الخميس، 3 نوفمبر 2011

متى يكفّ رجال الدين والسياسة عن استخدام وممارسة العنف باسم الدين؟

ّ

الدين يقمع الدولة ويمنع قيامها ...
منذ ايام، اجتمع بابا الفاتيكان بندكتوس السادس عشر واكثر من 300 من زعماء اديان العالم من المسلمين والكاثوليك واليهود واخرين، في كنيسة رومانية قديمة في بلدة اسيزي وسط ايطاليا، وشددوا على شجبهم العنف الذي يُرتكب باسم الدين.
وتحدث الباب الى الحاضرين حيث شجب بشدة الارهاب الديني الذي وصفه بانه "ليس الطبيعة الحقّة للدين، بل هو نقيض له ويودي به".
وما لفتني في الاجتماع الجامع، هو كلام رئيس جمعية "نهضة العلماء" باندونيسيا هاشم موزادي الذي تحدث عن الصراع الديني، معتبراً ان "المصالح غير الدينية التي تمتطي التعاليم الدينية وتستخدم الدين كدافع لاغراض غير دينية، تستغلها عادةً جماعات معينة تحركها اهداف غير روحانية بما في ذلك "السياسة والاقتصاد والثقافة"...
لا شك ان مبادرة بابا الفاتيكان مهمة واساسية وتهدف الى خلق جوّ ايجابي بين المجموعات الدينية في العالم، الا ان ما يجري على الارض لا يُشجّع كثيراً، اذ يلعب رجال الدين دوراً سلبياً للغاية في اذكاء الصراعات في اكثر من بلد، من قصد او من دون قصد، ليخرجوا عن دورهم الروحي المفترض بهم ان يقوموا به، فيتحولوا من رجال دين في معابدهم الى رجال سياسة في المؤسسات والساحات وعلى الشاشات، واحياناً الى جيوش محاربة على الارض، تقتل وتروّع وتُعنّف الاخر بدل تقريب وجهات النظر بين الناس.  
من هذا المنطلق اعتقد ان في عالمنا من يستخدم الدين كشمّاعة وكغطاء للوصول الى مصالحه الخاصة ولتحقيق اهداف تبتعد كلياً عن التعاليم الدينية. والعمليات الارهابية والانتحارية التي تقوم بها القاعدة في انحاء العالم ضد من تسميهم "بالكفّار" وتحت شعار الاسلام وسنّة الله، تمثل خير دليل على استغلال الدين لاذكاء نار الصراعات ولزيادة درجة الحقد الملتهبة في كل اقاصي الارض.
وبعيداً عن مثال القاعدة والارهاب الذي تقوم به باسم الدين، نجد انظمة دينية تسعى لتنفيذ مشاريع سياسية وتوسعية على تحت هذا الشعار. فالجمهورية الاسلامية الايرانية "تسعى الى التمدد عقائدياً وسياسياً في المنطقة، عبر دعم جماعات لها وتزويدها بالمال والسلاح تحت شعار ديني وعقائدي" بحسب ما يقوله المراقبون .
هذا، وحدّث ولا حرج عن عشرات ومئات الفتاوى الدينية التي يخرج بها رجال الدين في البلدان الاسلامية وبخاصة العربية، والتي تفرض على الناس تبنّي وجهة نظر سياسية معينة باعتبارها مقدسة ويجب الالتزام بها من منطلق ديني صرف.
وعلى سبيل المثال، فعام 2005 ، وقبيل ايام من الانتخابات النيابية اللبنانية، اصدر السيد حسن نصرالله، الامين العام ل"حزب الله " "تكليفاً شرعياً، دعا فيه الناس الى التصويت الكامل للّائحة التي يدعمها الحزب في الانتخابات. واعتبر بعض المرشحين هذه الدعوى "ترهيباً غير مباشراً للناخبين الذين ينتمون للطائفة الشيعية".
يومها، تناقلت وسائل الاعلام معلومات افادت عن تعرّض بعض المواطنين للمضايقة والتهديد من جانب القيادات الدينية والسياسية في "حزب الله" ، والتي اجبرت الجميع على الالتزام الديني بما قاله السيد نصرالله وبالتقيد بالفتوى، واعتبار "كل خارج عن هذه الارادة، خارج عن الطائفة وخائن"...
وعام 2009 عاد السناريو نفسه ليتكرر مع الطائفة السنية، اذ صرّح مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قبّاني ان "كل شخص لا يصوّت للائحة المدعومة من "تيار المستقبل (يرأسه السيد سعد الدين الحريري الزعيم السنّي) هو خارج الطائفة ويصوّت لقتلة والده الرئيس رفيق الحريري (الذي قُتل بانفجار ضخم عام 2005).
وبالتوازي، لعبت وتلعب وسائل الاعلام دوراَ بغاية السلبية في تعميم هذه المفاهيم، فبعضها لا ينفك عن اعادة هذه التصريحات واعطائها مساحة كبيرة لتصل الى اكبر شريحة من الناس. اضافةً الى ذلك يتناسى الصحافيون الذين يفترض بهم تغطية الاحداث على الارض بحيادية، فيتناسون دورهم الموضوعي والاخلاقي بالتغطية المهنية بحدها الادنى، فيخرجون على الهواء بشعارات مذهبية رافضة للطرف الاخر، محرّضين بشكل مباشر على "الخصم"، الذي هو بالواقع شريكهم في الوطن.
وفي لبنان يضع المواطن يده على قلبه كلما خرج زعيماً روحياً على الشاشات ليتحدث بالامور السياسية، فغالباً ما تدخل السياسة في مواقفهم، الامر الذي يثير التوترات الطائفية على اكثر من صعيد. "الدين في خدمة رجال السياسة الممثلين لطوائفهم"...
وبالعودة الى دراسة فينك ومارتن القيمة للغاية، يمكن الملاحظة ان لبنان بلد يعطي اهمية بالغة للحرية الدينية، ويسمح لكل فرد ممارسة حرية التفكير والدين او حتى تغيير العقيدة، وهذا امر جيد ومهم من شأنه ان يحمي كل الاقليات والجماعات الدينية وان يوفر لها بيئة آمنة، الا انه لشدة حساسية هذه المسألة، سيطر هاجس "الدين" على النظام، فتداخل لا بل تزاوج بالدستور والانظمة و القوانين، فباتت الطوائف فوق القانون وذات اولوية على فكرة "المواطنة" .
اذن ، المشكلة لا تكمن فقط في تعاطي وسائل الاعلام، انما بالنظام نفسه، وبالتشريعات والقوانين الموضوعة، التي قدّمت لعبة الطوائف وتأثيرها السلبي على حساب القانون والنظام، فبات رجل الدين سياسي بامتياز، يضع الخطوط الحمراء ساعة يشاء، او يصدر فتاوى توقف فعالية هذا القانون او ذاك.
مثال اخر / عام 2006، تمّ تقليد شخصية دينية مسلمة في برنامج ساخر على احدى الشاشات المحلية اللبنانية، الامر الذي اثار غضب قيادات هذه الطائفة، فخرج الناس الى الشوارع وقاموا باعمال شغب، واحرقوا الاطارات ، واعتدوا على كنائس واديرة، وانتهكوا الاملاك العامة والخاصة، وكادت البلاد ان تتحول الى ساحة حرب. فأجبرت القناة التلفزيونية الى تقديم اعتذار رسمي، بالرغم من انها لا تحمل هوية مسيحية او طائفية معينة.
وعام 2009، عرضت محطة تلفزيونية اخرى اعلاناً عن عرض فيلم كان قد عرض في صالات السينما، يتحدث عن طائفة الدروز وتاريخهم وعاداتهم، فطُوّقت المحطة بافراد من تلك الطائفة، واصدر المجلس المذهبي القيادي لهذه الطائفة بياناً حذر فيه من عرض الفيلم ، لتنصاع المحطة بعد ذلك تحت وطأة الترهيب والتهديد...
 وعام 2007 قبيل الانتخابات الرئاسية اللبنانية، امتلأت اللوحات الاعلانية باعلان لشركة اتصالات يمثّل كرسي فارغ - في اشارة الى كرسي الرئاسة – الامر الذي "اشعل الطائفة المارونية" باعتبار منصب الرئاسة من حصة الموارنة – المسيحيين - ، فاعتبروا ان الاعلان يمثل اهانة للمنصب وللطائفة، ليجبروا بعد ذلك الشركة المسؤولة على سحب الاعلان من الاسواق...
خلاصة القول انه للدين سلطة استثنائية في لبنان، وهي سلطة قادرة على قلب كل الموازين تحت عدة شعارات وعناوين ، من بينها "حقوق المسيحيين"، "حرمان الطائفة الشيعية"، "خصوصية الدروز"، "ضرورة احتضان الارمن"، و"هدر حقوق الكاثوليك"، و"التعدي على صلاحيات الطائفة السنية في الدولة"، و"غياب العلويين عن السلطة"...
وتحت هذه الحجج تُقطع الطرقات ويُطلق الرصاص، ويشتبك الناس مع بعضهم البعض بين الفينة والاخرى، بتحريك من الزعماء الروحيين والسياسيين من قصد او من دون قصد.
واذا كانت دراسة فينك ومارتن قد اعتبرت ان تحالف الدين ومجموعة من الاديان السائدة بالدولة يوفر استقراراً سياسياً، ففي لبنان نرى العكس، اذ ان اعطاء الاولوية للطوائف على حساب الدولة ووجودها يعيق الوصول الى فكرة الدولة الجامعة، ويعمّق الصراعات بين الجماعات المكونة للمجتمع بدل ان يكون مصدراً للغنى، اضافةً الى ذلك فانه يُخضع وسائل الاعلام، حتى ولو كانت تغطيتها حيادية ولا تقصد الاساءة.
وفي هذا الاطار، (وعذراً على الاطالة)، يُطرح عددا من الاسئلة: ما هي حدود تدخل رجال الدين بالسياسة؟، والى اي حد يمكن اعتبار فصل الدين عن الدولة هو الحل الامثل للابتعاد عن الصراعات والنزاعات الطائفية والدينية، وهل يجب تقديم حقوق الاديان على الدستور والدولة؟، واي قوانين يجب تشريعها للحد من الانفلات الاعلامي الطائفي في المنطقة؟... ومتى يكف بعض رجال الدين عن استخدام وممارسة العنف باسم الدين؟...

سلمان العنداري ... SA

"مشاركة قدّمتها في دورة تغطية النزاعات الدينية العالمية التي تناقش الصراعات الدينية والطائفية حول العالم، واساليب التغطية الصحفية". يمكنكم متابعة كتاباتي في هذه القضية على الوسم التالي على المدونة "نزاعات دينية"...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق