على وقع الصراعات السياسية الحامية بين الحكومة الحالية والمعارضة الشرسة، وفي وقت تعيش فيه كل القوى السياسية حالة من الانتظار، وفي خضمّ الربيع العربي والاحداث المتفجرة والمتسارعة في المنطقة، وبين معركة تمويل المحكمة الدولية وكباشات الملفات الاجتماعية والاقتصادية، يُطرح السؤال من طرابلس عاصمة الشمال: كيف تقيّمون اداء الرئيس ميقاتي بعد اشهر من تشكيل حكومته، وماذا قدم لطرابلس والشمال، وهل يستمر في مهامه على وقع الصراعات المتفجرة على طاولة مجلس الوزراء؟.
مجموعة من الرسائل السياسية يوجهها الشباب "الشمالي" الفاعل والحاضر الى رئيس حكومتهم وابن منطقتهم. فمنهم من قرر ان يُعاتب دولته على ادائه السياسي وطبيعة تحالفاته، ومنهم من ابدى تفهّمه للمواقف التي يتخذها في هذه الظروف الحرجة والدقيقة على كل الاصعدة الداخلية والاقليمية والدولية. ومنهم من فضّل التحدث عن الوضع الاقتصادي – الاجتماعي المتردي، ليرسل صرخة مدوّية لمن يهمه الامر، قبل ان يتحوّل الشمال الى بؤرة فقر وعوز وحرمان ... فماذا قال الشباب في الرئيس ميقاتي؟...
نتفهّم مواقفه لتعرّضه لضغط هائل من قبل "حزب الله"
عندما وطات قدما الرئيس نجيب ميقاتي السرايا الحكومي من جديد بعد 6 اعوام على رئاسته حكومة انتخابات عام 2005، سارع دولته الى رفع شعار رنّان المتمثّل ب"قولنا والعمل"، بما اوحى ان الفريق الحكومي الجديد سيغيّر الكثير من الامور، وسيعالج مشاكل الناس وهمومها، الا ان الاقوال بحسب الناشط السياسي اسامة الضنّاوي "لم تُقرن بالافعال حتى هذه اللحظة، والشعب ما زال يترقّب وينتظر اي جديد تقوم به هذه الحكومة "الملغومة" والتي أتت بفعل عوامل سياسية باتت معروفة للجميع".
الضنّاوي يرى ان "شباب الشمال ممتعض من السياسة التي ينتهجها الرئيس ميقاتي مع الاشارة الى انه يحظى بتأييد فئة واسعة من الشباب في منطقة طرابلس من خلال جمعية العزم والسعادة الفاعلة على الارض، الا ان فئة كبيرة وواسعة من الشباب الناشط في المجتمع المدني والفاعل في الشأن العام ترى ان ميقاتي ينزلق في وحول الاخطاء السياسية والافخاخ التي اوقع نفسه بها، وترى هذه الشريحة ان ميقاتي "تخلّى عن شعاراته لصالح رئاسة الحكومة"، وهو اليوم لا يمتهن سوى "بيع الكلام الذي يبقى حبراً على ورق وكلاماً معسولاً لا اكثر ولا اقل".
بالتوازي يتفهّم الضناوي الخطوات الحذرة التي يقوم بها ميقاتي في هذه الفترة "نتيجة الضغط الهائل الذي يتعرض له من جانب "حزب الله" الذي حوّله الى طرف غير قادر على الامساك بكل الملفات، وغير قادر على اتخاذ القرار الحاسم".
وبالرغم من "الموقف السلبي" تجاه الرئيس ميقاتي، الا ان شريحة كبيرة من اهل طرابلس والشمال تتفهّم الاسلوب الناعم واللبق الذي ينتهجه حالياً. فالبعض يرى ان "ميقاتي يمشي بين كومة الغام، ويفتّش عن الحلول بين كومة قشّ مليئة بالاشواك والعراقيل والنكايات السياسية"، اما البعض الآخر فيعتقد انه "يتعين على دولته الاستقالة ورمي كرة النار بوجه "حزب الله" واعوانه قبل انفجار الامور وإحراقه سياسياً من قبل الفريق الذي اتى به رئيساً".
ميقاتي خان الشعب الطرابلسي
يؤكد الناشط في "تيار المستقبل" مصطفى العويك ان "الناخب الطرابلس دعم الرئيس ميقاتي في انتخابات عام 2009 بناءاً على مبادىء واسس وشعارات سياسية واضحة، كان ابرزها المحكمة الدولية على اعتبارها اساس العدالة، والعبور الى دولة القانون والمؤسسات. فالشعب لم يصوّت لصالح تغطية سلاح "حزب الله" والتنكّر لكل المسلمات الوطنية، بل اراد حكومة تعمل ضمن الأطر الحوارية لمعالجة هذا السلاح ومن ضمنها وضع استراتيجية دفاعية للبنان، ولتطبيق العدالة وتحقيقها عكس ما نراه اليوم".
ان النهج الذي يمارسه الرئيس ميقاتي في الاشهر الاخيرة يُعتبر خيانة للناخب الطرابلس، وتفلّت من العناوين والشعارات التي طرحها عام 2009. يقول العويك مبدياً اسفه "لاختيار دولة الرئيس السلطة على حساب ثوابت اهل طرابلس ومصلحة البلاد بأكملها".
ويلفت العويك الى ان "ميقاتي فقد الكثير من شعبيته بعد الانقلاب الشهير على حكومة الريس سعد الحريري اوائل العام الجاري"، كاشفاً انه "يحاول استعادة هذه الشعبية من خلال دفع الاموال الطائلة لاسترضاء الناس من خلال بعض الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية والطلابية والاستشفائية".
ويُبدي العويك عتبه الشديد على رئيس الحكومة بعد نشر الصحف لكلام منسوب اليه في ويكيليكس، يقول فيه ان "اكثر من 30% من اهل طرابلس يُشترون ويُباعون"، الامر الذي يعتبر اهانة كبيرة لكل الشمال".
التمثيل الوزاري الطرابلسي لم يُترجم على الارض...
رئيس حركة "شباب التغيير" المحامي علي الغول يقول ان "الرئيس ميقاتي مغلوب على امره في حكومة يسيطر عليها "حزب الله"، كيف لا وهي حكومة بشار الاسد وحسن نصرالله التي شّكّلت على وقع الانقلاب الشهير، بعد اسقاط الرئيس سعد الحريري بالشارع وبقوة السلاح والترهيب".
ويعتبر الغول ان "الرئيس ميقاتي كان مضطرا للدخول في هذه اللعبة في ظلّ الظروف التي فُرضت على البلاد، لافتاً الى ان "ميقاتي يواجه الكثير من الصعوبات والضغوطات من اكثر من جهة وعلى اكثر من صعيد، وبالتالي فلا يمكن القول الا "الله يساعدو".
ويشير الغول الى ان التمثيل الوزاري الطرابلسي القوي في الحكومة الحالية لم يُترجم على الارض بمشاريع تنموية واقتصادية من شانها ان تساعد الناس وتحسّن من مستوى حياتها، ومن اوضاعها التعيسة على كل الاصعدة".
ويضيف: "اذا كان الرئيس الحريري قد اعتبر ان الشمال منطقته وان القلب دائماً على الشمال، فإن الرئيس ميقاتي لم يبد الى هذه اللحظة اي اهتمام بهذه المنطقة، ولم يقم بعد بأي انجاز يمكن رصده".
ويُحمّل الغول "كل الحكومات المتعاقبة مسؤولية الحرمان الذي تعيشه هذه المنطقة"، معتبراً ان "تقصير قوى 14 اذار في الشمالي ادى الى ما ادى اليه، وسنح بالمجال امام الرئيس ميقاتي بالتمدد السياسي على حسابها".
الناس ملّت السياسة وهي تفتش عن لقمة عيشها
من جهته، يتحدث الناشط السياسي حاتم نصّوح بعيداً من صخب السياسة وضجيجها، مُفضّلاً التطرق الى الوضع الاجتماعي والاقتصادي الخطير الذي وصلت اليه طرابلس بفعل الإهمال والحرمان من قبل القيادات السياسية الشمالية.
نصوّح يؤكد ان حكومة الرئيس ميقاتي كأي حكومة سابقة، لأن شيئاً لم يتغير, فـ"الناس متعطشة لتغيير ما ولحلّ ما، الا ان هذه الامنيات لم تتحقق بفعل الطريقة التي اتى بها الرئيس ميقاتي الى السلطة، ليتّضح ان الامور زادت سوءاً، وازداد معها الحرمان والفقر والمعاناة".
يتحدّث نصّوح بلسان المواطن الطرابلس العادي، المُرهق بيوميات دامية وبفواتير قد تكون قاتلة: "الناس ملت السياسة وهي تفتش عن لقمة عيشها، ووصلت الى حالة من القرف، مع الاشارة الى ان هذا الواقع المُرّ خلق نوعاً من عدم الاكتراث بالقانون وادى الى تزايد الاعمال المخلّة بالأمن، مما يطرح اكثر من علامة استفهام على وضعنا في المستقبل القريب".
واذ يشير نصّوح الى "ان دينامية الرئيس ميقاتي شبه غائبة على الارض"، يؤكد ان "طرابلس غاضبة من ميقاتي، لافتاً الى "اننا نعيش حالة عدم الاكتراث بالوضع السياسي في البلد، لاننا نفتّش عن لقمة العيش. ونقطة على السطر".
ويتمنى نصوّح من كل القيادات الطرابلسية "ان تكف عن استعمال الناس كوقود للانتخابات النيابية، واعتبارهم مجرد اصوات تُشترى وتّباع، وكرهائن يتلقون المساعدات الدورية والموسمية", ويضيف: "من المعيب ان يكون في طرابلس اكثر من وزير واكثر من متموّل، ومن ضمنهم ميقاتي، وان تبقى هذه المدينة، وهذه المنطقة الشاسعة من لبنان محرومة".
انزل الى الشارع يا دولة الرئيس
بدورها، تقول غنى العمري، الناشطة الاجتماعية الطرابلسية ان "الناس تنظر بسلبية كبيرة لما يقوم به الرئيس ميقاتي من سياسات بعد ترؤسه الحكومة الحالية، مع الاشارة الى ان الناس تحترمه من الناحية الشخصية وتقدّر عطاءاته ونشاطه الدائم الساعي الى تحقيق مصلحة اهل المدينة وناسها. الا ان انخراطه في حكومة "حزب الله" لم يرق بتاتاً للناخب الشمالي وللرأي العام هنا".
الا ان العمري تعتقد ان "المواقف الاخيرة التي اطلقها ميقاتي في الاسابيع القليلة الماضية بشأن المحكمة الدولية وتمويلها، والتعيينات الادارية، وملف الكهرباء، أوحت بأن رئيس الحكومة "الطرابلسي" يحاول كبح جماح "حزب الله" في الحكومة، ومواجهة تعنّت العماد ميشال عون، وهذا امر ايجابي، لان ضرب يده على الطاولة يعني انه يحاول السيطرة على الامور واقامة نوع من التوازن".
"المواطن الشمالي لا يريد لميقاتي ان يكون بين المطرقة والسندان، وبين كمّاشة النظام السوري و"حزب الله"، وتعنت العماد ميشال عون"، تقول العمري متمنيةً من رئيس حكومتها ان "يخرج بمواقف صارمة وواضحة وحاسمة، وان لا يتخلى عن لبنان الحرية والسيادة والاستقلال، وان يقف بوجه اي مشروع تدميري يريد ايقاعنا في عين العاصفة مجدداً".
وترى الشابة ان " اي مصالحة سياسية بين الرئيسين ميقاتي والحريري من شأنها ان تحسن الاوضاع وان تعيد الامور الى نصابها، شرط ان تتعاون كل الاطراف على انقاذ المواطن اللبناني الغارق في المسؤوليات".
رسائل بالجملة ...
وختاما، مجموعة من الرسائل السياسية يوجهها الشباب الى رئيس حكومتهم وابن منطقتهم. فحاتم نصّوح الذي يرى في ميقاتي شخصية لبقة، يتمنى عليه "ان ينظر الى اهالي طرابلس لما يعانوه من صعوبات اقتصادية قبل ان تتحول عاصمة الشمال الى منطقة مقفلة بالفقر والعوز والبطالة من خلال القيام بإجراءات ملموسة في هذه المدينة بدل التلهي بالسياسات الضبابية".
اما غنى العمري فكانت صرخة اجتماعية: "يا دولة الرئيس، انزل على الارض لترى الشعب الجائع والفقر المتزايد في شوارع طرابلس الضيقة المليئة بالهموم، انزل الى الشارع لترى الشباب العاطل عن العمل، وحالات موجعة من العوز، يا دولة الرئيس سأبتعد عن السياسة لاطالبكم بضرورة التحرك لانقاذ الوضع الاقتصادي في البلد قبل فوات الاوان".
بدوره أسامة الضناوي يشدد على "ضرورة ان "لا يتخذ ميقاتي مواقف متواطئة مع النظام السوري، وان لا يُذعن لما يريده "حزب الله" والعماد ميشال عون، وان يتمسك بصلاحياته كرئيس حكومة، وان يكون حاسما في اتخاذ القرار بعيداً من تعليمات "ولي امر" الفريق المتحالف معه".
من جهته يتوجه مصطفى العويك بالقول: "ان كانت الاستقالة هي الطريق الاسلم للعودة الى قلوب الطرابلسيين، فنطالبك يا دولة الرئيس بالاستقالة، واذا كانت الاستقالة غير واردة بالنسبة اليكم، فلا نطالبك سوى بالالتزام بالشرعية الدولية وبالقرارات الدولية، وبالثوابت الوطنية، وبرفض تحويل الحكومة الى حكومة التفاوض السوري مع المجتمع الدولي".
اما علي الغول، فيدعو الرئيس ميقاتي الى "القيام بواجباته على اكمل وجه، والى تحمل مسؤولياته، والى الحفاظ على استقلال لبنان وسيادته وحريته بعيداً من المصالح الآنية الضيقة". لافتاً الى ضرورة "التفاف الرئيس ميقاتي حول الطائفة السنية وشعب هذه الطائفة في الشمال وكل المناطق، لان من يخرج عن طائفته يخسر الكثير من رصيده".
سلمان العنداري ... SA