تنبأ خبراء اسرائيليون منذ ايام بامكانية وقوع هزة ارضية مدمرة في اسرائيل في الوقت القريب مؤكدين انها مسألة وقت لا اكثر. اذ اشارت صحيفة هآرتس الاسرائيلية الى ان الهزة الارضية الكبيرة الاخيرة التي حدثت في الاراضي الفلسطينية، وقعت قبل 84 عاماً من اليوم. في وقت اوضح فيه رئيس خطة ادارة الطوارىء والكوارث من جامعة تل ابيب الدكتور كوبي فيلج ان هزة ارضية قوية في اسرائيل ستتسبب بمقتل 10000 شخص، وإجلاء حوالي 3൦൦ الف من منازلهم.
لاشك ان سماع مثل هذا الخبر الصادم يزيد من مخاوف الناس ورعبها من امكان حدوث مثل هذه الكارثة في لبنان والمنطقة، مما يطرح السؤال: هل يتعرض لبنان والمنطقة لزلزال مدمر يطيح الحجر والبشر، وما هي الامكانات المتاحة لمواجهة كوارث من هذا النوع، والى اي حد تساهم التوعية في تفادي الاضرار البشرية؟
اهتزاز ارضي يدمر كل شيء
يعرّف مدير مركز بحنس للبحوث الجيولوجية والفيزيائية اسكندر سرسق الزلزال بانه عبارة عن اهتزاز أرضي سريع يعود إلى تكسر الصخور وإزاحتها بسبب تراكم إجهادات داخلية نتيجة لمؤثرات جيولوجية ينجم عنها تحرك الصفائح الأرضية. "وقد ينشأ كنتيجة لنشاطات البراكين أو لوجود انزلاقات في طبقات الأرض". وتؤدي الزلازل إلى تشقق الأرض ونضوب الينابيع أو حدوث أمواج عالية إذا ما حصلت تحت سطح البحر (تسونامي)، فضلا عن آثارها التخريبية للمباني والمواصلات والمنشآت.
تحدد درجة الزلزال بمؤشر ريختر، وتقيسه من 1 إلى 10 درجات. اذ يمكن الاحساس بالهزة في حال راوحت قوتها بين 1 و4 درجات من دون التسبب باضرار تذكر، في حين تكون الهزة متوسطة الاضرار في حال راوحت بين 4 و6 درجات محدثةً تشققات في المنازل، اما الدرجات القصوى أي من 7 الى 10، فيستطيع الزلزال تدمير مدينة بكاملها وطمرها تحت الأرض، مع اضرار في المناطق المحيطة والمجاورة لمركز حدوثه.
لبنان بين صفيحتين
يقع لبنان في منطقة بين الصفيحتين الافريقية والعربية، والخط الفاصل بينهما يعرف بفالق الشرق الاوسط الذي يمر بوادي الاردن ولبنان وبعض المناطق السورية، ليتفرع بعدها الى فوالق عدة، كاليمونة وراشيا وسرغايا. ومنذ عام 1980 يسجل مركز البحوث الجيولوجية يومياً كل الهزات التي تحدث في لبنان ومحيطه، في مسعى لتحديث ومتابعة الخريطة الزلزالية التي تلفت الى كل المواقع والمناطق التي يلتقطها المركز من ترددات او "طقطقات" للقشرة الارضية، وقياس مدى قوتها على مقياس ريختر المعتمد على الصعيد العالمي.
تحدث الهزات القوية من وقت الى آخر، وهو امر لا ينفيه سرسق الذي يقول انه "بفضل عمليات رصد الزلازل والهزات التي بدأت منذ عام 1909 في كسارة، مروراً بعام 1975، وصولاً الى اليوم مع مركز بحنس، اضافةً الى ما يتداوله الناس في القدم من اخبار الهزات واضرارها، تمكنا من الاستنتاج بعد اكثر من 100 عام من تسجيل المعلومات، ان الهزة الاقوى التي تعرض لها لبنان خلال هذه المدة كانت في 12 آذار 1956، وهي الوحيدة التي سببت اضراراً واضحة، إذ بلغت قوتها اكثر من 5,6 درجات، لتسجل بعدها هزات اخرى بمستويات اقل حدة. الا ان من المتعارف عليه علمياً انه من الممكن ان نتعرض كل 10 سنين لهزة تفوق 5 درجات، وقد حدث ذلك عام 2008 في منطقة صور. كما تجدر الاشارة بناء على المتابعة التاريخية الدقيقة، الى ان هناك امكاناً لتعرض لبنان لهزة بمعدل 7 درجات وما فوق كل 300 الى 350 سنة، إذ تناقل الناس على مر العقود انباء عن اضرار ضخمة اصابت اراضيهم ومساجدهم وكنائسهم وبيوتهم من جراء هزات قوية تعرضوا لها، وبالتالي فإن اي هزة قوية واردة في اي وقت، ومن الضروري اخذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة التبعات والنتائج".
هل الابنية مستعدة لمواجهة الكارثة؟
يقول نائب عميد كلية الهندسة ومدير قسم الدراسات العليا في جامعة القديس يوسف فادي جعارة انه "قبل عام 1997 لم تكن هناك قوانين ومراسيم تعنى بموضوع الزلازل، الا ان الهزة التي ضربت لبنان عام 1996 وتسببت ببعض الاضرار وحالات الهلع، دفعت بالدولة الى اصدار ما يعرف بـ "مراسيم السلامة العامة" التي اهتمت بكيفية التحضير والوقاية من الحرائق والزلازل وسلامة المصاعد، ولكنها لم تطبق بشكل كلي والزامي. كما ان الدراسات المكثفة والابحاث المستمرة من الناحية التقنية والعلمية في الاعوام الستة الماضية، ادت الى ارفاق ملحق جديد بالمرسوم".
اتصلنا بالمديرية العامة للتنظيم المدني للاستفسار عن المرسوم المذكور، فتحدثت لنا مصادر، واوضحت ان الابنية في لبنان بغالبيتها العظمى غير مجهزة بشكل قوي يضمن صمودها في زلزال بقوة 7 درجات على مقياس ريختر، "ولا بد من ورشة كبيرة جداً لتنظيم احوال الطرق والاحياء وتحسين معايير السلامة".
تلعب نقابة المهندسين في لبنان دوراً اساسياً في التأكد من معايير السلامة العامة في المباني، اذ يحرص المهندسون على التأكد من صحة الخرائط التنفيذية للمشاريع العقارية من ناحية مراعاتها المواصفات المطلوبة لمقاومة الهزات والزلازل، اضافةً الى التدقيق في كمية مادة الباطون المسلح المطلوبة لكل مبنى وفق عدد الطبقات والمساحة الاجمالية، وفي حال لم تراع هذه الخرائط والتصاميم الحد الادنى للمعايير، لا يعطى الإذن بالمباشرة، الا ان النقابة، يقول جعارة، "لا تملك القوة القانونية لاتخاذ الاجراءات بحق الابنية المخالفة، لأن الجهاز الاساسي المفترض ان يأخذ على عاتقه الامور الفنية والتقنية، والمولج ملاحقة المخالفين هو الدولة، إما من خلال المديرية العامة للتنظيم المدني، او عبر إنشاء جهاز متخصص يعطي الاذن بالمباشرة بعمليات البناء بعد التحقق من المعايير ودراسة الخرائط والتدقيق بها، ليشرف على التنفيذ في مرحلة لاحقة".
يشير جعارة الى ان "الابنية القديمة غير الملتزمة معايير السلامة العامة يمكن ان تتحمل مبدئياً هزة بقوة 5 درجات مع اضرار طفيفة وجزئية. اما المبنى المدعم بكميات لا بأس بها من الباطون المسلح فيمكن ان يصمد امام الهزات القوية مع بعض التشققات في الجدران والشرفات والتهدمات الجزئية، ولكن اذا تعرضنا لزلزال مدمر يفوق 7 درجات على مقياس ريختر، فمن المحتمل ان يتهدم جزء كبير منها".
التوعية اساسية والاستعداد ضروري
تلعب التوعية والوقاية دوراً اساسياً في امكان تجنب المزيد من الكوارث والضحايا و"الخسائر الزلزالية"، وللدفاع المدني بحسب مديره العام العميد درويش حبيقة دور جوهري في ذلك "عبر اقامة دورات تدريب في الاماكن العامة والخاصة والفنادق والمجمعات التجارية والادارات لارشاد الناس الى كيفية التصرف في حالات الحريق والاسعاف والهزات الارضية، كما يطمح الدفاع المدني الى ان تصبح هذه الدورات مادة اساسية في المدارس والمؤسسات التربوية على اختلافها لكي تترسخ حالة الوعي وتعمم، فتصبح اعمال الاغاثة والاجلاء مهمة وطنية عارمة".
في المقابل يؤكد جعارة ان جزءاً كبيراً من الوعي تحقق لدى الناس، "لأن القاء الضوء على هذه المسألة ينتج وعياً متزايداً لاتقاء اخطار الهزات وفهمها، ولوسائل الاعلام دور اساسي في ذلك، يضاف الى دعم الدولة والمجتمع المدني على حد سواء".
يشدد حبيقة على ضرورة جهوزية لبنان لأي كارثة يمكن ان يتعرض لها رغم الامكانات المتواضعة لديه. ويلفت الى ان "كارثة تحطم الطائرة الاثيوبية، شغلت الدولة اللبنانية بكل اجهزتها الرسمية والامنية والدفاعية والمدنية، تضاف اليها المساعدة الدولية في عمليات الاغاثة، ورغم ذلك لم نخرج من هول الحادثة ولملمة ذيولها حتى اليوم، وهذا ما يمكن اعتباره حادثاً فردياً وعادياً اذا ما قارناه بنتائج اي زلزال او هزة قوية يمكن ان تضرب البلاد في اي وقت من الاوقات لا سمح الله، لتتضاعف الحاجات والمسؤوليات واعمال الاغاثة عشرات بل مئات المرات".
فوضى وهلع وانقطاع شرايين الحياة
ورغم استبعاد تعرض لبنان لزلزال مدمر في المدى المنظور، يقدر حبيقة حجم الضحايا في شارع واحد من العاصمة بيروت بالمئات لا بل الآلاف في حال وقع المحظور "وسينتج ذلك حالة من الهلع والفوضى بعد انقطاع الكهرباء والمياه وشرايين الحياة الاساسية أو انهيار مبان وطرق وجسور، وتزعزع البنية التحتية وتراكم الانقاض، ولهذا يجب على الدولة ان تكون جاهزة ومستنفرة لأي سيناريو كارثي يمكن ان يحصل في المستقبل"، هذا ولم يستبعد حبيقة "ان تتعرض المناطق الساحلية اللبنانية لموجات تسونامي عالية فيما لو كان مركز الزلزال في البحر"..
في الاطار نفسه، يلفت سرسق الى ان الكثافة السكانية تزيد هول الكارثة لما تتطلبه من حاجات حيوية ضرورية، "ولهذا لا بد من الاستعداد لكل الاحتمالات، وعلى كل الاصعدة، ان على مستوى الادارات الرسمية والخاصة، او على مستوى هيئات الاغاثة والإنقاذ". ويضيف "لا بد من الشروع في تمتين قدرة البنى التحتية على الصمود، وترميم ثكن الجيش والقوى الامنية، وتعبيد الطرق الواسعة، وايجاد طريقة وسريعة للوصول الى المستشفيات، فالمؤسسات الصحية في العاصمة بيروت على سبيل المثال، تقع بمعظمها في مناطق مكتظة سكانياً، ويصعب الوصول اليها بفعل الاختناق المروري والطرق الضيقة، (مستشفى اوتيل ديو، والجامعة الاميركية، ومركز كليمنصو الطبي، ومستشفى رزق)".
وفيما يتمنى حبيقة على الدولة اللبنانية استنفار كل قواها واجهزتها للاستعداد لأي اخطار وكوارث طبيعية، يجري العمل في السرايا الحكومية بالتعاون مع الامم المتحدة على اطلاق مشروع من شأنه ان يحضر المجتمع لما قبل الكارثة وما بعدها، لمواجهة ومعالجة اي أخطار ناجمة عن هزات ارضية محتملة.
لم يكن ينقص اللبنانيين سوى مزيد من التكهنات والهواجس والمخاوف تضاف الى همومهم اليومية والحياتية والاقتصادية والامنية. اذ يبدو ان شبح الازمات الطبيعية و السياسية والبشرية يكاد لا يغادر عقولنا، فنتنقل من هاجس الى هاجس، ومن تكهن الى تكهن، ومن سؤال الى آخر. وبين احتمال وقوع الحروب العسكرية والكوارث الطبيعية، يسأل الناس: "هل ينجح لبنان في تجاوز قطوع الزلازل والهزات في ما لو حصلت في المدى المنظور؟".
................................................................
ارشادات الدفاع المدني
أصدرت المديرية العامة للدفاع المدني العديد من المنشورات التي تتناول الارشادات الوقائية التي يجب اتخاذها عند حدوث هزات ارضية، في محاولة لتوعية الناس على أخطارها وكيفية مواجهتها.
كيف تتصرف اذا كنت داخل المنزل؟
❐ لا تبادر الى الخروج او النزول الى الملجأ، فالبقاء في الداخل أسلم بكثير من التحرك.
❐ احتم تحت طاولة او عتبة باب او في احدى الزوايا الداخلية حتى انتهاء الهزة.
❐ ابتعد عن النوافذ والشرفات، وعن الاشياء المثبتة على السقوف والجدران.
❐ غط رأسك ووجهك بما أمكن، او بيديك بوضعية القرفصاء.
❐ اقطع مصادر الطاقة اذا امكن.
❐ اذا كنت في السرير، احم رأسك بوسادة او ما شابه.
❐ لا تستعمل المصعد الكهربائي.
❐ حضر طريقة للخروج في حالة الطوارىء، مع تحضير حقيبة طوارىء تحتوي على مصباح على البطاريات، وحقيبة اسعافات اولية والادوية اللازمة، ومعلبات ومياه للشرب وطعام اطفال يكفي لمدة 48 ساعة.
كيف تتصرف اذا كنت خارج المنزل في الهواء الطلق؟
❐ ابتعد عن المباني والاسوار بمعدل ارتفاعها ولا تختبىء تحت الاشجار او خطوط التيار الكهربائي واللافتات المعدنية.
❐ احذر الشوارع الضيقة والحفر وضفاف الانهر والشواطىء.
❐ اذا كنت في شارع ضيق تحيط بك المنازل من الجانبين، حاول الخروج منه بسرعة.
❐ ابتعد قدر الامكان عن الابنية تلافياً للاصابة بالزجاج والاغراض المتناثرة.
كيف تتصرف اذا كنت داخل اماكن عامة؟
❐ لا تندفع نحو باب الخروج تفادياً للازدحام، وابحث عن مخارج الطوارىء.
❐ ابتعد عن اي شيء قابل للسقوط.
❐ حاول تهدئة المواطنين واعطهم التعليمات اللازمة.
❐ نظم عمليات الاخلاء اذا كانت لديك الخبرة.
❐ تقيد ببلاغات السلطات المختصة وتعليمات فريق الانقاذ.
كيف تتصرف اذا كنت داخل السيارة؟
❐ تجنب القيادة المتهورة فالتحكم بالمقود يصبح امراً صعباً.
❐ تجنب الاصطدام بالمارة والسيارات.
❐ إركن سيارتك الى يمين الطريق بعيداً من المباني والجدران والامدادات الكهربائية العامة تسهيلاً لمرور سيارات الانقاذ.
❐ لا تحاول عبور الجسور.
كيف تتصرف اذا كنت داخل المدرسة؟
❐ حافظ على الهدوء وتجنب الانفعال.
❐ إحتم تحت الطاولات او داخل الممرات قرب الزوايا الداخلية بعيداً من الزجاج.
❐ عند انتهاء الخطر توجه الى نقطة التقاء متفق عليها مسبقاً مع اهلك او اولياء امرك.
بعد حصول الهزة
❐ اذا كنت مصاباً: حافظ على هدوئك وتجنب صدمات الخوف والهلع، وحاول لفت الانتباه الى مكان وجودك بأي اسلوب.
❐ اذا لم تتعرض لأي اصابة: تفقد جميع افراد العائلة واسعف المصابين، وساعد في اخماد الحرائق واخلاء المصابين اذا كانت حياتهم في خطر. وتقيد بتعليمات الجهات المختصة مع الاستعداد لحصول هزات ارتدادية بعد الزلزال.
سلمان العنداري... SA
تجدر الاشارة الى اني كتبت هذه المقالة المطولة ليس لتخويف الناس انما لالقاء الضوء على مدى اهمية الوقاية والتحضّر لمثل هذه الكارثة كما يؤكد العلماء في الفترة الاخيرة، ولهذا لا بد من الدولة الكريمة ان تتفضّل وتحضر الناس والمواطنين لسيناريوهات مشابهة، وان تطلق حملة توعية ووقاية واسعة لأن الوقت يسابقنا والكارثة آتية لا محال
الزلازل تهدم المنازل, ان كنت فيها كنت من ضحاياها
ردحذف