الخميس، 24 فبراير 2011

بعيداً من السياسة... "يوم أخضر" على تلال الجنوب... وأوديته


نظمت جمعية "الثروة الحرجية والتنمية" بالتعاون مع شركة "ستاربكس" العالمية يوماً طويلاً لغرس اكثر من 500 شجرة من الصنوبر في بلدة المكنونية قضاء جزين في اطار الحملة الوطنية السنوية لإعادة تأهيل المساحات الخضراء في لبنان التي اجتاحتها نيران الحرائق المدمرة خلال السنوات الاخيرة الماضية بمشاركة اكثر من 60 شاب وشابة من مختلف الجامعات والمناطق اللبنانية.

من بيروت انطلقت "الحافلات" في الصباح الباكر باتجاه الجنوب للمشاركة في هذا "اليوم الاخضر" والمشرق والمشمس والدافىء. اذ ارتضى الجميع طوعاً الابتعاد عن قصص السياسة واخبارها التي تملأ الشاشات وصفحات الجرائد.

لدى وصول المجموعات الشبابية الى بلدة المكنونية، بدا الجنوب هادئاً بتلاله الخضراء وبأشجاره وغاباته التي تختلط بالمزارعين وباصوات الاولاد الذين يلعبون في يوم عطلتهم الاسبوعية.

رئيس المجلس البلدي في المكنونية العميد الركن فؤاد عون بدا سعيداً ومتحمّساً لقدوم عشرات الطلاب والنشطاء الى بلدته الجنوبية البعيدة. اذ حرص على توفير كل سبل الراحة للجميع. فتراه يتنقل من مكان الى آخر، يشارك بالحوارات والنقاشات الدائرة، ويستغل كلّ فرصة للحديث عن قريته التي يعمل على تطوير مفهوم التنمية المستدامة فيها وفق اسس ومعايير عالية.

"الريّس" عبّر عن فرحته لوجود عشرات الشبّان والشابات من اكثر من منطقة لبنانية في قلب هذه البلدة الخضراء للمساهمة في غرس اكثر من 500 غرسة من الصنوبر في غاباتها واحراجها، "وقد وجدنا هذا النهار فرصة مميزة للتعريف عن هذه القرية والحديث عن جمالها ومميزاتها وعن اهلها".

السيدة ندى زعرور رئيسة "جمعية الثروة الحرجية والتنمية" أشادت بتميّز هذا الحدث من خلال التأكيد على أهمية المسؤولية الاجتماعية للشركات، وإدماج فلسفة المحافظة على البيئة كقيمة أساسية ضمن نشاط أعمالها. وأعربت السيدة زعرور عن تقديرها لإلتزام شركة ستاربكس بالمحافظة على البيئة، وإشراك الشباب في هذا النشاط، وعن فخرها بمواصلة العمل مع القطاع الخاص والمجتمع المدني في هذه المبادرة البيئية السنوية لرفع مستوى الوعي حول أهمية استعادة لبنان الأخضر والحفاظ عليه.

بدورها شددت السيدة رنا شاهين، المدير الإقليمي للإتصالات والمسؤولية الإجتماعية في "ستاربكس" الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على اهمية التعاون والشراكة مع جمعية "الثروة الحرجية والتنمية" التي وصفتها بأنها "من أكثر الجمعيات الفعَالة في المجال البيئي في لبنان"، مشيرة الى "اهمية مشاركة الموظفين العاملين في "ستاربكس" وأعضاء جمعية "الثروة الحرجية"، وعشرات المتطوعين الشباب في هذه النشاطات، وسط التصميم والحرص على المساهمة في الحفاظ على البيئة في لبنان".

التشجير وحماية البيئة ... اكثر من شغف

والمكنونية قرية قديمة يشتق اسمها من كلمة "كن" او كلمة "مكّن" او "ماكنونيتا" باللغة السريانية او الفينيقية، وهي تعني الاختباء او الاختفاء او الرسوخ و الثبات، وهذا ينطبق على موقعها على تلة في واد كبير تحيط به الجبال من كافة الاتجاهات.

البلدة المكسوة بغطاء حرجي اخضر من الصنوبر والسنديان والاشجار المثمرة الاخرى، تقع على تلة تحوط بها الوديان والجبال، وترتفع عن سطح البحر حوالي 888 متراً، وتبعد عن بيروت 68 كلم، ويبلغ عدد سكانها حوالي 1500 شخص.

واشار عون الى ان "المجلس البلدي "لضيعة الورود" قام خلال السنوات الثماني الماضية بجهد بيئي كبير للمحافظة على الثروة الحرجية، وقد تم تنفيذ عشرات المشاريع "الخضراء"، ومنها تشحيل الاشجار وتفريدها، وشق طرق الزراعية لسلوكها عند مكافحة الحرائق، بالاضافة الى الاهتمام بالثروة الحيوانية والمائية في البلدة. هذا فضلاً عن غرس اكثر من اربعة الالف غرسة من الصنوبر، ومنها اشجار مثمرة من شأنها ان تؤمن في المستقبل القريب مردوداً مادياً مهماً. كما يتطلع المجلس البلدي لايجاد نوع من السياحة البيئية في البلدة يستقطب عشاق الطبيعة والمشي والرياضة والهدوء".

قبيل البدء بالتحريج، شرح هشام سلمان من جمعية "الثروة الحرجية والتنمية" للطلاب تقنيات الغرس، وبعدها توجّه رئيس المجلس البلدي بكلمة شدد فيها على اهمية العمل البيئي في سبيل زيادة المساحة الخضراء في هذا البلد الذي تلتهمه الحرائق والسنة النار كل يوم".

العدّة توزّعت على الجميع. "معاول ورفوش وشوك" وغرسات صغيرة من الصنوبر الاخضر التي تم زرعها في الاماكن المخصصة لها وسط حماسة لافتة اظهرها الشباب المشارك في النشاط.

شعر ريان بمسؤولية بيئية كبيرة بعد مشاركته للمرة الاولى بهذا النشاط، اذ رأى ان "اليوم الجنوبي الطويل حرّك فينا مسؤولية كبيرة في ضرورة الحفاظ على البيئة وفي ترسيخ ثقافة احترام الطبيعة وتوعية الناس على مخاطر الحرائق وقطع الاشجار والاعتداء على الثروة الخضراء التي يتميز بها وطننا".

غاسيب من جامعة هيكازيان والتي شاركت في عدد كبير من مشاريع الجمعية، اعتبرت ان "العمل البيئي اهم بكثير من العمل السياسي في لبنان، خاصة وان معظم الطبقة السياسية لا تهتم سوى لمصالحها الخاصة والضيقة والتي تنعكس سلباً على واقعنا الاجتماعي والاقتصادي"، واصفةً ما حصل في مكنونية "بالممتاز".

اما كريم بكداش من الجامعة اللبنانية الاميركية فأكد انه سينقل التجربة التي قام بها ضمن حملة التشجير الى اصدقائه وزملائه واقاربه، متمنياً على وسائل الاعلام ان "تركّز اكثر على القضايا والمشاكل البيئية التي نواجهها، وان تفرد مساحات اوسع من البرامج والتحقيقات التي من شأنها ان تزيد من نسبة الوعي وان تخلق شبكة امان تقلل مخاطر النزف البيئي على كافة المستويا".

منسقة الحملة الوطنية للوقاية من حرائق الغابات كارين الزغبي استحقت بامتياز لقب الدينامو المحرّك للنشاط، اذ اعربت عن فخرها الكبير "بتواجد عشرات الطلاب الجامعيين الذين قرروا المساهمة في زيادة المساحات الخضراء في لبنان بدل التلهي بالمشاكل والنقاشات السياسية الساخنة ووحولها المسببة للفرقة والمعمقة للانقسام".

ولفتت الزغبي الى ان "الجمعية قامت بتشجير اكثر من 45 هكتاراً من الاراضي العام الماضي، على ان يرتفع هذا الرقم الى اكثر من 60 هكتار مع نهاية العام الجاري ضمن خطة لزيادة المساحات الخضراء ولاعادة تحريج الاراضي والغابات التي تعرضت للحرائق، الا ان العوائق المادية واللوجستية كبيرة، ونحن نعمل على اجتيازها وحلّها بالتعاون مع الوزارات المعنية وهيئات المجتمع المدني والقطاع الخاص والفئات الشبابية في الجامعات والمدارس".

مرّ الوقت بسرعة قياسية... انتهى النهار الاخضر، ومظاهر التعب بدت على وجوه الشباب الذين جلسوا تحت سنديانة ضخمة في ساحة البلدة بعد الانتهاء من مهمتهم "الزراعية"، فتشاركوا بالاحاديث والنقاشات، وتبادلوا خبراتهم وتجاربهم في المجال البيئي...

انتهى النهار، والموعد يتجدد الاسبوع القادم في كلّ من منطقة راشيا الفخّار في الجنوب، وبلدة البيرة في الشوف، ومنطقة جبيل، مع مجموعة شبابية جديدة، ومساحات حرجية جديدية. الى ذلك يبقى الشعار: "غيّر طبعك... مش طبيعتك".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق