رحلت ... ولكن ... |
تلقيت بكثير من الحزن والاسى خبر وفاة جدّة احد اعزّ اصدقائي قبل ساعات.... الخبر المؤسف، المؤلم والموحش اعادني الى تاريخ 26 ايلول عام 2006، عندما استيقظت فجراً على خبر صاعق، عندما قالوا لي ان جدّتي فارقت الحياة بشكل مفاجىء.
وجدّتي، لمن لا يعرفها كانت قدوة في الحبّ والعطاء والمحبّة والامل. كانت راقية في تفكيرها وجامحة بمشاعرها وعاطفتها تجاهنا نحن الاحفاد الذين تربّوا الى جانبها، واخذوا بنصائحها، واعتادوا على رؤيتها كل يوم.
جدّتي الطيّبة، عرفت كيف تبني عائلة لُبنةً لُبنة، وحجر فوق حجر. ناضلت في ايام الصعاب، وتمرّدت على عواصف القدر، واحتضنت الجميع بحرارة قلبها، ودفء روحها وعطائها...
تُدمع عيناي كلما خرجتُ الى حديقة المنزل، واسترقتُ نظرةً نحو بركة المياه الصامتة التي تعكس ألوان السماء وتقلبات الطقس في بلدتي الباردة.
تُدمع عيناي كلما مررت بقرب شجرة الياسمين المُورقة، واشجار الصنوبر التي زرعتها جدّتي بمُعول أمومة ومتراس حنان وارادة.
جدّتي رحلت قبل ست سنوات، والذكريات تسابقني الى اليوم، وتوقظني كل يوم، ليعود بي شريط الذكريات الى تلك الحديقة مجدداً. عندما كانت قصصها واخبارها تنهال عليّ وتحدثني وتوجّهني.
جدّتي... صلواتك الحزينة فجراً، ورائحة عطرك عند المغيب، وضجّتك الناعمة التي كانت تقرقع اثناء غفوتي معلّقة على كل الجدران... ونسائمها تغلغل فيّ داخلي على الدوام...
كم هو قاس هذا الموت، وكم يترك في نفوسنا وارواحنا ندوباً وجراحاً لا تنسى ولا تندمل. وكم غريب هذا الموت عنّا. يطرق ابوابنا بسرعة، وبدون استئذان يسرق منّا احبابنا، ويذهب بعيداً .
الموت يا صديقي حقّ. ذهبت جدّتك الغالية كما رحلت جدّتي قبل سنوات، الا ان حكاياها، ولمساتها الناعمة، وطيبة قلبها، وعبق بخورها، ونصائحها، ستبقى تغرّد في الارجاء. وفي كل مكان. ستبقى جدّتك الغالية الاقرب الى قلبك، وسيبقى صدى صوتها يتردد في داخلك الى الابد.
رحلت، نعم، ولكن حنانها، وكلامها، والحان تنهيداتها لن تغادر زواريب البيت والدار الكبير، تماماً كقلب لبوة خائفة على صغارها، وكطائر السنونو الذي لا يكفّ عن الطيران.
واذ كان جبران خليل جبران يقول ان "الولادة والموت مظهران من انبل مظاهر الشجاعة"، فإن جدّتك وجدّتي بطلات في معركة الحياة، ومحاربات على مسرح الوجود، وطاهرات في القضايا التي دفعنّ من اجلها اثماناً باهظة.
على كل حال... الموت حق، والحياة كالازهار، تتجدّد دائماً، وتكتب على سطور الزمن صفحات تلو الصفحات، وجدّتك التي غادرت الى دنيا الحقّ اليوم، ستبقى محفورة في كل مكان.
اسباب كثيرة دفعتني للكتابة اليوم، ربما اشتياقي لجدّتي، وحزني على فراقك لجدّتك، ومحبتنا الجامحة لاولئك الكبار الذين يعطون اكثر ممّ يأخذون، فتحية لهم اينما كانوا في السماء.
اكاد اسمع اناشيدهم، يرتّلون لنا، ويتلون صلوات النور على الدوام بمحبة لا تنضب ولا تنام، وبعيون ساهرة علينا، تبحث عنّا وتهمس في اذاننا بقبلة وكلمة...
الكلام صعب، لأن فقدان الأحبّة يخنقنا ويُضعفنا، الا ان التمعّن والتعمّق قليلاً بحكمة الحياة وسيرورة الموت، تجعلني انظر الى الأفق البعيد، وابتسم، بدمعة صامتة وبأمل لا يستسلم...
تعازيّ الحارة لك ولعائلتك صديقي ... والله مع جدّتي الطيبة... وجدّتك الغالية...
أهدي هذه التدوينة لارواح كل من نفتقدهم اليوم
سلمان