مما لا شك فيه ان المشهد اللبناني اليوم يبدو
مفتوحاً على مزيد من الانفلات الامني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، مع استمرار
الاحداث المتفجّرة في سوريا التي اقتربت من حرب اهلية، من شدة ما يقوم به النظام
الذي يقوده بشار الاسد من جرائم وانتهاكات صارخة بحق الشعب السوري الساعي الى
الحرية والكرامة بوجه آلة القتل والدم والغطرسة.
الاحداث السورية تنعكس على لبنان، فالمتغيرات
الاقليمية والدولية باتت تربك كل الافرقاء والاطراف من كل حدب وصوب. "حزب
الله" المشغول بقراءة المشهد السياسي، يحاول اليوم لملمة التوتر والانفلات
الكبيرالحاصل في شارعه من قبل بعض المناصرين، الذين باتوا يخرجون الى الشوارع ساعة
يشاؤون ويقطعون الطرقات ويشعلون الاطارات، ويهتفون ضد الحكومة وقائدها.
الحزب الحديدي القابض على جمهوره لم يعد
كذلك. فالكلمة الفصل باتت لبعض الموتورين والزعران الذين خرجوا عن كل سيطرة او سقف
سياسي. الامر الذي دفع قيادة الحزب الى الطلب من القوى الامنية والدولة الرد بحزم
على كل المخالفات، ووضع حد لكل خارج عن القانون في كل المناطق بما فيها الضاحية
الجنوبية المعروفة بانها تشكل مربّعاً امنياً خاصاً في "دويلة حزب
الله".
الحزب يتعرّض كل يوم لإحراجات شديدة، لان ما
يقوم به "الخارجون عن الطاعة" يعرّض الامن لخطر كبير، ويهدد السلم
الاهلي والاستقرار. فممارسة الترهيب والاحتجاجات بهذه الدرجة من العنف والحقد قد يشعل الفتنة ويقلب المعادلة ويغيّر موازين
القوى، ليصبح الشارع هو الموجّه لا السيد حسن نصرالله او الرئيس سعد الحريري على
سبيل المثال.
بدوره، فقد "تيار المستقبل"
السيطرة على شارعه. وما حصل في عكار وطرابلس وشوارع بيروت قبل اسابيع يدل على حجم
المتغيّرات التي لحقت في طريقة تصرّف وتعاطي هذا التيار مع الاحداث السياسية.
التيار بات "موتوراً" بشكل او
باخر، واسباب هذا التوتر الشديد عديدة، تبدأ من سلاح حزب الله واستمرار حكومة
الرئيس نجيب ميقاتي، مروراً بالثورة السورية والتأثر بالربيع العربي، وصولاً الى
استمرار غياب الرئيس سعد الحريري عن البلاد، بسبب الواقع الامني الحرج، بالاضافة
الى المشاكل الادارية التي يتخبّط بها التيار منذ اكثر من عام.
وما هي ظاهرة الشيخ احمد الاسير الا دليلاً
واضحاً على "ضياع" جمهور التيّار، بعد غرقه بالخطاب المذهبي الطائفي في
طرابلس وعكار، وبعد تراشق سياسي من العيار الثقيل بين جماهير "الغالبية
السنية" وجماهير "الغالبية الشيعية" لم ينتج عنه سوى مزيداً من
التشدد والتطرف والحقد.
الا ان انفلات الشارع لهذا الحدّ دفع
القيادات السياسية الى دقّ ناقوس الخطر والى لملمة ما سبّبته على مدى اعوام. وما هي
بدعة "الشهر الامني" الا ترجمة لهذه الارادة (على امل ان تكون صادقة)
المؤقتة في ضبط الامن وانتظار جلاء الضباب عن المشهد السوري وكرة ثلج الربيع
العربي.
باختصار، ان ظاهرة الاسير سببها الاول "حزب
الله" وتسلّطه وزهوه بسلاحه المقدّس، بالاضافة الى التهديد والوعيد وسياسة الاصبع
المرفوع والمسدسات الموجهة نحو الرؤوس التي لم تغادر المنابر يوماً الامر الذي دفع
الشارع "الُسُني" الى الانتفاض والبحث عن طرق جديدة في مواجهة السلاح.
اضافة الى ذلك، فان ما يقوم به الشيخ الاسير يتحمّل مسؤوليته ايضاً تيار المستقبل الذي
انزلق الى الخطاب المذهبي وتخلى مرحلياً عن خطاب الاعتدال.
ووسط كل هذا، يمكن القول ان ثقافة اللا دولة
وحدها الحاضرة في لبنان، والاستهتار بالقانون والانظمة هو الذي اوصلنا الى هذا
الواقع المؤسف. وباتت البلاد ساحة سهلة لاحراق الدواليب والاعتداء على وسائل
الاعلام والتعدي على الكرامات والحريات. في ما المواطن وحده يدفع الثمن ويغرق كل
يوم بوحول الفقر والعوز والحرمان.
سلمان العنداري... SA
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق