الاثنين، 22 أكتوبر 2012

عمّان وبيروت... ابتسامة من دموع


 
الساعة الثانية عشر ظهراً... لم يكن الطقس في عمّان على طبيعته، فجأة اختنقت العاصمة الاردنية بالرمل الاصفر، وبغبار مصحوب بهواء بارد وشاحب... تغيّرت الالوان، تداعت الصور فيها، وانهارت على مقربة من رصيف ودوّار.

كانت الحقيبة تنتظر، وبضعة اغراض وقصص وذكريات توقفت في زوايا الفندق القديم، تنتظر دورها في السفر، لتقتطع بطاقة العودة بعد ايام من التجوال في عمّان...

حان وقت الرحيل، من العاصمة التي ازورها مراراً وتكراراً. عمّان الجميلة التي احببتها وعشقت تفاصيل الحياة فيها، ودّعتها بصمت لا يوصف، وبغصّة جارحة، تركت فيها الكثير من الذكريات والاخبار والانطباعات. تركتها بحزن لم اعهد مثيله منذ اشهر.

من "الزُقاق" الضيق وسط البلد، الى المقاهي الهادئة المنتشرة في كل مكان، ومن اضواء الشوارع وضوضائها، الى الاحاديث والهمسات التي لا تنته في سيارات الاجرة. عمّان تركت في نفسي الكثير الكثير.

ودّعتها، وكان الدمع يسابقني، وكان الخوف يلاحقني... خوفٌ من مجهول ينتظرني، او من ظروف قاسية قد تعصف بنا في اي لحظة. فبيروت اليوم تعيش اصعب لحظاتها على الاطلاق، وتواجه الموت والاجرام والارهاب، وعمّان بدورها، تواجه نفسها وتسأل عشرات الاسئلة الغامضة التي تلاحقها.

وبين عمّان وبيروت، غُربة تتراقص في قلوبنا، ونوستالجيا تبعث فينا الحزن والقلق والالم... واذا كانت دموع بيروت قد انهكتني واتعبتني لاشهر عدة، وحوّلتني الى رجل ضائع في المدينة التي أحبّ، فان دموع عمّان الغالية احرقت قلبي، وسلبت روحي وجعلتني اسيراً في تلك الارض الطيبة حتى اشعار اخر.

امسح دموع من يا تُرى، دموع عمّان او دموع بيروت، دموعي ام الدموع التي تسيل من كل حدب وصوب... دفء عمّان اثلج قلبي في بيروت، ونار بيروت الملتهبة دفعتني الى التفكير جديا بالعودة الى عمّان... شعور غريب بغاية القساوة اجتاحني ويجتاحني كل يوم...

كل يوم لنا ابتسامة من دموع، هذه الجملة التي قرأتها في احدى سيارات الاجرة في عمّان ادركت من خلالها ان الحياة بغاية الصعوبة، وان ابتساماتنا التي نرسمها كل يوم، يختبىء خلفها الحزن والاشتياق والالم والحبّ، وان الحياة التي نعيشها ونناضل فيها مع كل اشراقة صباح، تزرع فينا الحنين، وتحولنا الى محاربين يبحثون عن انتصارات ومعارك، لأحلامهم وطموحاتهم المبعثرة.

في عمّان اشعلنا شموعاً، وبكينا كثيراً وضحكنا على واقع يثير السخرية، وشربنا نخب وجودنا على هذه الارض، وتبادلنا اسرارنا وقصصنا وتشاركنا لحظات طفولتنا وذكرياتنا التي لا تُنسى.

وفي بيروت، سنضرب موعداً جديداً مع القدر، لتعود الابتسامة الحقيقية في عيون كلّ منا. وليتحقق الحلم الذي يسعى اليه كلّ منا.
أحبّ عمّان وسأعود اليها يوماً...
سلمان العنداري... SA

هناك 4 تعليقات:

  1. عبدالله الاحمد المومني22 أكتوبر 2012 في 8:38 م

    عزف القدر يتجاهل العازف والمعزوفة بل يتجاهل كل منهم في فرقة العزف ..ليعلن على الملاء قراره ومصيره ..القدر لا يعرف سوى الشقيقات (بيروت شقيقة عمان وبغداد والشام وفلسطين الشقيقة الاكبر) ولكل من تلك الشقيقات قدرها الذي سيتمد الى الاخرى وكأنها وراثة القدر في الشقاء او الحب ..ولكن اطفال الشقيقات لازالوا يحصدون احلامهم كما قلت بين بعثرة الزمن !

    #عبدالله المومني#

    ردحذف
  2. Best article i read ..extremly expressive..u let me cry

    ردحذف
  3. شكراً لتعليقاتكم الرائعة اصدقائي.. عمان في قلبي واكثر

    ردحذف