بين نبأ اعتقال المواطن شادي المولوي، وحادث مقتل الشيخ احمد عبد الواحد، شهدت البلاد في الايام القليلة الماضية اسبوعاً غير عادياً... اعتقالات غير مبررة، قطع طرقات، شعارات طائفية ومذهبية، اشتباكات مفاجئة، ظهور مسلّح في الشوارع، خطابات غير مسبوقة، وتحريض ضّد الجيش اللبناني...
من الشمال مروراً بعكار والبقاع وصولاً الى بيروت، تطورات دراماتيكية كادت ان تفجّر الساحة الداخلية المحتقنة اصلاً، لتزداد معها امكانية الانزلاق نحو المجهول، وزعزعة الاستقرار في لبنان المجنون، الواقع بين مطرقة التداعيات الاقليمية والخارجية، وسندان التوترات الداخلية وقابلية الانفجار في اي لحظة.
المخطط على ما يبدو انه نجح بالفعل. النظام السوري اراد زجّ البلاد في دوامة من الخوف والخراب والفوضى، وها هو اليوم يقلب على ظهره من الضحك متفرّجاً على المشهد الاسود المتصاعد من الشمال وصولاً الى بيروت، وكيف يتقاتل اللبنانيون كذئاب جائعة تنهش كل شيء.
وبالرغم من عودة الامور الى نصابها "بشكل او باخر" في الشمال، الا ان نظام بشار الاسد نجح بحنكة في نقل المشهد السوري المتفجّر الى الداخل اللبناني عبر البوابة الطرابلسية والعكّارية، كما برع في "توتير" الشارع السُنّي، واظهار تيار المستقبل بمظهر المتطرّف الذي لا يتصرّف بعقلانية، والذي يتعاطى بمذهبية بالغة في الامور، حتى انه اشاع جوّاً من التساؤلات حول اداء هذا التيار، ودعمه القوي "لجماعات اسلامية متشددة" في البلاد.
يقول نائب من كتلة المستقبل النيابية ان الاحداث التي شهدها الشمال لم تكن بالحسبان، وان قيادة تيار المستقبل تفاجئت بردة الفعل الغاضبة وبالاحتقان المتراكم منذ اشهر ضد النظام السوري، وضد ما تقوم به هذه الحكومة من اجراءات وسياسات مفصومة ومرفوضة وضبابية. ويعترف النائب ان بعض ردّات الفعل الشعبية وحتى تلك الصادرة من بعض النواب لم تكن مدروسة وكانت مبنية على كثير من الانفعال والعفوية.
واذا كان حادث مقتل الشيخ عبد الواحد قد ادى الى ما ادى اليه من تداعيات واشتباكات واعمال "شغب"، فان سياسة "تركيع الدولة" عبر هذه الممارسات وباجبارها على اطلاق شادي المولوي بهذه الطريقة، اضافةً الى دفع الجيش الى الانسحاب من ثكناته وحواجزه شمالاً، يبدو انها اثبتت نجاحها الباهر من جهة اخرى على حساب القانون والمؤسسات.
هذا الواقع يضعنا امام دولة عاجزة فاقدة لكرامتها وامنها ووجودها، غير واثقة من نفسها، وغير قادرة على حماية مواطنيها، دولة فاشلة تغرق في المجهول، وتُغرق نفسها في الازمات والحروب الصغيرة والكبيرة، وامام حكومة ترفع شعاراً سخيفاً تحت عنوان النأي بالنفس، فتنأى عن حقوق الناس وحاجاتها واهتماماتها، وتبتعد عنهم.
وفي هذا الاطار يعتبر البعض ان تيار المستقبل ارتكب خطأً سياسياً واستراتيجياً فادحاً عندما انتهج عبر بعض نوابه سياسة التحريض ضد الجيش اللبناني، ووصفه بأنه جيشاً تابعاً يأتمر بما يقوله بالنظام السوري، ليشوّه ويخدش طريقة تعاطيه المدنية المعتدلة، ما ابعده عن منطق الدولة والمؤسسات، لان الركون الى لغة الشارع والعصبيات كاد ان يفجّر البلاد بأكملها.
وبالرغم من "القطبة المخفية" في حادث مقتل الشيخ عبد الواحد، وطبيعة التركيبة الامنية اللبنانية المعقّدة، الا ان الاتهامات المُوجهة ضد الجيش اللبناني لا تنفع ولا تخدم مصلحة البلد، فالمطلوب معالجة الامور من جذورها بدل حفلات الاحتقان التي لا تنتهي بتداعياتها، وبالرغم من فداحة ما حصل، الا ان المؤسسة العسكرية تبقى الوحيدة البعيدة نسبياً عن سموم الطائفية، ولا بد من حمايتها وابعادها عن البركان المحموم.
ويقول متابعون ان انجرار انصار تيار المستقبل الى لعبة الشارع سيُفقد سعد الحريري الكثير، فالشمال على كفّ عفريت والتعالي على الجراح في هذه اللحظة هو الاهم، لأن التوتر اللبناني اذا تكررت فصوله سيؤدي الى اكثر من 7 ايار، والى اكثر من حرب صغيرة، ستصيب هذه المرة كل مكونات المجتمع، وستقود الى قعر الهاوية دون ادنى شكّ.
ومن جهة اخرى فان ظهور رئيس التيار العربي شاكر البرجاوي في شوارع بيروت بشكل مفاجىء، تماماً كظهور شاكر العبسي عام 2007، اذ استُعمل البرجاوي كأداة سورية جديدة مثيرة للجدل في توقيت سياسي لبناني حرج للغاية. فهل تعود سوريا مجدداً لتنقضّ على تيار المستقبل بأشكال جديدة ومبتكرة، تماماً كتلك التي شهدناها قبل ايام؟.
وبانتظارعودة الوضع الى طبيعته في لبنان بعد موجة العنف، يعود تيار المستقبل الى لغة العقل والهدوء، مقدّماً المصلحة الوطنية على اي موجة غضب، في وقت يستمر فيه النظام السوري بابتكار وسائل جيدة لاشعال الساحة الداخلية من جديد، وبالنفخ على الجمر والرماد والنار، ولهذا على كل القوى السياسية وخاصة تيار المستقبل، ان تدرك هذه المؤامرة، وان تبتعد عن صب الزيت على النار بأي شكل من الاشكال.
وبالعودة الى النائب في كتلة المستقبل الذي ختم حديثه بسؤال وجواب: " هل نجح النظام السوري بتحويل "تيار المستقبل" الى حركة متطرّفة ؟... بالطبع لا، سيبقى التيار في طليعة الحركات والاحزاب الوطنية التي تؤمن بالاعتدال وتتمسك بمنطق الدولة، ومهما حاول بشار الاسد او غيره لن ننجرّ الى العنف، ولم نجنح الى هاوية التطرّف والتشدد".
سلمان العنداري ... SA
beirutobserver.com.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق