيقات في عدد من المرات، ليس بهدف الاثارة والتشويق والمخاطرة، انما بهدف الوصول الى الحقيقة الكاملة بدون اي "مكياج". مع التأكيد اني لم اتخطى حدودي ولم اخالف الاخلاقيات الصحفية العالية التي اؤمن بها. بل على العكس، تمكنت من كسر جدار الصمت في عدد من الامور، التي تحولت الى قضية رأي عام تحدث عنها الجميع.

الدواء المزوّر والتلاعب بالاسعار... 



عام 2009، وفي اطار تحقيق مهم كنت اتابعه عن "تزوير الدواء في لبنان والتلاعب بالاسعار"، حاولت الاتصال بأكثر من صيدلية في كل المناطق اللبنانية وطلبت اجراء بعض المقابلات للاجابة على التساؤلات التي يسألها المواطن اللبناني حول تزوير الدواء والتلاعب بالاسعار، الا اني لم اوفّق في هذا الموضوع، اذ رفض اصحاب الصيدليات اعطائي اي اجوبة.

وعندما استنفذت كل المحاولات، قمت بالتخفي بصفة مريض، وزرت اكثر من صيدلية طالباً شراء دواء يعالج داء المفاصل، لأكتشف ان الاسعار تختلف من صيدلية الى اخرى، وان بعض الصيدليات لا تلتزم بلائحة الاسعار التي توزعها وزارة الصحة اللبنانية، الامر الذي يعتبر تخطياً للقانون والانظمة المعمول بها.

وبعد لمسي "لمس اليد" حقيقة الامور، والفروقات الفاضحة في الاسعار بين صيدلية واخرى، قمت باخطار نقيب الصيادلة، في خلال مقابلتي معه، وفور نشر التحقيق، قام النقيب بمؤتمر صحفي، وحذر الصيادلة من التلاعب بالاسعار.

بعد التحقيق شعرت بأني حرّكت الرأي العام بهذه القضية، وتمكنت من خدمة المصلحة العامة. مع الاشارة الى ان التحقيق كان متوازياً ومهنياً وغي رمنحازاً. انما كشف عن حقيقة مرّة يعانيها القطاع الصحّي في لبنان.

يبقى الاهم عند اجراء اي تحقيق سري او مستتر عدم مخالفة القوانين او الكشف عن وثائق بالغة الحساسية وتؤدي الى زعزعة الامن العام والاستقرار، او تهدد العيش المشترك والسلم الاهلي الداخلي. لان الاهم يبقى صحة المواطن والمصلحة العامة. لأن الانزلاق في لعبة السبق الصحفي قد يودي بالصحفي الى المجهول.

ملاحقة عصابات اطفال الشوارع...



عام 2010 كتبت تحقيقاً مهماً حرك الرأي العام اللبنانية ووزارة الداخلية، تناول عمالة الاطفال في لبنان، واستغلالهم من قبل عصابات منظمة في العاصمة بيروت، لدفعهم للتسوّل في الشوارع. 


والمعلوم ان الاطفال يرفضون الحديث امام الكاميرا، ويخافون طرح الاسئلة والاجابة عنها، ولهذا قمت باجراء تحقيق ميداني بصفة مواطن عادي، فجلت في شوارع بيروت وراقبت هؤلاء الاطفال، ورصدت تحركات 3 فتيات وفتى، لاكتشف ان عصابة مؤلفة من رجلين تقوم بارشادهم وتدير حركة تسوّلهم. وتمكنت من الحصول على معلومات قيمة من الاطفال عندما اعطيتهم مبلغاً من المال، وحاولت مساعدتهم باعتباري مواطن عادي على الطريق، لتكشف قصّتي تواطؤ عصابات كبيرة تستغل عشرات الاطفال مالياً وانسانياً.

الموضوع حرّك الرأي العام، وشجّعني على متابعة قضاياهم بتحقيقات لاحقة. ليعلن بعد اسابيع قليلة وزير الداخلية الاسبق زياد بارود سلسلة اجراءات سريعة لمعالجة اوضاعهم والقبض على العصابات التي تستغلهم.

تجدر الاشارة الى اني كنت استشير مدير التحرير في كل خطوة اقوم بها، وكنت حريصاً على احترام خصوصية الافراد وعدم مخالفة القوانين في بحثي عن المجهول في القصص التي كنت اكتبها. وجريدة النهار التي نشرت فيها مقالاتي معروفة بالتزامها هذه المعايير المهنية.

دخول عالم الايمو ...


اضافة الى ذلك، هناك بعض التحقيقات المهمة التي قمت بها خلال السنوات الماضية استعملت فيها طريقة "التحقيقات السرية او المستترة" بدرجات مختلفة. خاصة عندما قمت بتحقيق عن "الايمو" في لبنان، اذ حاولت ارتياد الاماكن التي يرتادها شباب "الايمو" كما يطلق عليهم، لأكتشف اسلوب حياتهم عن قرب. وتمكنت في احد المرات من مقابلة شاب حاول الانتحار لاكثر من مرة، ويعيش حالة من الكآبة الشديدة نتيجة "غرقه" بطقوس الايمو الغريبة.

وبعد اخذ ورد، "اخترقت" خصوصية هذه الجماعة، وقرر هذا الشاب ان "يفتح قلبه" ويتحدث عن مآسي ومعلومات حسّاسة عن هذا الموضوع باعتباري صديق.

بعد فترة كشفت للشاب عن هويتي الصحفية، وبأني اتابع هذه القضية الحساسة والمهمة، وحاولت اقناعه بمنطق بضرورة نشر قصّته، واكدت له اني لن انشر اي كلمة قالها لي في حال عدم موافقته على ذلك. 

الا انه وبعد موافقته على نشر التفاصيل التي اطلعني عليها. وبعد استكمالي لكل جوانب القصة، تمّ نشر المقالة في جريدة النهار اللبنانية، وتعرّف المجتمع اللبناني لاول مرة على حياة هؤلاء المراهقين وعلى الاسباب الاجتماعية والنفسية التي ادت بهم الى دخول عالم الايمو بشكل او باخر. 
باختصار.

في المحصّلة يمكن القول ان الصحافة رسالة سامية واخلاقية، وعلى الصحفي ان يبحث عن الحقيقة لا عن المشاكل والملاحقات وانتهاكات خصوصية الافراد. الصحافة مهنة شريفة لخدمة المجتمع ولزيادة نسبة الوعي لا العكس. 



سلمان العنداري ... SA
المقالة المنشورة بالتعاون مع مدوّنة خطّ احمر 

الثلاثاء، 1 مايو 2012

عيد العمّال ... سلطة تأكل الكنافة ... وشعب يموت جوعاً

عيد العمّال ام عيد الاستعباد؟ ...

يمر عيد العمال في الاول من ايار، والفقر مستمر في لبنان، يرزح في كل مكان. ويبيت بين الازقة والاحياء والقرى وبيوت التنك... يمر هذا العيد والعامل اللبناني غير مرتاح وغير مضمون وغير مستقر. يعمل ليلاً نهاراً ليكسب لقمة العيش وليؤمن الحياة اللائقة لاولاده ولعائلته، وليدفع الفواتير المكدسة في دولة فاسدة متهالكة تنهار تباعاً.

حكومة تأكل "الكنافة" احتفاءاً بنيلها الثقة الهزيلة في مجلس النواب، بعد ان "فاحت" رائحة الفساد من دوائرها ومكاتبها، وشعب جائع يلهث وراء لقمة العيش البعيدة المنال، ويعيش يوماً بيوم، عاجز عن المضي قدماً براحة وهدوء وامان واستقرار.

يمر عيد العمّال، والعامل فقد الامل بكل شيء، جرّاء سياسات الدولة العاجزة عن تأمين الحد الادنى. المعاول هزُلت من شدة التعب، وعرق الجبين لم يعد يكفي لتأمين كسرة خبز وحبّة زيتون، وسقوف التنك الحذرة اقتلعتها رياح العوز بفعل تواطؤ السلطة المتهاكلة، وتراكم خطايا الطبقة السياسية التي عاثت في الارض خراباً وفساداً على مدى اعوام واعوام.

يمر عيد العمّال، والعامل فقد احساسه بالإنتماء لهذا الوطن العجوز. النجّار كما سائق الاجرة، الحدّاد كما الفرّان والفلّاح... كلهم فقدوا ايمانهم بالغدّ نتيجة الاعباء المتراكمة التي لم تعد مقبولة والتي تخطت كل الخطوط والحدود... فقدوا ايمانهم واملهم بشيخوخة مضمونة، وبأيام هادئة يقضونها بعد سنوات وسنوات.

يمر هذا العيد، ويستمر القذر مع العمال بطريقة غير لائقة وغير محترمة لا تحفظ حقوقهم وكرامتهم ووجودهم الانساني. اذ ان العديد من الشركات تتعاطى مع عمالها على اعتبار انهم آلات او ادوات لا اكثر ولا اقل.

يمر هذا العيد، والحياة في لبنان اصبحت شبه مستحيلة على وقع ارتفاع غير مسبوق في اسعار المواد الغذائية والمواد الاساسية، بالتوازي مع ازمة اجتماعية بغاية الصعوبة.

واذا كان الاختناق المادي يلف رقاب العمّال، فان اللحوم الفاسدة والتلاعب بالمواد الغذائية يقتلهم كل يوم، بفعل ثقافة الغشّ المنتشرة بكثرة في كل مكان وزاروب وزقاق في البلاد، هذا ناهيك عن الاسعار النارية التي زادت من متاعب هؤلاء المساكين، واحبطت قدرتهم على الإستمرار في معركة العيش في بلد ضائع ومجنون كلبنان.

ينتشر الفقر والعوز والحرمان على طول البلاد وعرضها، ويضرب "مرض" البطالة او "العمل بالسخرة" جزءاً كبيراً من القوى العاملة التي اصابها اليأس والقرف في بلد يعيش في الماضي ولا يتطلع نحو المستقبل. في بلد يتناتش فيه الفرقاء على الاصوات والصفقات والتعيينات لا اكثر ولا اقل.

يتحدّثون عن انتخابات، ويطلقون نفير حملاتهم الإنتخابية، ويعدّون العدةّ لخطاباتهم الطائفية والمذهبية، ويعتلون المنابر ويتكلمون بإسم الشعب، فيما المواطن قابع في الظلمة بلا كهرباء ولا مياه. يحدّثونك عن الأمل والمشاريع، ويرفعون الشعارات والعبارات، والمواطن الفقير يصرخ، ينام تحت قنابل موقوتة كعواميد التوتر العالي، وتحت قنابل موقوتة على وقع تفجيرات ومحاولات اغتيال وسرقات وتجاوزات في العلن".

يمر هذا العيد، وقد تحوّلت مادة البنزين الى "لعنة حقيقية" باتت تلاحق المواطن الفقير وطالب الجامعة وربّ العمل وسائق التاكسي وخبيرة التجميل والتاجر ورجل الاعمال وكل فئات المجتمع على السواء، اذ ان الارتفاع الجنوني لهذه المادة ينذر بكارثة حقيقية تتهدد البلاد، مُضافة طبعاً الى جملة المشاكل السياسية والصعوبات الإقتصادية التي اضحت اكثر من خانقة وقاتلة وفاضحة.

هذا الارتفاع يكاد يُحرق اللبناني ويغرقه بالمسؤوليات والفواتير والمدفوعات في دولة مليئة بالفساد والوساطات والنكايات بين الأطراف المتصارعة التي تناست همومنا المتفاقمة التي وصلت الى حدود الانفجار.

البنزين بات بسعر الذهب، والمازوت بسعر الكرامات الرخيصة. وعن الامن حدّث ولا حرج، وعن الامن الاجتماعي لا تسل. آلآلف العمّال يُصرفون كل يوم من اعمالهم، وكأنهم سلع انتهت صلاحيتها، في بلد منتهي الصلاحية. تفوح منه روائح العفن، وتنتشر فيه بكتيريا وحوش المال والشركات الوهمية التي تغسل الاموال وتنفقها على صحون الكافيار وجلسات السهر والشاي البرجوازية.

كم نحن بحاجة اليوم اكثر من اي وقت مضى الى ثورة شاملة حاسمة على كل المستويات والاصعدة تطيح بانظمة الفساد، وتعيد بناء هذه الدولة المهترئة والمترنحة بين تقاسم الحصص والمغانم والصفقات السوداء من تحت الطاولات، وبين عدم احترام حقوق المواطن وكرامته ووجوده.

لا نحتاج اليوم الى اسقاط حكومة فحسب، لا بل نحتاج الى اسقاط عقلية مترسّخة في طبقتنا السياسية. عقلية الإستخفاف بعقولنا، واستغلال عواطفنا وطيبة قلبنا. عقلية الإلتفاف على المواضيع، والقفز فوق قضايانا.

نحن بحاجة الى اتحاد عمالي عام قوي وفاعل ومتحد وليس غارقاً في وحول السياسة والفساد والتبعية لهذه الفئة او تلك. وكم نشتاق لحركة طلابية متعاونة ومتضامنة تخرج الى الشوارع وتملأ الارض بصرخات شبابها للمطالبة بحقوق الناس وكرامتها ومستقبلها وامنها بدل التظاهر بشعارات طنانة رنانة تزيد الانقسام والخلاف والانشقاق.

كم نحن بحاجة اليوم الى لبنان جديد، يستعيد فيه اللبناني شعوره بالإنتماء والامن والاستقرار بدل الاستمرار في التأرجح على حبال الخوف والقلق، والغرق بالديون والفواتير والمسؤوليات المرهقة.

يا ترى هل تنفع العطلة الرسمية في هذا العيد، في وقت لا يُحسب للعامل حساب في لبنان؟، وهل ينفع الكلام والشعارات في وقت يتهافت فيه السياسيون ويتسابقون على قتلنا كل يوم؟.

نحتاج إلى شارع نابض لا يخاف ولا يستسلم ولا يغض النظر عما يتعرض له العمال من اذلال وعدم مساواة لينتفض على القهر والفقر والمعاناة.

انه يوم العمال، يوم الفلاح والمزارع والموظف والاستاذ والمدرّسة والكاتب والشاعرة، يوم السائق والحرفي، انه يوم المساكين والمناضلين المبارك رغم كل المعاناة والصعوبات التي نواجهها. فهل يجوز السكوت عن الممارسات التي تحصل يومياً على مرأى ومسمع من عيوننا وآذاننا؟، وهل يجوز التغاضي عما يقوم به رجال الاعمال والمافيات والعصابات من سياسات تعيث بالارض خراباً وفساداً وتعمّق الهوة بين الطبقات والناس؟. وهل يجوز استمرار الفساد والافساد والبطالة والهجرة؟.

وفي الانتظار سؤال: متى يستعيد العامل كرامته في لبنان؟...

سلمان العنداري ... SA