تطورات دارماتيكية وتراجيدية تحصل هذه الايام في حلب. الامر اشبه
بمفترق خطير. بالنسبة للرئيس السوري بشار الاسد، فان الفترة القادمة ستكون اكثر
صرامة وقسوة. وقد يكون من المفيد عند الحديث عن هذا النظام النظر الى خط الازمة من
عدة ابعاد، وان " يتم تقييم الجهود المبذولة من الشعب السوري للاطاحة بنظام الاسد"، و "الجهود المبذولة من
نظام الاسد للسيطرة والتحكّم" بشكل منفصل. الا انه في الحقيقة، فان الوقت قد
بدأ ينفذ بالفعل بفعل التطورات المتسارعة كل يوم.
لو نفّذ بشار الاسد الاصلاحات السياسية التي وعد بها، والتي طالب بها
الشعب قبل اكثر من عام ونصف، لما حصل ما حصل، ولما استنزفت كل تلك الاوراح
والدماء، ولما وقع كل هذا الدمار في كل انحاء سوريا، ولكن الاوان قد فات اليوم،
لان الاسد اختار مساراً دموياً تحت ستار وشعار "مكافحة الارهاب" ضد
الشعب السوري نفسه.
تستمر المعارك الدامية بين الجيش النظامي وعناصر الجيش
السوري الحرّ في المدينة، وسط مخاوف جدية من ارتكابات جماعية قد يفتعلها النظام ضد
ابناء المدينة.
وما يحدث في مدينة حلب اليوم "مرعب" جداً ، خاصة في ما
تبثّه وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ومن مشاهد وصور قاسية ودموية، حيث
يقصف الجيش التابع للنظام السوري احياء المدينة كل يوم بالدبابات، ويزيد فيها نسبة
الدمار، ليموت كل يوم جزء من المدينة، وصولاً الى التدمير الكامل لها.
ووسط مشهد الاحتضار هذا، يمكن وصف ما يحدث اليوم في سوريا وفي حلب
بالتحديد بأنه حرب اهلية، ومحاولة للقضاء التام على الانتفاضة الشعبية العامة، الا
انه ليس من الممكن تسمية ما يحصل بعملية امنية داخلية او بمكافحة الارهاب، باي شكل
من الاشكال.
عادت حلب الى الواجهة بعد ان نفّذ النظام
السوري بقيادة حافظ الاسد في ثمانينات القرن الماضي، مجازر مروّعة بحق مدنيين في
محاولة للقضاء على جماعة الاخوان المسلمين. اما اليوم فقد اختار الاسد الابن
طريقاً اكثر دمويةً، ليواجه الشعب السوري باسره، بكل الاشكال وبكل انواع الاسلحة.
القصف المستمر على
مدينة حلب منذ ايام مخيف بكل ما للكلمة من معنى، لدرجة يمكن تشبيهه تماماً لقصف البوسنة التي دارت رحاها قبل عشرين، عاما عندما دمرت قوات الصرب والمسلمين
والكروات الدولة الواقعة في منطقة البلقان، والتي دفع ثمنها مئلا الالاف من البشر.
المجتمع الدولي
يتحمّل مسؤولية كبيرة لما يجري اليوم في سوريا، لأنه لم يمنع حمام الدم ولم يوقف النزيف
الهائل في شوراع حلب ودمشق وغيرها من القرى والمدن الاخرى التي تتعرض لعنف وقصف كل
اليوم. وبالرغم من المساعي الخجولة للامم المتحدة والمجتمع الدولي لوضع حدّ
للازمة، الا ان كل هذا لن يعوّض على ما فعله بشار الاسد بحق شعبه، وعن الضرر الذي الحقه
ببلده بأي شكل من الاشكال.
الاسد اساء لحق
السيادة بشكل علني، وتخطى كل الخطوط الحمر والحدود المرسومة من قبل القانون الدولي،
وانتهك كل شريعة دولية وانسانية.
وسط هذه
الصورة، وفي تقييم للسلوك الدولي تجاه ما يحدث في سوريا، فان الامور تشير الى وجود
تحالف سرّي بين روسيا والصين، ودعم غير مباشر من النظام الايراني، يقودان سوريا نحو
الى مناخ من الحرب المزمنة والطويلة.
الشعب السوري اليوم
يعيش معضلة كبيرة تعرّض حقوقه لخطر كبير وشديد، وخاصة حقه في العيش. فهذا الشعب بدأ
يفقد الثقة بالاسد ونظامه ومؤسساته، فلا الادارة السياسية، ولا قوة الجيش وسلاحه وبطشه،
ولا المؤسسة القضائية او السياسية يمكن الوثوق بها بعد اليوم.
ومع ذلك، فان تنظيم
انتخابات عامة في البلاد، او اتخاذ قرار غير متوقع بالاصلاح الشامل، قد يقود الى وقف
اعمال العنف الدامية في بلد الاسد، ويعيد ترتيب الامور من جديد، الا ان تلك الخيارات
التي قد تعطي الاشخاص بعض التفاؤل خصوصاً اولئك
الذين يحبون سوريا لم تعد مُتاحة. لانه مع حلب كل شيء تغير. لأنها لم تعد مجرّد
مفترق يعبره النظام. ولم تكن يوماً حصناً لهذا النظام.
سلمان العنداري... SA
تمّ نشر هذا المقال في اكثر من 24 موقع الكتروني اخباري. شكراً لكل من ساهم في نشره
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق