الأحد، 10 يونيو 2012

بين "الملتحي المسلم" و"الارهابي المسيحي" ... الخلط في المصطلحات يقودنا الى الهاوية


لا شكّ ان استخدام التعابير اللغوية والوصفية في اي مقال او خبر او تحقيق صحفي يتناول ديناً او حدثاً معيناً، يتطلب الكثير من الدقة والتوازن والحرفية في الكتابة والتعبير. لأن الفاصل بين الحقيقة والتضخيم او التجنّي قد تكون كلمة واحدة ان لم نقل حرفاً واحداً.

ومن هنا على الصحفي ان يكتب بحذر ومسؤولية لدى متابتعه قصة معيّنة, فلا يعمّم ولا يخرج عن النطاق المرسوم لمقالته.

وعلى سبيل المثال فان "لصق" تهمة "الارهاب" بالاسلام ككل امر يُجافي الحقيقة، وما هي مساعي الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز لتعزيز حوار الاديان والحضارات الا دليلا ًواضحاً على سعي هذا الزعيم الاسلامي في المنطقة الى بناء جسور التواصل بين كل شعوب العالم.

 اضافةً الى ذلك، فان كبار مشايخ الاسلام ورجال الدين يرفضون "العمليات الانتحارية" وايصال الرسائل بالعنف والقتل والتعصّب.

ان السبب الاساسي لتعميم مصطلح التطرف والتعصّب والارهاب ولصقه بالاسلام مراده الاعلام السلبي، ودور كبريات وسائل الاعلام والمحطات ووكالات الانباء العالمية التي وقعت في هذه المصطلحات، وسوّقتها في اوساط الرأي العام العالمي.

منذ ايام قابلت شاباً نشيطاً يعمل في كبريات شركات الاعلان في المنطقة العربية، وكنّا نتحدث عن الدعايات التلفزيونية التي تتناول الحوار والتلاقي بين الناس. واخبرني الشاب ان شركته اخرجت دعاية "الارهاب لا دين له" التي تُعرض على الشاشات العربية كافةً في محاولة لمحو صورة ارتباط الارهاب بالدين الاسلامي.

والدعاية اللافتة حققت نوعاً من الوعي في الاوساط الشعبية العربية، وبات المواطن العربي يفرق تماماً بين الارهاب الحقيقي وبين الدين المبني على التسامح والرقي والتفاهم بين الناس.

الا انه اعتبر ان "الاعلام الاجنبي ساهم في ترسيخ هذه الصورة لدى الرأي العام الغربي، اذ ان كافة نشرات الاخبار والتقارير كانت تصور الاسلام بشكل او باخر باعتباره ديناً متطرفاً لا يقبل الاخر وهو امر عار عن الصحة وبعيد عن الحقيقة".

ولذلك لا بد من انتقاء المصطلحات بشكل دقيق للغاية، وان تتوقف وسائل الاعلام عن اعتماد سياسة توجيهية معينة تلعب الدور الاكثر سلبية في بناء جدران التفرقة بين الشعوب.

حتى ان صفة "الارهابي المسيحي" تثير الريبة في كثير من الاحيان وتخلق مشاعراً من الكره في الشارع الاسلامي تجاه المسيحيين والاقليات في عالمهم، وتخلق فجوة كبيرة في التواصل وامكانية العيش معاً بسلام.

ان اختيار التعابير امر مهم للغاية في العمل الصحفي ويتطلب مسؤولية مضاعفة.

عام 2008 قدمت مشروع تخرجي وتناولت فيه الاسلام السياسي في المنطقة، بين ايران والسعودية، وبين الثورة الاسلامية في ايران والحركة الوهابية في السعودية. وتحدثت فيها عن حركة حماس وعن حزب الله مثالاُ.

اعترف اني وقعت في بعض المغالطات، الا اني تمكنت من "تصحيح" الخطأ بعد عشرات القراءات للكتب والمؤلفات والمقالات. ولاحظت ان الاعلام ساهم في تضخيم هذه المخاوف والحركات التاريخية واعطائها وجهاً سلبياً مهجوساً ومحقوناً.

ان اي عمل ارهابي يجب ربطه بالجماعات الدينية التي تستغل الدين وليس بالدين ككل، لان نسف مفاهيم التسامح والمحبة سيقضي على التنوع وعلى امكانية التفاهم.

في لبنان، يمكن القول ان الاعلام ساهم في نشر هذه الثقافة الهدّامة، عبر التعابير التي تستخدمها وسائل الاعلام، ولليوم نحن نغرق في هذه الدوامة التي لن تتغير الا اذا غيرت وسائل الاعلام من سياساتها ونظرتها تجاه الاخر.

تخيلوا انه ليومنا هذا يتم استخدام تعبير "الصليبيون" او "الملتحون الاسلاميون". وهذا ما يزيد التين بلّة، ويُرجعنا سنوات الى الوراء.

يبقى السؤال: هل نتفهم ردة فعل الوسائل الاجنبية على احداث نيويورك والتفجيرات التي حصلت عام 2001، ام اننا نتفهم ردة الفعل العربية على السياسات الغربية في منطقتهم والتي جعلتهم يتناغمون ويتعاطفون مع ما تقوم به القاعدة من اعمال ارهابية؟.
هنا يكمن السؤال. الا انه يبقى على الصحفي والمؤسسات الصحفية الحذر في انتقاء كلماتها والا، سنبقى سجناء افكار مسبقة لا اكثر ولا اقل، وسنربي جيلاً يكره بعضه بعضا ًدون ادنى شك.





سلمان العنداري ... SA
نُشرت بالتعاون مع  beirutobserver.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق