الأربعاء، 27 يونيو 2012

وداعاً ايها البلد المجنون ...


شيء ما يجري في هذا البلد ، ابعد من الجنون واقرب الى الهستيريا. الامن الفالت يغزو كل قرية ومدينة، والحقد والكره والاحتقان يعيش في كل حيّ وفي كل الازقّة.

لبنان المجنون يرقص على حبال الازمات. اطارات مشتعلة، مخطوفون، ملثّمون يعيثون في الارض فساداً وخراباً بكل وقاحة، وسياسيون يتسابقون على شاشات التلفزة بخطابات الاستنكار والوعود الفارغة، وحكومة في اجازة صيفية، في موسم سياحي افقر الشعب واوقعه في العتمة.

البلاد تحترق، ولا من يسل. مصالح متضاربة وساحات صراع وقتال مفتوحة على كل الجبهات وعلى كل المستويات... شباب لبناني ملّ واقعًا ميؤوس منه، وقرر الهجرة والهرب من صوت الرصاص وروائح البارود وصراخ الناس التي تموت من الجوع.

لقد اصابنا الاحباط من هذه الارض، وبتنا غرباء نعيش في لحظة خطرة. مستقبلنا بات من الماضي، واحلامنا تكسّرت على اجنحة طبقة سياسية منهارة ومجنونة، تأكل لحمنا وتشرب دمنا قبيل سنة من الانتخابات النيابية الملعونة.

لا شك ان مشهد احراق قناة الجديد والاعتداء عليها يشكل سابقة خطيرة وغير مسبوقة من الوقاحة والاعتداء على القانون والحريات.

واذا كانت مقابلة الشيخ احمد الاسير قد اثارت الرأي العام وحركت النعرات الطائفية والمذهبية، الا ان الرد البشع واللاحضاري على القناة، يدعو الى دق ناقوس الخطر على ما وصلت اليه الامور، في بلد يتقلّب على صفيحة من نار ورماد.

الصحفي في لبنان بات سلعة تستخدم في خدمة ملوك الطوائف والمذاهب، ورسالة الصحفي هذا اصبحت في خبر كان، في ظل الاوضاع القذرة التي نعيشها كل يوم. واصبحت هذه الرسالة لقمة سائغة في وجه شبيحة الليل، وزعران الازقة و"حرّيفة" احراق الاطارات وايصال الرسائل المتطرفة من كل حدب وصوب.

بات الانسان في لبنان رخيصًا الى حد كبير، معلّقًا بين المطرقة والسندان، يموت جوعاً ولا من يسأل عن لقمة عيشه. وباتت الكلمة الاولى والاخيرة للمتطرفين والبلطجيين والشبيحة في كل مكان ودار.

حبّذا لو يأتي الرئيس سعد الحريري الى لبنان ويتحدى كل المخاطر، وحبّذا لو يدرك حزب الله ان مماطلاته على طاولة الحوار ستقودنا الى فتنة بدل سياسة تقطيع الوقت و"مسايرة" الرئيس ميشال سليمان لواقع السلاح.

الطبقة السياسية برمتها في لبنان لا تليق بهذا البلد. وعلى الناخب اللبناني ان يدرك ان استمراره في سياسة الانقياد والتبعية ستبقيه على حاله، وستزجّه في السجن الكبير الى ما لانهاية والى ما شاء الله .

لقد اعتزلت الكتابة في السياسة لاكثر من 3 اسابيع، لاني على يقين ان شيئاً لم ولن يتغير، وما هي خطاباتهم وتصاريحهم الا صراخ وعويل وسباب وشتائم وقدح وذم لا تليق بالرسالة التي آمنت بها وعملت من أجلها، والتي نناضل في سبيلها كشباب لبناني يحلم بمستقبل افضل.

ومن السياسة البالية الى الكهرباء المقطوعة كلياً عن المواطن. العتمة الملعونة تزورنا كل يوم، وترهقنا، والاتصالات المزرية ليست افضل حالا. فقولوا لنا اين نعيش وكيف نعيش في بلد الجوع والاذلال والبهدلة؟.

منذ ايام اتصل بي نائب لبناني وسألني عن حالي، مستفسراً عن انقطاعي الطويل في كتابة المقالات واجراء المقابلات الصحفية اليومية، اجبته بكل بساطة بان ما يحدث اليوم مجزرة بحق كرامات الناس ولن اسمح لنفسي ان اكون جزءاً من حفلة الجنون المستمرة منذ اسابيع لا بل اشهر. لقد مللت الطائفية والمذهبية والخطابات التي تستغل اللبناني وتقتله كل يوم الف مرة.

الحلّ الوحيد لنا كشباب يبحث عن نفسه هو الرحيل من هذا البلد، والبحث عن مستقبل افضل، لا مستقبل موتور اصفر وشاحب.

اعتذر مجدداً من سمير قصير الذي لطالما حثنا وشجعنا على الاستمرار والمضي قدماً في النضال في بلد الارز، ولكن، ما يحصل اليوم فضيحة كبيرة لا يمكن احتمالها باي شكل من الاشكال.

قررت الرحيل عن هذا الوطن والاغتراب، قررت الذهاب بعيداً للبحث عن وطن جديد يحترمني ويقدرني ولا يسألني عن طائفتي، تماماً كما يفعل مئات الاف الشبان من كل المناطق.
وداعاً ايها البلد الاصفر... جنون ملوك الطوائف افقدنا الايمان بك، وروائح البارود والاحقاد افقدتنا طعم الحياة هنا. سأبحث عن وطن ... سأبحث عن حريتي خارج هذا السحن الكبير الذي لم ولن تفتح ابوابه واقفاله الموصدة منذ عقود...

سلمان العنداري ... SA
نُشرت بالتوازي مع بيروت اوبزيرفر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق