مما لا شك فيه ان الخطاب الذي القاه الرئيس الاميركي باراك اوباما من مقر وزارة الخارجية الاميركية يوم اول من امس يحمل العديد من الرسائل السياسية، ويرسم سياسة اميركية استراتيجية جديدة في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في ظلّ التحولات الجذرية وغير المسبوقة التي يشهدها الشارع العربي.
واذا كان خطاب الرئيس الاميركي قد دعم "الربيع العربي" بشكل واضح، من خلال الالتزام بتقديم معونات اقتصادية لكل من مصر وتونس، ومن خلال الاعلان الصريح بان الادارة الاميركية تقف الى جانب المتظاهرين المطالبين بالحرية والديمقراطية، فان الشق المتعلق بالمسألة الفلسطينية وبالصراع العربي الاسرائيلي جاء "مخيباً للامال" بحسب عدد من المراقبين والسياسيين.
"ما قاله اوباما لم يكن بحجم التوقعات"، يعلّق عضو كتلة "المستقبل" النائب محمد الحجار على ما جاء في الخطاب، اذ يرى ان " التحليلات والقراءات التي سبقت الخطاب توقعت قراءة مختلفة للصراع العربي الاسرائيلي، الا ان الرئيس اوباما فاجأ الجميع واكتفى بعرض الوقائع بدل طرح الحلول الحاسمة".
لم يتعاطى اوباما في معرض حديثه عن القضية الفلسطينية ضمن اطارالمبادرة، بحسب الحجار، "فكان تطرقه لهذا الملف اشبه بعرض للافكار والوقائع، بينما كان الجميع ينتظر منه ان يطرح حلاً يلزم العدو الاسرائيلي على الرضوخ لمطالب المجتمع الدولي في حل القضية الفلسطينية، عبر اقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، على ان تضمن هذه الدولة حق عودة الفلسطينيين اليها".
وعلى الرغم من دعم الرئيس الاميركي قيام دولة فلسطينية استناداً الى حدود العام 1967 للمرة الاولى، الا انه لم يتطرق الى مسألة عودة اللاجئين، والى وضعية القدس، ولم يدن عملية استمرار بناء المستوطنات الاسرائيلية في اراضي العام 67 وفي القدس المحتلة، اضافةً الى انه اكد التزامه المطلق بامن اسرائيل ورفض عزلها، كما ولم يشر الى السياسات العدوانية التي تنتهجها الادارة الاسرائيلية بحق الفلسطينيين على اكثر من صعيد.
ووسط هذه الصورة، يقول الحجار: "الولايات المتحدة مستمرة على ما يبدو في حماية العدو الاسرائيلي وتبرير كل ما يقوم به، كما انها لم تغير سياسة الكيل بمكيالين، فبدا اوباما في خطابه يقول الشيء ونقيضه، ويزيد الامور غشاوة وضبابية".
يوافق عضو كتلة "التحرير والتنمية" النائب علي خريس قراءة النائب الحجار لمضمون خطاب اوباما حول القضية الفلسطينية، فيعتبر ان " المشروع الحلّ الاميركي معروف منذ عقود طويلة، وما طرحه اوباما في خطابه الاخير يمكن وصفه بانه مقدمة لاستسلام واضح وفاضح على حساب الحل العادل والشامل في المنطقة".
"ما يريده الطرف الاميركي هو دويلة فلسطينية منزوعة السلاح وليس دولة قائمة بحد ذاتها وحقيقة وفاعلة"، يقول خريس مُعلّقاً على الرؤية الاميركية، داعياً "كل الفصائل والقوى الفلسطينية الى التحرك لرفض كلام اوباما رفضاً قاطعاً، لان "النظرية" التي حملها من وزارة الخارجية الاميركية ستضع الفلسطينيين في سجن كبير يمنعهم من التحرك والدفاع عن انفسهم وضمان مستقبلهم".
كلام اوباما عن حدود العام 1967 تزامن مع موافقة الادارة الاسرائيلية على بناء 620 وحدة إستيطانية جديدة في القدس الشرقية المحتلة، مما يضع الكثير من علامات الاستفهام حول مدى جدية "تل ابيب" في المضي قدماً في مفاوضات سلام فاعلة مع الفلسطينيين. وفي هذا الاطار يسأل خريس: "هل المطلوب ان لا يبقى اي فلسطيني في القدس وفي الضفة الغربية، وهل المطلوب ان يقدم الطرف الفلسطيني مزيداً من التنازلات على حساب حق العودة والامن والوجود حتى تكون اسرائيل آمنة وسالمة وهادئة؟".
يتّفق كلّ من خريس والحجار على الغموض الذي اشاعه اوباما حول مستقبل الصراع العربي – الاسرائيلي، وحول الموقف من قضايا الوضع النهائي لعملية السلام، الا انهما يختلفان في قراءة الشّق الثاني من كلام الرئيس الاميركي الذي تناول فيه الانتفاضات العربية وموقفه منها.
يعتبر خريس ان "اوباما نصّب نفسه وصياً على العالم العربي وعلى المنطقة باكملها عندما تحدث عن موجة التغيير المستمرة في المنطقة، ليظهر وكأن الادارة الاميركية تسيّر كل الامور والاحداث، وان الذي حصل في العالم العربي هو انجاز كبير يدخل ضمن المشروع الاميركي الجديد".
في المقابل يرى الحجار ان "اوباما كان واضحاً في كلامه عن "الربيع العربي"، فأكد دعمه لمسار الحرية وللمتظاهرين المطالبين بالاصلاح، وهذا امر ايجابي من شأنه ان يعزز فرص التغيير والاصلاح"، ويستطرد الحجار قائلاً: "ان دعم الديمقراطية في العالم العربي هو امر مطلوب من قبل المجتمع الدولي والولايات المتحدة الاميركية شرط ان لا يتحول الى تدخل سافر في الشؤون الداخلية".
كلمة اوباما التي وضعت الرئيس السوري بشار الاسد امام خيارين: قيادة التغيير او التنحي جانباً، طالبت الادارة السورية بوقف قمع المتظاهرين وبدء حوار جدي لاطلاق تغيير ديمقراطي والا مواجهة العزلة الخارجية.
وفي ما يتعلق بهذا الشق، يعتبر خريس ان "كلام اوباما عن سوريا خطير جداً، ويعتبر تدخلاً سافراً ومفضوحاً في الشؤون العربية وفي الاوضاع الداخلية التي تواجهها سوريا"، ويضيف خريس متساءلاً: "هل يريد اوباما من الرئيس السوري ان يتخلى عن دعم المقاومة في لبنان وفلسطين وان يلتحق بالركب العربي الاستسلامي؟، وهل المطلوب ان تتخلى دمشق عن ثوابتها وعن مشروعها وخطّها بهذه السهولة؟، وهل يسعى اوباما الى تفجير الاستقرار في سوريا بعد سنوات من محاولات العزل الفاشلة؟".
اما الحجار فيعتبر ان "الجميع يدعم الاصلاح بقوة في كل الدول العربية وليس فقط في سوريا. اذ لا يمكن ان يبقى اهل سوريا يطالبون بالاصلاح وان يُمنع عنهم ذلك، مع حرصنا في الوقت نفسه على السلم الاهلي وعلى الاستقرار الداخلي لسوريا". واذ يقرأ الحجار المشهد الحاصل في سوريا ضمن الثورات المتفجرة والمستمرة في العالم العربي، يتمنى من المجتمع الدولي والولايات المتحدة "ان لا يحولوا هذا الدعم للتغيير الى تدخل باي شكل من الاشكال".
ووسط هذه الصورة، سيحتل خطاب الرئيس الاميركي قائمة الاولويات السياسية في الايام والاسابيع القليلة المقبلة، وعدد كبير من الاسئلة سيُطرح بانتظار "توضيح" الغموض وانجلاء الصورة: هل تتغير سياسة الولايات المتحدة في المنطقة؟، وهل نشهد عصراً اميركياً جديدا في التعاطي مع الملفات السياسية الملتهبة في الشرق الاوسط؟، ام ان كلام الرئيس الاميركي سيبقى حبراً على ورق؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق