الخميس، 3 مايو 2012

حريّة الصحافة 2012: الانجازات والانكسارات

الخارطة العالمية لحرية الصحافة لعام 2012

احتفل العالم باليوم العالم لحرية الصحافة، في وقت تعيش فيه الكثير من البلدان تراجعاً حاداً في حرية الرأي والتعبير. وفي هذا الاطار، وكعادتها، قامت مؤسسة فريدوم هاوس العالمية بنشر تقريرها السنوي عن حرية الصحافة. وتحت عنوان :حرية الصحافة في 2011، الانجازات والانكسارات، أعدّ كل من كارين دويتش كارليكار وجينفر دونهام تقريراُ مفصّلاً، اعتبرا فيه ان "عام 2011 اظهر مكاسب غير مستقرة، ولكن يحتمل ان تكون واسعة النطاق بالنسبة لحرية الاعلام في الشرق الاوسط وشمال افريقيا".

وبحسب التقرير فقد سجلت ليبيا وتونس خطوات كبيرة الى الامام، حيث تخلّصت من الطغاة الذين جثموا على حكمها لفترة طويلة بعد ثورات شعبية ناجحة. ومع ان الاتجاهات السائدة في هذه البلدان لم تكن ايجابية بشكل موحّد، مع حدوث انتكاسات مهمة فيما يتعلق بتوقعات الديمقراطية في كل من مصر وليبيا نحو نهاية العام، فان حجم التحسينات وخاصة في تونس وليبيا كان بمثابة انجازات كبرى في تاريخ طويل من سيطرة القادة المستبدين على وسائل الاعلام.

كما تراجعت المكاسب في عدة بلدان اخرى في الشرق الاوسط، وقد عكست حتى التراجعات الكبيرة في البحرين وسوريا ردود الفعل المذعورة والعنيفة للنظام تجاه الحركات الاحتجاجية المتماسكة، والتي تضمنت مطالباتها الجريئة بمزيد من الحرية دعوات لبنية اعلامية اكثر انفتاحاً.


وكانت التحسينات في العالم العربي اهم النتائج التي توصل اليها تقرير حرية الصحافة لعام 2012: دراسة عالمية حول استقلال وسائل الاعلام، الاصدار الاخير من مؤشر فريدوم هاوس منذ عام 1980، وجاءت المكاسب في اعقاب ثماني سنوات متتالية من الانخفاض في مستوى درجة حرية الصحافة العالمية، وهي ظاهرة اقّرت عملياُ على كل منطقة في العالم. علاوة على ذلك، رافقت هذه الظاهرة تغييرات ايجابية في عدة دول رئيسية خارج منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، مثل بورما واندونيسيا والفلبين وزامبيا وتايلند. وتشمل البلدان الاخرى التي سجلت تقدماً جورجيا ونيبال والنيجر وسيراليون وتوغو.


عانت ثلاثة من البلدان التي حققت مكاسب كبرى، وهي بورما وليبيا وتونس، لسنوات عديدة من بيئات اعلامية كانت من الاكثر قمعية على مستوى العالم، وحققت كل من ليبيا وتونس قفزات خلال عام واحد لم يسبق ان تحققت على مدار 32 عاماً.


في الوقت نفسه، واصلت حرية الصحافة مواجهة عقبات وانتكاسات في اجزاء كثيرة من العالم، فقد صعّدت الصين، التي يوجد فيها اكثر نظم قمع وسائل الاعلام تعقيداً، من سعيها للسيطرة على مصادر الاخبار والمعلومات القديمة والجديدة على حد سواء عن طريق الاعتقالات والرقابة. ولجأت القوى السلطوية الاخرى، مثل ايران وروسيا وفنزويلا الى مجموعة متنوعة من الاسابيت لمواصلة احكام قبضتها على وسائل الاعلام، واحتجاز بعض النقاد الصحافيين، واغلاق وسائل الاعلام والمدونات، ورفع دعاوى سب وقذف وتشهير ضد الصحافيين.


وكان التطور الاخر المثير للقلق في عام 2011 هو التراجع في حرية الصحافة في العديد من الديمقراطيات الراسخة، وكان ابرزها تشيلي والمجر، ونتيجة لحالة التراجع في عدد من البلدان الحرة في السابق على مدى السنوات القليلة الماضية، انخفضت نسبة سكان العالم التي تتمتع بصحافة حرة الى ادنى مستوى لها خلال اكثر من عقد من الزمان. ووجد التقرير ان 14.5% فقط من سكان العالم، او واحد تقريباً من كل ستة، يعيشون في بلدان تتمتمع بتغطية قوية للاخبار السياسية، وتضمن سلامة الصحافيين، وتدخل الدولة في شؤون الاعلام في ادنى حدوده، والصحافة لا تخضع لضغوط قانونية او اقتصادية مرهقة. كما لوحظ تدهولر في عدد من بيئات الاعلام الحرة جزئياً، مثل الاكوادور ومقدونيا ومالاوي واوغندا واوكرانيا.


وسائل الإعلام الجديدة، الوعد والقيود: قدمت وسائل الإعلام الجديدة وصحافة المواطن مساهمات كبيرة في الثورات المصرية والتونسية على حد سواء، وكانت عاملاً حاسمًا في خلق دينامية سياسية جديدة يحتمل أن تكون أكثر ديمقراطية.

في روسيا. وحتى في سوريا، حيث تم رفض دخول وسائل الإعلام الأجنبية، بما في ذلك قناة الجزيرة القطرية ذات التأثير الواسع، كان المواطنون العاديون قادرين على استخدام كاميرات الهواتف المحمولة لتسجيل الأعمال الوحشية التي يرتكبها النظام، ومنع الحكومة من الهروب من التقصي العالمي.

ومع ذلك، أثبتت الأحداث في بلدان مثل مصر وروسيا أنه على الرغم من أن وسائل الإعلام الجديدة، وخاصة عندما تدعمها وسائل الإعلام التقليدية، يمكن أن تكون فعالة للغاية في نشر أخبار الانتهاكات التي ترتكبها الحكومة وتعبئة العمل المدني ضد الأنظمة غير الليبرالية، إلا أنها تلعب دورًا أقل أهمية بكثير في بناء المؤسسات الديمقراطية، وخصوصًا في المجتمعات التي لا يزال معظم السكان فيها يحصلون على معلوماتهم من وسائل البث التي تسيطر عليها الدولة.

القمع في أعقاب الربيع العربي: راقبت الأنظمة الاستبدادية في جميع أنحاء العالم، بسبب خوفها من حدوث اضطرابات داخلية، أخبار الثورات العربية. ولجأت إلى أساليب تتراوح من حجب المعلومات في وسائل الإعلام الرسمية، كما هو الحال في زيمبابوي، وإثيوبيا، إلى التصفية الأكثر تقدمًا للإنترنت والرسائل النصية، كما هو الحال في الصين.

 ومع ذلك، كان بعض الناس في هذه البلدان قادرين على متابعة الأحداث في الشرق الأوسط عبر شبكات التليفزيون الفضائية وشبكة الإنترنت، أو في حالة الصين عن طريق استخدام أدوات التحايل للتهرب من رقابة الإنترنت. وفي البلدان التي شهدت احتجاجات مناهضة للحكومة، مثل أوغندا وأنغولا وجيبوتي، لجأت السلطات لاستخدام إجراءات قاسية وعنيفة في بعض الأحيان ضد الصحافيين الذين يغطون المظاهرات.


 الحروب التليفزيونية: مع أن النمو الكبير في قنوات الكابل والقنوات الفضائية وسع من تنوع وسائل الإعلام في عدد من البلدان خلال العقد الماضي أو أكثر، إلا أن سيطرة الدولة على وسائل الإعلام المحلية لا تزال هي القاعدة في كثير من المجتمعات، كما تمثل وسيلة رئيسية للحد من المحتوى النقدي. وفي أعقاب المظاهرات الحاشدة في روسيا للاحتجاج على ترشح رئيس الوزراء فلاديمير بوتين للرئاسة، أدرج أعضاء المعارضة في لائحة من المطالب إنشاء محطة تليفزيون عامة لا تخضع لسيطرة الكرملين. ومنذ توليه السلطة لأول مرة في عام 2011، سيطر بوتين على التليفزيون الوطني، أساس نظام حكمه الاستبدادي، وحول وسيلة كانت تتسم بالتنوع وتوجيه النقد إلى قناة دعاية وإلهاء تافهة.

واحتفظ القادة من ذوي التفكير السلطوي الآخرين هوغو شافيز في فنزويلا، وروبرت موغابي في زيمبابوي، ورؤساء معظم الدول -الأوروبية الآسيوية، والزعماء الشيوعيون في الصين وفيتنام على نحو مشابه بسيطرتهم على الأخبار التليفزيونية أو وسعوا منها.


الحاجة إلى اليقظة في الديمقراطيات: انعكست الضغوط المختلفة على حرية الصحافة في البلدان الديمقراطية المتنوعة مثل الهند وإسرائيل وإيطاليا وجنوب إفريقيا وكوريا الجنوبية. وساهمت المضايقات المتزايدة التي تعرض لها الصحافيون الذين يحاولون تغطية الحركات الاحتجاجية في تراجع في حالة تشيلي، من حرة إلى حرة جزئيًا. وفي أعقاب هبوط حاد في الأرقام عام 2010 ، تم تخفيض المجر إلى حرة جزئيًا نتيجة للجهود المدبرة من قبل الحكومة المحافظة لرئيس الوزراء فيكتور أوربان للسيطرة على الإطار القانوني والتنظيمي لوسائل الإعلام. ويعتبر هذا الانخفاض بمقدار20 نقطة على مدار عامين في بلد كان حرً ا لفترة طويلة أمرًا غير عادي للغاية في تاريخ المؤشر، ولكنه يوضح أن حرية وسائل الإعلام لا يمكن أن تكون أمرً ا مسلمًا به حتى في الديمقراطيات التي يبدو أنها راسخة.

أسوأ الأسوأ: كانت أسوأ ثمانية بلدان في العالم من حيث التصنيف، والتي حصلت على نقاط بين 90 – 100  نقطة، هي روسيا البيضاء وكوبا وغينيا الاستوائية وإريتريا وإيران وكوريا الشمالية وتركمانستان وأوزبكستان. ولا وجود في هذه البلدان لوسائل الإعلام المستقلة أو تستطيع بالكاد العمل، وتعتبر الصحافة، بمثابة أبواق للنظام، كما أن وصول المواطنين للمعلومات غير المنحازة محدود للغاية، ويتم سحق المعارضة من خلال السجن والتعذيب، وغيرها من أشكال القمع. وخلال عام 2011 ، سمح لها التحسن الكبير في بورما وليبيا بالخروج من هذه الفئة، مما قلل من عدد من الدول التي لا تزال وسائل الإعلام الحرة فيها مقيدة بشكل كبير إلى أدنى مستوى لها في السنوات الخمس الماضية. ومع ذلك، ساءت الأوضاع في إيران، والتي احتلت المرتبة الدنيا من خلال وجود أكبر عدد من الصحافيين وراء القضبان في العالم 42 وفقًا لإحصاء لجنة حماية الصحافيين. وفي أوزبكستان، أغلقت السلطات واحدة من آخر الصحف المستقلة في البلاد. وفي هذه الأثناء، نقلت الحملة القمعية التي تشنها الحكومة السورية على التقارير المستقلة التي يقدمها المواطنون الصحافيون والمراسلون الأجانب هذا البلد إلى حافة نطاق 91-100

التقرير القادم سيفصّل اكثر واقع حرية الصحافة في العالم العربي

اعداد : سلمان العنداري... SA

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق