"على عكس ما تقوله
المقاومات من انها توحّد بلدانها في وجه عدو اجنبي، تدل التجارب على كونها هي
نفسها تعبيراً عن نزاع اهلي محتدم". هذا ما يقوله الكاتب السياسي حازم صاغية
في كتابه القيّم "هجاء السلاح " الصادر عن دار الساقي عام 2010 .
الكتاب الذي اقرأه للمرة الثانية، يُذكّرنا
بالسياسة الفوقية التي يمارسها "حزب الله" على كل الشعب اللبناني
باعتباره مقاومة مقدّسة ساهمت بتحرير الارض، تبحث عن مكاسب سياسية داخلية للسيطرة
على مقدرات البلد وقراره.
وحازم صاغية، الكاتب والمعلّق في جريدة
"الحياة" الذي اصدر عدداً من الكتب الثقافية والسياسية، يرى ان
المقاومات لا تزيد النزاعات احتداماً فحسب، بل ان انتصارها يقضي تماماً على امكان
ان تنشأ حياة سياسية وان يُعمل بموجبها. ذاك ان الشرعية في ظلّ المقاومات تنبثق من
المقاومات نفسها، وهذا ما يجعل البلدان التي تنتصر فيها المقاومات تُنكب بأنظمة
استبدادية تضاف الى نكبتها بالاحتلالات.
وها هو اليوم لبنان غارق في صراع مرير بين
الدولة والدويلة، وبين منطق القوة والسلاح ومنطق الشرعية والدستور والقانون. اذ
بات القوي يحكم الضعيف، وبات القضاء ضحية النزاعات والاشتباكات والانتهاكات
اليومية، وبات الاعلام عرضة للتهديد والوعيد والحرق، وباتت المؤسسات محكومة بكلمة
ممنوع، او بقدسية لا يمكن ان تُنزع، اسمها قُدسية السلاح.
ويقول صاغية في كتابه ان "العنف قد يتحول الى عملاً ممجداً
وغنائياً يعبر عن الحيوية التي يختزنها الشعب وطاقته السياسية. وكلما امتدت
المواجهة العنفية زاد معه ضمور العنصر الفكري-السياسي، لتنقلب سياسة المقاومة الى
افعال انتهازية تؤدي الى الاقتتال".
وبالفعل، فالثقافة العنفية والتهديدية التي انتهجها "حزب
الله" زادت الامور تعقيداً، واوصلتنا الى اشتباك سياسي وامني غير مسبوق، من
احداث الجامعة العربية، مروراً باحداث السابع من ايار، والاعتداء على امن
المواطنين، وصولاً الى الانقلاب الاسود على حكومة الرئيس سعد الحريري، والسيطرة
على مقدرات الدولة بكل مؤسساتها.
ويعتبر صاغية ان "مشكلة المقاومة الاساسية انها تدخل السياسة من
بوابة العنف. وكلما كان الطرف المقاوم اقلّ بلوغاً لسوية الدولة-الامةكلما تعرضت
الهوية الوطنية الى التشتت، ليتحول السلاح الى سبب للاحتراب".
وبالفعل، فالسلاح المقاوم الذي وُجّه الى اسرائيل توجّه لمرّات ومرات
بوجه المواطن اللبناني، ان باشكال معنوية وقهرية ونفسية، او بالطريقة التي تمّت في
السابع من ايار. وبالتالي يمكن القول ان السلاح المقاوم فقد دوره وباتت قيادة هذه
المقاومة تستغله لاغراض داخلية مصلحية لا تخدم القضية الكبرى التي وجدت من اجلها.
ويشير صاغية الى انه "كلما كانت المقاومة اشرس واطول مدى،كان
النهوض الوطني ناهيك عن الازدهار والرفاه ابعد واشد استعصاءً. فالمقاومات في
معظمها سبب وذريعة لاعمال تدخلية من الخارج انتصاراً لهذا الطرف او ذاك. والمقاومات
ما تلبث ان تتحوّل الى حروب اهلية مموّهة او مقنّعة".
ويُتابع: "تضعنا المقاومات امام احتمالين احلاهما مرّ: اما ان
تحكم وينشأ الاستبداد، واما الا تحكم وتندلع الحرب الاهلية"، مشيراً الى ان
"تركيبة"المقاومات"بأجمعها تكابد وتجهد كي تبقى على قيد الحياة،
فتعمم تضحياتها وتحولها الى مادة للمقايضة مع المجتمع".
الحركات المقاومة اثبتت انها غير قادرة على معالجة عقدة السلطة
والتسلّط ، اضافة الى عدم قدرتها على الخروج من دوامة منطق "هذا معنا وهذا
ضدنا"، والمثال واضح في لبنان، حيث صنّف السيد حسن نصرالله اكثر من نصف
اللبنانيين بالعملاء للعدو الاسرائيلي لانهم لا يوافقونه الرأي، ولا يصطفّون وراء
البندقية المغمّسة بالدماء والارتكابات.
" المقاومة عندما تتحول الى السلطة تبحث
عن توظيف ما قامت به،ليتحول نهجها الى حرب ثورية هدفها الاستيلاء على السلطة
والمجتمع".
كتاب "هجاء السلاح" لحازم صاغية يستحق القراءة، لأن الافكار
والاحداث التي يطرحها في فصوله تجعلنا نتامل ما يحدث اليوم في لبنان، وما يقوم به
"حزب الله" وسلاحه، مع الاشارة الى انه لم يأت على ذكر
"الحزب" في اي من فصوله.
يبقى السؤال: متى يدرك حزب الله انه يقتل نفسه ويقتل مستقبل هذا الوطن
بسلاحه وقدسيته وتعنّته؟.
سلمان العنداري... SA
نُشر المقال بالتزامن مع beirutobserver.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق