تحالف الاكثريات في لبنان ... هواجس متفاقمة ... |
تعيش "الجماعات" اللبنانية المتنوعة هاجساً كبيراً مرتبطاً بوجودها ومستقبلها في هذا البلد الذي يحوي اكثر من 18 خليطاً متنوعاً من الناحية الثقافية والدينية والطائفية. فلبنان بلد التناقضات على ارضه، يعيش صراعاً محموماً منذ عقود عنوانه الوحيد... الاقليات.
وليس غريباً على احد، فلبنان بلد يجمع مجموعة من الاقليات منذ زمن بعيد، تعايشت مع بعضها ديمغرافياً وسياسياً، وها هي اليوم تخوض معارك ضارية في سبيل البقاء في ظلّ ما تتعرض له المنطقة من عواصف ومتغيرات قد تهدد بعضاً من هذه المجموعات، ممّا قد يعرضها "بنظرها" للاضطهاد مجدداً.
عام 2006، اجتمع "ميشال عون" رئيس التيار الوطني الحرّ بالامين العام لحزب الله "السيد حسن نصرالله" وعقدا تحالفاً سياسياً استراتيجياً في كنيسة مار مخايل في بيروت. وبالرغم من النقاط السياسية المهمة التي طرحها اللقاء والتحالف، الا ان هذه الورقة السياسية عكست خوفاً كبيراً لدى الطائفة الشيعية والبعض من الطائفة المارونية لما يمكن ان تحمله التطورات في المنطقة وفي لبنان.
وعرّف بعض المحللين ذلك في ما بعد بـ"تحالف الاقليات" بمواجهة ما سُمي "السيطرة السُنية" في المنطقة، باعتبار ان المنطقة العربية باغلبيتها تنتمي الى الطائفة السنية، الامر الذي جعل مجموعة من الفئات الاقلوية تشعر بضرورة التحالف والبقاء معاً "لعدة اسباب" في مواجهة هذه "المخاوف"، بغضّ النظر عن صحتها ام لا، وبغض النظر عن اهدافها الداخلية وابعادها الاقليمية.
في المقابل، يجزم البعض الاخر على ان هذا التحالف بين الحزب والتيار، تمّ توقيعه لحماية سلاح حزب الله ولاضفاء الشرعية المسيحية عليه، في ما استغل العماد عون هذا الواقع الجديد، متسلّحاً بسلاح الحزب، ومتمسّكاً بأثمان على اعلى المستويات، يحصل عليها نتيجة هذا الغطاء المسيحي القوي.
ويقول المحللون الاستراتيجيون ان لبنان يعيش صراعاً على ارضه. بين المحور الذي تتزعّمه ايران "الشيعية" بمواجهة المحور الذي تقوده المملكة العربية السعودية "السنيّة". وبين هذا المحور وذاك، يخوض رجال السياسة-الطوائف صراعهم ومعاركهم في سبيل الحفاظ على "توازن القوى" في البلد.
عام 2008، تحوّل السجال السياسي في البلاد الى امني، اذ قام "حزب الله" بعملية امنية داخل العاصمة بيروت وضواحيها، واستخدم السلاح الفردي المتوسط والخفيف تحت عنوان "حماية طائفة"، وصدّ الهجمات السياسية على سلاح الحزب الذي يقود ويسيطر على غالبية "الطائفة الشيعية".
تحولت "الحرب الصغيرة" الى ما يشبه حرب طائفية. اعتبر البعض ان الصراع الامني، والتوترات المفتعلة ناتجة عن احتقان شيعي – سني جذوره اقليمية انفجرت في لبنان.
انقسمت الاقليات الطائفية بين مؤيد لما يقوم به "حزب الله"، وبين معارض له. لتصبح البلاد "مفصومة" بين فريق عريض يقف خلف الطائفة الشيعية "بما يمثلها حزب الله" ، وبين الطائفة السنية "التي يقودها تيار المستقبل" الذي يرأسه سعد الحريري ابن رفيق الحريري الذي اغتيل عام 2005.
وبعبارة اخرى اكثر وضوحاً، اصطفّت القوى المتعددة بمعسكرين، واحد تقوده اغلبية الطائفة الشيعية، واخرى تقوده اغلبية الطائفة السنية، حتى بات يُقال ان في لبنان مسيحي-سنّي او درزي –سنّي في مواجهة مسيحي-شيعي او درزي-شيعي.
هذه الاحداث الضاغطة، وخوفاً من المزيد من التدهور الامني، اجبرت زعيم الطائفة "الدرزية" في لبنان، وليد جنبلاط الى التخلي عن تحالفه مع "تيار المستقبل" والانتقال الى تحالف حزب الله – التيار الوطني الحرّ، خوفاً على جماعته القليلة التي تسكن مناطق الجبل المحاذية لخطوط التماس وللنقاط الساخنة المتنازع عليها بين الطائفيتين السنية والشيعية، باعتبارهما الاكبر في لبنان.
المتغيّرات السياسية تلاحقت خلال السنوات القليلة الماضية. انهارت انظمة، وسقطت عروش، وتنحّى رؤساء ودخل اخرون الساحة السياسية. الا ان المشهد في لبنان لم يتغير بعد. الخوف نفسه ما زال يعصف في كل دار ومجلس ومنطقة.
تبّدل المشهد بين حلفاء النظام السوري، وحلفاء المعارضة السورية. الا ان التوترات بقيت على ما هي. سلاح منتشر في الشوارع، اطلاق نار، احراق دواليب، شعارات مذهبية واشتباكات فردية وحزبية حاقدة. هواجس تلاحق بعض الطوائف كالكوابيس، واسائلة تُطرح من كل حدب وصوب عن مستقبل هذا البلد الذي دخل في دوامة من التوتر بسبب التداعيات والتطورات الاقليمية المتسارعة...
ا
ذن، الخوف، يلاحق كل الاقليات في لبنان... خوف من التعرّض لضغوطات امنية، ولاحداث قد تكون تداعياتها سلبية على مستقبل كلّ منها. مع الاشارة الى ان النظام السياسي اللبناني يقرّ بالمناصفة بين المسيحيين والمسلمين، ويُوزّع المراكز السياسية بالتساوي على الطوائف الكبرى، وعلى الطوائف الصغرى كذلك الامر. مع الاشارة ايضاً الى انه في لبنان لا يوجد طائفة مسيطرة على البقية، لان توازن القوى يفترض حسابات دقيقة للغاية على قاعدة لا غالب ولا مغلوب.
وبالتوازي، يخاف المسيحيون في لبنان كما في منطقة المشرق على مستقبلهم، باعتبارهم اقليات مهجوسة تعيش في منطقة مسلمة بغالبيتها. من بيت لحم، مروراً بالاردن، ومن العراق وسوريا وصولاً الى لبنان ومصر، يسعى المسيحيون الى الصمود في ظلّ العواصف الاقليمية وضبابية المستقبل.
وهذا الخوف المصحوب بكثير من المبالغات في بعض الاحيان، يطلّ برأسه لدى فئة واسعة من المسيحيين في المنطقة. فتفجير كنسية سيدة النجاة والاعمال الارهابية التي قامت بها جماعات تكفيرية في العراق والتي ادت الى تهجير اكثر من 80% من المسحيين في بلاد ما بين النهرين، اضافةً الى ما حصل في القاهرة والاسكندرية قبل اشهر قليلة من مواجهات وسياسات كادت ان تُشعل نزاعاً طائفياً في مصر، تُعتبر بمثابة كابوس يلاحق هذه الجماعة الخائفة من المستقبل.
ويعتبر بعض المسيحيين ان سيطرة تيارات اسلامية على الحكم بعد سقوط الانظمة سيؤدي الى تهجيرهم واضطهادهم والبطش بهم، فيما يرى فريق اخر ان الامر غير صحيح وان مشاركتهم في هذه الثورة واجب واساسي لاعادة صياغة الخارطة السياسية للعالم العربي، وان اي نظام دكتاتوري لا يمكن ان يحميهم من القتل والتهجير او الاضطهاد.
ووفقا لإحصائيات حديثة، فإن المسيحيين كانوا يمثلون نحو 20% من سكان المنطقة قبل قرن، لكنهم الآن يمثلون 5% ولا تزال النسبة في انخفاض، ولم يعد عدد المسيحيين في الشرق الأوسط سوى 20 مليونا بينهم خمسة ملايين كاثوليكي من أصل اكثر من 356 مليون نسمة.
كما تشير دراسات نشرت العام الماضي ان نسبة المسيحيين انخفضت في تركيا من 20 % في أوائل القرن العشرين إلى 0.2% اليوم. كما يرى البعض أن نزوح المسيحيين من العراق منذ الغزو الأمريكي عام 2003 قد يؤدي إلى اختفائهم من العراق.
وبالحديث عن هذه المخاوف ناقش مجمّع "سينودس الاساقفة" الخاص بأساقفة الشرق الأوسط في مدينة الفاتيكان اواخر عام 2010، أسباب نزوح مسيحيي الشرق الأوسط ومدى تمتعهم بالحريات الدينية وسبل الوئام بين جيرانهم المسلمين. اذ حذروا من أن تناقص أعداد المسيحيين في الشرق الأوسط ونزوح الآلاف منهم تحت ضغط التوترات السياسية سوف يؤدي إلى اختفائهم.
في المحصّلة، ان مسألة ما يسمى بتحالف الاقليات اثبتت فشلها في لبنان، لأن الحل الوحيد يكمن في الحوار البنّاء والفعّال بين مختلف القوى السياسية والطائفية، وفق منطق لا غالب ومغلوب، خاصة وان هذا البلد لا يمكن ان يُحكم من قبل اي فريق واحد الا بالتفاهم والحوار والالتزام بالمناصفة.
وفي هذا الاطار، تاتي دعوة الرئيس اللبناني ميشال سليمان في مكانها، بالرغم من عدم نجاح النسخات السابقة مما سمي طاولة الحوار الوطني، الا ان البلاد اليوم بأمسّ الحاجة لحوار بين الاطراف الاساسيين. حوار صادق وواضح وبنّاء، من شانه ان يخفف من حدة التوتر، وان يُنتج حكومة متوازنة وحيادية، وان يعمد الى حلّ قضية السلاح المنتشر من الشمال الى اقاصي الجنوب... وبانتظار انقشاع الرؤيا في سوريا والمنطقة.. هل يدخل لبنان المجهول ويشتعل فتيل الانفجار؟.
سلمان العنداري... SA
نُشرا بالتوازي مع beirutobserver.com