ربيع دمشق ... اقترب .... |
يقول الكاتب الشهيد سمير قصير في مقالة كتبها يوم 4 – آذار/مارس 2005 تحت عنوان "بيروت ربيع العرب": " بيروت اليوم عادت رمزاَ كبيرا في دنيا العرب، كبرت فجأة من دون ان يتوقع احد ذلك، لا شيء يحتويها، ولا شيء يقزمها بعد الآن، فباتت تستطيع ان تخاطب مجدداً اخواتها في العروبة: انظروا، لقد قمت من الخوف، قهرت الصمت وحراسه، تحديت العسس والتسلط، وها انا انبئكم بأن نهضتكم ممكنة من جديد، يا عرب".
كلام "سمير" عن بيروت بات ينطبق اليوم على دمشق، باعتبار ان سوريا بلداً عربياً اساسياً، ومن شأن اي ثورة سلمية وشعبية تنتفض فيها على "نظام الامر الواقع"، ان تعيد خلط الاوراق، وان تؤسس لعالم عربي عروبي، تقدمي جديد، وحضاري، مبني على الحداثة وحقوق الانسان والتنمية واحترام المواطن والوطن.
ولهذا يمكن القول ان دمشق اليوم عادت رمزاً اساسياً ومهماً ومعبّراً في دنيا العرب، كبرت فجأة وعادت الى نفسها من دون ان يتوقع احد، لا شيء يحتويها ولا شيء يقزّمها بعد الان، فباتت تستطيع ان تخاطب اخواتها في العروبة المتقدمة الحرة والواعدة من تونس الى مصر وبيروت لتقول لهم: انظروا، ها انا اقهر الصمت وحراسه، لقد قمت من الخوف واجتاز شعبي الخطوط الحمر، وها انا اتحدى عسس المخابرات وفرق الشبيحة والتسلط، وها انا أنبئكم بأني عائدة مجدداً الى قلب الحرية، والى شعبي والى تراب الشام، ها انا انبئكم بأن نهضتكم ستكتمل يا عرب...
هذه الاستعارة من مقالة سمير قصير و"اسقاطها" على سوريا تبدو بغاية الواقعية، اذ ان تغير الاوضاع في دمشق، وتحوّل الامور من حكم المخابرات والبعث، الى الدولة المدنية الديمقراطية المتعددة، سيضع سوريا في مقدمة الدول العربية الحديثة في المنطقة، وسيعيدها الى قلب العروبة بكل ما للكمة من معنى لتتحول الشام الى مركز لعالم عربي لا يبيع الشعارات، ولا يرتهن الشعب، ولا يتاجر بقضايا المنطقة واهلها.
سوريا انتفضت ضد الوحش الكاسر، وقالت له كفى ، حان وقت الحساب، دقت ساعة الحقيقة، لم يعد مسموحاً بعد اليوم ببيع الكرامات وبالقتل والاذلال.. لا سكوت بعد اليوم ولاعودة الى الوراء، ولا مساومة على الحقوق والمكتسبات والثوابت... ولا مساومة على المستقبل والامل والغد... كفى.
ولأن بيروت لم تتعود يوماً من ان تكون بعيدة عن اي ربيع سياسي تتفتح ازهاره في الوطن العربي، كان لا بد من وقفة تضامنية – ولو متواضعة - ومن تحية من القلب الى القلب الى الشعب السوري الشقيق الذي نحترمه ونجلّه الى اقصى الحدود.
واخيراً تحرّكت بيروت (بعد صمت مطبق)، عاصمة الحرية في الشرق وفي العالم العربي، لتناصر الشقيقة سوريا في مخاضها العسير. اذ نظم عدد من الصحافيين والناشطين في مجال الاعلام وحقوق الانسان تجمعاً رمزياً قرب مركز المكتب الاقليمي للامم المتحدة في بيروت "الاسكوا" يوم "جمعة التحدي"، حيث تم اضاءة الشموع تضامناً مع الشعب السوري الذي يواجه اشد ممارسات القمع والمخابراتية على يد النظام المتوحّش.
وصلت الى ساحة جبران خليل جبران، حيث التجمّع الرمزي، كان الجو ربيعياً بامتياز، فحدائق بيروت هذه الايام مُزهرة بالالوان ومكسوة باللون الاخضر... عدد غير قليل من الاعلاميين والصحافيين والناشطين حضروا الى المكان بصمت يختبىء فيه الغضب الجامح... أضأنا الشموع على وقع انباء متلاحقة تردنا على هواتفنا، وتفيد بأعداد القتلى الذين سقطوا في تظاهرات الجمعة في سوريا.
وعلى المقلب الاخر من الحديقة، تجمّع عدد من الموالين للنظام السوري، فأطلقوا شعارات موالية وداعمة للرئيس بشار الاسد، حاملين صوراً ولافتات تمجّد الاسد الابن الذي يرتكب افظع وابشع الانتهاكات في بلده...
لم نكترث للشعارات الموالية، استمر صمتنا المطبق طوال مدة التحرك، مكتفين بالشموع، وباحاديث جانبية تتناول اخر المستجدات، واكتفينا برفع يافطة يتيمة سألت "متى تتوقف المجزرة؟".
انتهى التحرك، لم نطفىء الشموع، الا اننا عدنا ادراجنا آملين بانتهاء الكابوس في دمشق، على ان يتفتح الورد في كل انحاء سوريا في أقرب وقت ممكن...
في المحصلة ورغم تواضع النشاط هذا، الا اننا اثبتنا ان بيروت لا يمكن ان تسكت عن الممارسات التي يقوم بها نظام البعث بأي شكل من الاشكال... فاقتضى التوضيح... لان بيروت ست الدنيا وست الحريات، ولن تسمح لجارتها ان يتعرض شعبها للاذلال... انه فعل دمشق في بيروت.
سلمان العنداري ... SA
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق