لا شكّ ان نشر صور الرئيس الليبي معمر القذافي بعد القبض عليه مضرجا بالدماء، يتلقى ضربات، مهانا ثم جثة هامدة على وسائل الإعلام المحلية والدولية وعلى صفحات الجرائد الاولى، من شأنه ان يثير عدداً كبيراً من الاسئلة حول دور الاعلام الحقيقي والاخلاقيات التي يجب الالتزام بها، ومتى يمكن تخطّي الخطوط الحمر من عدم تخطّيها.
فقبل كتابة الخبر او نشر الصورة، فهل يفكر الصحفي او المحرر بشكل عميق في جميع المشكلات التي ستثيرها مثل تلك الاخبار او الصور بعد او قبل النشر، (بغضّ النظر عن طبيعة الشخص الذي ظهر في الصورة)، وهل يدرس الصحفي او المحرر كل الخيارات امامه، ام ان الصحيفة تريد ان تبيع اكبر عدد ممكن من النسج وان تحقق سبق صحفي ينافس زميلاتها في عالم الاعلام؟.
التفكير الاخلاقي بالنسبة لي يبقى اهم من الخبر بحد ذاته ومن تحقيق خبطة صحفية. لانه يتعين على اي صحيفة عريقة ان تكون قدوة في احترامها للمعايير والاخلاقيات بعيداً عن الاثارة (بالرغم من انها مطلوبة)، فعلى سبيل المثال، يمكن للصحيفة تناول الخبر من زاوية مختلفة ومميزة تماماً من الناحية التحريرية والخبرية من دون الحاجة الى نشر صور مسيئة او قاسية على مئات آلاف القرّاء.
اعتقد انه على وسائل الاعلام ان تدرس اضرار ومنافع نشر صور او اخبار قاسية. وبالتالي فان الالتزام بالمواثيق الاخلاقية التي تحكم سلوك العاملين في المؤسسات الصحفية مهم للغاية في نشر مواد لا تتخطى الحدود.
وبالتالي لا بد من الالتزام بالمسؤولية والمصداقية والحياد بدرجة عالية من الاخلاق، حتى تحافظ الوسيلة الاعلامية على جمهورها وعلى احترام قرائها، وكي لا تتحول الصحيفة الى صحيفة صفراء لا اكثر ولا اقل.
ان المحافظة على حقوق الاخرين يكون في عدم جرح الحياء العام وفي عدم نشر صور مؤذية للاشخاص من شأنها أن تضر بأهل المتوفى وتسبب أذى نفسي للمتلقي، وبذلك تخالف المعايير الدولية المتعلقة بحرمة الجسد والأموات.
تجربة لبنانية :
وفي تجربة لبنانية لافتة، ففي العام 2005 وبعد لحظات من اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري الذي قتل ورفاقه في انفجار ضخم وسط بيروت، وعدت مقدمة الاخبار في قناة "ال بي سي" اللبنانية المشاهدين على الهواء مباشرةً بان القناة حصلت على صور حصرية لجثة الرئيس الحريري وهي تحترق ارضاً وستقوم بعرضها. الا ان القناة عادت عن قرارها بعد لحظات واعتذرت من المشاهدين عن عرض هذا المقطع، نظراً للمشاهد المؤذية التي قد تسبب اي انعكاسات سلبية على الشارع اللبناني.
وبرأيي كان قرار "ال بي سي" صائباً للغاية. خاصة وان التوتر "السني الشيعي" وغليان الشارع كان على اشده في ذاك اليوم المؤسف. فهل يمكن القول ان القناة حافظت على اخلاقياتها؟. بالطبع نعم، لانها تخلت عن "شهوة السبق الصحفي" . وتركت لروّاد الانترنت تحميل الفيديو بعد ايام قليلة على مقتل الحريري.
وفي تجربة اخرى. عام 2007 تمّ اغتيال مسؤول امني كبير في الاجهزة الامنية اللبنانية على خلفية دوره المهم في جمع المعلومات المتعلقة بتحقيقات اغتيال الرئيس السابق للوزراء رفيق الحريري. وفي ظهيرة ذاك اليوم. وبعد لحظات قليلة جدا من الحادث، تهافتت وتسابقت وسائل الاعلام المحلية والعالمية الى مسرح الجريمة، لتغطية الاحداث مباشرةً على الهواء.
الملاحظة السريعة لهذه التغطية تشير الى حجم تقيّد الوسائل الاعلامية باخلاقيات المهنة وبالمعايير الصحفية العالية بين وسيلة واخرى. اذ قامت احدى القنوات بتصوير اشلاء الجثث المتناثرة، وكان وقعها صادماً وبغاية العنف على المشاهد. بينما تمنّعت وسائل اخرى على التركيز على هذا المشهد، وفضّلت تغطية الحدث بزاوية مختلفةلا تخدش الحياء او تؤذي المشاهد.
على كل حال، البعض يعتبر ان نشر صورة القذافي ليس فيه تجاوزا أخلاقيا، باعتبار انه من حق القارئ معرفة التفاصيل وأن يرى الصورة ضمن حدود معينة لا تتجاوز الأخلاق، في ما يعتبر البعض ان الصورة تنتهك حرمة الموت وتسبب اهانة لكرامة الافراد المتلقين.
ويبقى قرار وسائل الإعلام كيفية نشر أو عدم نشر صور الجثث أو الأجساد المضرجة بالدماء أو الأشخاص في أوضاع مهينة لكرامتهم، موضوع نسبيا يعتمد على اجتهادات كل وسيلة في فهمها وتقديرها لأخلاقيات المهنة ودورها في المجتمع وأولوياتها.
سلمان العنداري ...SA
"مشاركة قدّمتها في دورة تغطية النزاعات الدينية العالمية التي تناقش الصراعات الدينية والطائفية حول العالم، واساليب التغطية الصحفية". يمكنكم متابعة كتاباتي في هذه القضية على الوسم التالي على المدونة "نزاعات دينية"...
"مشاركة قدّمتها في دورة تغطية النزاعات الدينية العالمية التي تناقش الصراعات الدينية والطائفية حول العالم، واساليب التغطية الصحفية". يمكنكم متابعة كتاباتي في هذه القضية على الوسم التالي على المدونة "نزاعات دينية"...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق