الجمعة، 29 يونيو 2012

الصيف الملعون ... لبنان الجميل متى تعود؟

متى يعود لبنان ؟

من يزور لبنان هذه الايام يترك دمعة دون ابتسامة على كل مفرق ومعلم وطريق ومدينة. الحياة معدومة في هذا البلد بالرغم من حركة المهرجانات الصيفية التي تعوّد عليها اللبنانيون والمصطافون العرب.

لا حياة في هذا البلد. برودة لا تُطاق، وموسم اصطياف حزين لم يسبق له مثيل منذ عشرات السنوات. الناس تبكي بحرقة قلب مماّ يحصل اليوم، ومن موسم انهار كلياً بفعل الاشتباكات السياسية والامنية والطائفية الحاصلة كل يوم.

يوم اول من امس كنت في طريقي الى بيروت، مررت ببحمدون قرية الاصطياف الشهيرة التي لا تنام. وجدتها فارغة، الا من بعض الاضواء والموسيقى الخافتة التي زينت لياليها.

 وفي عروس المصايف عاليه المشهد اكثر سواداً. بعض المارة وشرطة البلدية تصول وتجول، وزحمة خفيفة وخجولة. وعيون تكاد تكون مذهولة بعنف مشهد الافقار وبواقع شديد القساوة في كل مكان.

اما بيروت التي تحاول ان تعيش يومياتها، تسعى بجهد جهيد الى اعادة رسم ملامحها التي اختفت واضمحلت بفعل الاشتباكات والاقتتالات المفاجئة التي تحدث فيها اسبوعياً دون سابق انذار.

بيروت الساحرة تفقد نكهتها كل يوم، من بحرها وصولاً الى شوارعها الرائعة، التي تعاني بشدة ضيقاً اقتصادياً شديد الصعوبة.

بيروت تحولت الى بؤرة امنية خطرة لا تليق بروّاد السهر والحب وبالكتّاب والمثقفين والشباب. من شارع الحمرا المتّشح باللون الاصفر، وصولاً الى الوسط التجاري الذي يتكاذب على نفسه ليقول ان البلد بالف خير. كل شيء اختلف في بيروت التي لم تعد تعرف طعم الهدوء.

اما قريتي، فالوغا، المتنية العالية، المشهد هنا يُدمي القلوب. اصحاب المقاهي والفنادق ينتظرون، ويتأملون علّهم يتنفسون الصعداء، الا ان التحذيرات الامنية التي اطلقتها سفارات دول الخليج، والمشهد الغارق بالدخان والنار في كل مكان حجب الرؤيا عن بلدنا الملعون، وحرمه صيفاً هادئاً يسمح لكل مواطن بكسب عيشه وتأمين لقمة الخبز ومستلزمات الحياة قبل الشتاء البارد.

بصراحة اشعر بحزن شديد، وبغضب اشد ممّا وصلت اليه الامور هنا، فالجنة المعلّقة بين السماء والارض تتقهقر كل يوم. ولا من يسل عن معاناتنا اليومية.

لا حكومة ولا نواب ولا طبقة سياسية، ووحوش المال تقضي اجازاتها في الخارج، ويقولون ان البلد بالف خير، وانهم يحرصون على الامن والسلامة والاستقرار.

نعيش في دولة كذب، دولة فساد. دولة انتهت. انها دولة الزعران والشلل والشبيحة. دولة دفعتنا لليأس والهجرة والسفر... ويا لبنان الجميل... متى تعود ...؟

يُتبع
سلمان العنداري ... SA

الخميس، 28 يونيو 2012

بــلــدنــا مـــش للــبيــع ...



"بلدنا مش للبيع ولا للايجار... بلدنا ليس ساحة يتخاصم ويتطاحن عليها الكبار... بلدنا يعني لنا الكثير رغم كل ويلاته... فهو حاضرنا وماضينا ومستقبلنا...
بلدنا لا يموت ولن يموت رغم كل الصعاب، فكفى متاجرة باسم لبنان وعلى حساب لبنان. كفى اتجاراً بهذا البلد الصغير، وبشعبه البسيط والمسكين...

بلدنا ليس للبيع، بالرغم من كل المشاكل السياسية التي نعانيها، وبالرغم من فقرنا.. الا اننا لا يمكن ان نبيع كراماتنا، فلبنان روحنا الساكنة في اجسادنا رغم اننا في كل مرة نخدش هذا الوطن بسكاكين انانيتنا، وبطائفيتنا الفاقعة، وبفسادنا المستشري، الا اننا لا ولن نتخلى عن وطننا وعن هويتنا.
من يبيع ارضه - وينسى وطنه ويدير ظهره لاهله وقريته ومدينته وعاصمته - يبيع روحه، فنحن اشبه بقطع السكر التي تذوب في فناجين القهوة، وتتحد بالطعم والمذاق، ولبنان ساكن في عروقنا.. ولهذا لن ننزع عن انفسنا هوية نفخر بها.

بلدنا يرحب بكل الناس من كل مكان في العالم، وبكل باحث عن الحرية والامل والفرح، الا انه من سابع المستحيلات ان نُقدم على بيع اراضينا وان نتخلى عنها لأي كان، مع فائق احترامنا لكل انسان وللاشقاء العرب. وكلامي هنا ليس تشفياً او فيه عنصرية باي شكل من الاشكال.
اتمنى ان يكون كلامكم على سبيل المزاح لان في هذا الكلام تقليل من كرامتي وكرامة كل لبناني، فهل يعقل ان تقبل التخلي عن بلدك وان تبيع ارضك وان تتحول الى سائح فيها؟، اعتقد ان جوابك سيكون مماثلاً لجوابي بكل تأكيد.

اقدّر حبكم لهذا البلد، وخوفكم على مستقبلنا. الا انه لا يمكنكم ان تشتروا الناس بحفنة مال، فللناس كرامة واخلاق.
وبالرغم من كل القرف والملل الذي اصابنا الا اننا لا ولن نرضى ان يُباع هذا البلد للغرباء وان نصبح مجرد سوّاح لا اكثر ولا اقل . على كل حال اهلاً وسهلاً بك في لبنان بلدك الثاني..."

الكلام اعلاه جاء في اطار محادثة مع سائح عربي عرض عليّ بين المزاح والجدّ بيع كل الاراضي اللبنانية لرجال الاعمال في الخليج العربي مقابل تحويلنا الى سوّاح لا اكثر ولا اقل في هذا البلد، مع تأمين بعض فرص العمل. واتى هذا الحديث مع تنامي بيع الاراضي في البلاد، الامر الذي استفزني وجعلني اردّ عليه بشكل حازم موضحاً ان اموال العالم اجمع لا يمكن ان تشتري كراماتنا ارضنا مهما بلغ بنا اليأس.
سلمان العنداري ... SA

الأربعاء، 27 يونيو 2012

وداعاً ايها البلد المجنون ...


شيء ما يجري في هذا البلد ، ابعد من الجنون واقرب الى الهستيريا. الامن الفالت يغزو كل قرية ومدينة، والحقد والكره والاحتقان يعيش في كل حيّ وفي كل الازقّة.

لبنان المجنون يرقص على حبال الازمات. اطارات مشتعلة، مخطوفون، ملثّمون يعيثون في الارض فساداً وخراباً بكل وقاحة، وسياسيون يتسابقون على شاشات التلفزة بخطابات الاستنكار والوعود الفارغة، وحكومة في اجازة صيفية، في موسم سياحي افقر الشعب واوقعه في العتمة.

البلاد تحترق، ولا من يسل. مصالح متضاربة وساحات صراع وقتال مفتوحة على كل الجبهات وعلى كل المستويات... شباب لبناني ملّ واقعًا ميؤوس منه، وقرر الهجرة والهرب من صوت الرصاص وروائح البارود وصراخ الناس التي تموت من الجوع.

لقد اصابنا الاحباط من هذه الارض، وبتنا غرباء نعيش في لحظة خطرة. مستقبلنا بات من الماضي، واحلامنا تكسّرت على اجنحة طبقة سياسية منهارة ومجنونة، تأكل لحمنا وتشرب دمنا قبيل سنة من الانتخابات النيابية الملعونة.

لا شك ان مشهد احراق قناة الجديد والاعتداء عليها يشكل سابقة خطيرة وغير مسبوقة من الوقاحة والاعتداء على القانون والحريات.

واذا كانت مقابلة الشيخ احمد الاسير قد اثارت الرأي العام وحركت النعرات الطائفية والمذهبية، الا ان الرد البشع واللاحضاري على القناة، يدعو الى دق ناقوس الخطر على ما وصلت اليه الامور، في بلد يتقلّب على صفيحة من نار ورماد.

الصحفي في لبنان بات سلعة تستخدم في خدمة ملوك الطوائف والمذاهب، ورسالة الصحفي هذا اصبحت في خبر كان، في ظل الاوضاع القذرة التي نعيشها كل يوم. واصبحت هذه الرسالة لقمة سائغة في وجه شبيحة الليل، وزعران الازقة و"حرّيفة" احراق الاطارات وايصال الرسائل المتطرفة من كل حدب وصوب.

بات الانسان في لبنان رخيصًا الى حد كبير، معلّقًا بين المطرقة والسندان، يموت جوعاً ولا من يسأل عن لقمة عيشه. وباتت الكلمة الاولى والاخيرة للمتطرفين والبلطجيين والشبيحة في كل مكان ودار.

حبّذا لو يأتي الرئيس سعد الحريري الى لبنان ويتحدى كل المخاطر، وحبّذا لو يدرك حزب الله ان مماطلاته على طاولة الحوار ستقودنا الى فتنة بدل سياسة تقطيع الوقت و"مسايرة" الرئيس ميشال سليمان لواقع السلاح.

الطبقة السياسية برمتها في لبنان لا تليق بهذا البلد. وعلى الناخب اللبناني ان يدرك ان استمراره في سياسة الانقياد والتبعية ستبقيه على حاله، وستزجّه في السجن الكبير الى ما لانهاية والى ما شاء الله .

لقد اعتزلت الكتابة في السياسة لاكثر من 3 اسابيع، لاني على يقين ان شيئاً لم ولن يتغير، وما هي خطاباتهم وتصاريحهم الا صراخ وعويل وسباب وشتائم وقدح وذم لا تليق بالرسالة التي آمنت بها وعملت من أجلها، والتي نناضل في سبيلها كشباب لبناني يحلم بمستقبل افضل.

ومن السياسة البالية الى الكهرباء المقطوعة كلياً عن المواطن. العتمة الملعونة تزورنا كل يوم، وترهقنا، والاتصالات المزرية ليست افضل حالا. فقولوا لنا اين نعيش وكيف نعيش في بلد الجوع والاذلال والبهدلة؟.

منذ ايام اتصل بي نائب لبناني وسألني عن حالي، مستفسراً عن انقطاعي الطويل في كتابة المقالات واجراء المقابلات الصحفية اليومية، اجبته بكل بساطة بان ما يحدث اليوم مجزرة بحق كرامات الناس ولن اسمح لنفسي ان اكون جزءاً من حفلة الجنون المستمرة منذ اسابيع لا بل اشهر. لقد مللت الطائفية والمذهبية والخطابات التي تستغل اللبناني وتقتله كل يوم الف مرة.

الحلّ الوحيد لنا كشباب يبحث عن نفسه هو الرحيل من هذا البلد، والبحث عن مستقبل افضل، لا مستقبل موتور اصفر وشاحب.

اعتذر مجدداً من سمير قصير الذي لطالما حثنا وشجعنا على الاستمرار والمضي قدماً في النضال في بلد الارز، ولكن، ما يحصل اليوم فضيحة كبيرة لا يمكن احتمالها باي شكل من الاشكال.

قررت الرحيل عن هذا الوطن والاغتراب، قررت الذهاب بعيداً للبحث عن وطن جديد يحترمني ويقدرني ولا يسألني عن طائفتي، تماماً كما يفعل مئات الاف الشبان من كل المناطق.
وداعاً ايها البلد الاصفر... جنون ملوك الطوائف افقدنا الايمان بك، وروائح البارود والاحقاد افقدتنا طعم الحياة هنا. سأبحث عن وطن ... سأبحث عن حريتي خارج هذا السحن الكبير الذي لم ولن تفتح ابوابه واقفاله الموصدة منذ عقود...

سلمان العنداري ... SA
نُشرت بالتوازي مع بيروت اوبزيرفر

الثلاثاء، 26 يونيو 2012

النـــبيـــذ اللبناني ... يغزو العالم


يبدو ان النببذ اللبناني ينسكب بريقه في كل انحاء العالم. اذ انه بعد ادراج محطة "سي ان ان" الأميركية خمّارة "إكسير" للنبيذ في بسبينا (قضاء البترون في لبنان) ضمن لائحتها لأهم "المباني الخضراء" في العالم، وتصنيفها كاحدى اهم المباني الاثني عشر حول العالم التي تتسم بمعايير بيئية نموذجية. حصدت الخمّارة اللبنانية المجد مجدداً بنيلها الميدالية الذهبية الكبرى في مباراة النبيذ الدولية التي جرت في كندا.

والخمّارة هي المبنى الوحيد من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي صنّف ضمن أهم المباني الخضراء في العالم، علماً أن المباني الأخرى المدرجة ضمن اللائحة يقع معظمها في سويسرا وبريطانيا والولايات المتحدة ومنها مبنى " الفيلودروم" في لندن المؤهل لاستقبال الألعاب الاولمبية 2012.

ومباراة النبيذ الدولية هي واحدة من أهم مبارايات النبيذ  التي تقام في أمريكا الشمالية، تعقد في كندا، مدينة كيبيك، وكانت هذه المباريات  قد أنشئت عام 1983 وتضمنت مباراة 2012 ، 1806 مشارك مع 581 منتج نبيذ قادمين من 35 بلدا للتنافس على 10  ميداليات ذهبية كبرى "غراند غولد".

 وتعتبر خمّارة إكسير" خمّارة "صديقة للطبيعة"، محورها الاستدامة البيئية، علماً أنها كانت فازت بجائزة "الهندسة الخضراء" العالمية لعام 2011.

إكسير التي حصدت الميدالية الذهبية الكبرى "غراند غولد" في مباراة النبيذ الدولية التي تنظمها           "“Sélections Mondiales des Vins – CANADA، نافست كبار المنتجين الدوليين من جميع أنحاء العالم وتمكنت من الحصول على هذه الجائزة التي من شأنها ان ترفع اسم لبنان عالياً بعيداً من المهاترات السياسية المستمرة في الداخل اللبناني بين الاحزاب والقوى المتصارعة.

  ولمن لا يعرف، فالخمّارة كناية عن مزيج من الأصالة وصناعة النبيذ معاً، تقع في تلال البترون في بيت حجري يعود الى القرن السابع عشر، أعيد تأهيله، وهو يشرف بالتالي على صناعة النبيذ التقليدية التي تجري في خمّارة متواصلة معه تحافظ على البيئة.

وتعتمد خمّارة أكسير على النور الطبيعي لإنارة منشآتها، وتعتمد على قوة الجاذبية لانتاج نبيذها. كما أنها تستخدم مياه الأمطار لريّ المحاصيل، وتقوم بتدوير كل مخرجاتها من مياه مبتذلة ومتخلّفات الفاكهة بتحويلها إلى سماد زراعي.

بدوره قال هادي كحالة، مدير عام  "إكسير" ، أن النبيذ اللبناني يلاقي رواجاً كبيراَ في جميع أنحاء العالم وأشار  أن "إكسير"  ليس فقط نبيذ لبناني يزرع في مناطق مختلفة من لبنان، بل هو يعكس غنى وتنوع المجتمع اللبناني.

الجائزة المذكورة  أعلاه تأتي لتغني و تزاد على لائحة جوائز "إكسير" التي كانت قد توجت مؤخراً بخمس ميداليات في معرض لندن الدولي للنبيذ بمنتوجاتها.

تجدر الاشارة الى أن الخمّارة ستفتح أبوابها للزوار وذواقة النبيذ في تموز 2012.

لمعرفة  المزيد عن "إكسير" الرجاء زيارة الموقع الرسمي :   www.ixsir.com.lb أو صفحة الفيسبوك www.facebook.com/ixsir.wine :


سلمان العنداري... SA

الأحد، 10 يونيو 2012

بين "الملتحي المسلم" و"الارهابي المسيحي" ... الخلط في المصطلحات يقودنا الى الهاوية


لا شكّ ان استخدام التعابير اللغوية والوصفية في اي مقال او خبر او تحقيق صحفي يتناول ديناً او حدثاً معيناً، يتطلب الكثير من الدقة والتوازن والحرفية في الكتابة والتعبير. لأن الفاصل بين الحقيقة والتضخيم او التجنّي قد تكون كلمة واحدة ان لم نقل حرفاً واحداً.

ومن هنا على الصحفي ان يكتب بحذر ومسؤولية لدى متابتعه قصة معيّنة, فلا يعمّم ولا يخرج عن النطاق المرسوم لمقالته.

وعلى سبيل المثال فان "لصق" تهمة "الارهاب" بالاسلام ككل امر يُجافي الحقيقة، وما هي مساعي الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز لتعزيز حوار الاديان والحضارات الا دليلا ًواضحاً على سعي هذا الزعيم الاسلامي في المنطقة الى بناء جسور التواصل بين كل شعوب العالم.

 اضافةً الى ذلك، فان كبار مشايخ الاسلام ورجال الدين يرفضون "العمليات الانتحارية" وايصال الرسائل بالعنف والقتل والتعصّب.

ان السبب الاساسي لتعميم مصطلح التطرف والتعصّب والارهاب ولصقه بالاسلام مراده الاعلام السلبي، ودور كبريات وسائل الاعلام والمحطات ووكالات الانباء العالمية التي وقعت في هذه المصطلحات، وسوّقتها في اوساط الرأي العام العالمي.

منذ ايام قابلت شاباً نشيطاً يعمل في كبريات شركات الاعلان في المنطقة العربية، وكنّا نتحدث عن الدعايات التلفزيونية التي تتناول الحوار والتلاقي بين الناس. واخبرني الشاب ان شركته اخرجت دعاية "الارهاب لا دين له" التي تُعرض على الشاشات العربية كافةً في محاولة لمحو صورة ارتباط الارهاب بالدين الاسلامي.

والدعاية اللافتة حققت نوعاً من الوعي في الاوساط الشعبية العربية، وبات المواطن العربي يفرق تماماً بين الارهاب الحقيقي وبين الدين المبني على التسامح والرقي والتفاهم بين الناس.

الا انه اعتبر ان "الاعلام الاجنبي ساهم في ترسيخ هذه الصورة لدى الرأي العام الغربي، اذ ان كافة نشرات الاخبار والتقارير كانت تصور الاسلام بشكل او باخر باعتباره ديناً متطرفاً لا يقبل الاخر وهو امر عار عن الصحة وبعيد عن الحقيقة".

ولذلك لا بد من انتقاء المصطلحات بشكل دقيق للغاية، وان تتوقف وسائل الاعلام عن اعتماد سياسة توجيهية معينة تلعب الدور الاكثر سلبية في بناء جدران التفرقة بين الشعوب.

حتى ان صفة "الارهابي المسيحي" تثير الريبة في كثير من الاحيان وتخلق مشاعراً من الكره في الشارع الاسلامي تجاه المسيحيين والاقليات في عالمهم، وتخلق فجوة كبيرة في التواصل وامكانية العيش معاً بسلام.

ان اختيار التعابير امر مهم للغاية في العمل الصحفي ويتطلب مسؤولية مضاعفة.

عام 2008 قدمت مشروع تخرجي وتناولت فيه الاسلام السياسي في المنطقة، بين ايران والسعودية، وبين الثورة الاسلامية في ايران والحركة الوهابية في السعودية. وتحدثت فيها عن حركة حماس وعن حزب الله مثالاُ.

اعترف اني وقعت في بعض المغالطات، الا اني تمكنت من "تصحيح" الخطأ بعد عشرات القراءات للكتب والمؤلفات والمقالات. ولاحظت ان الاعلام ساهم في تضخيم هذه المخاوف والحركات التاريخية واعطائها وجهاً سلبياً مهجوساً ومحقوناً.

ان اي عمل ارهابي يجب ربطه بالجماعات الدينية التي تستغل الدين وليس بالدين ككل، لان نسف مفاهيم التسامح والمحبة سيقضي على التنوع وعلى امكانية التفاهم.

في لبنان، يمكن القول ان الاعلام ساهم في نشر هذه الثقافة الهدّامة، عبر التعابير التي تستخدمها وسائل الاعلام، ولليوم نحن نغرق في هذه الدوامة التي لن تتغير الا اذا غيرت وسائل الاعلام من سياساتها ونظرتها تجاه الاخر.

تخيلوا انه ليومنا هذا يتم استخدام تعبير "الصليبيون" او "الملتحون الاسلاميون". وهذا ما يزيد التين بلّة، ويُرجعنا سنوات الى الوراء.

يبقى السؤال: هل نتفهم ردة فعل الوسائل الاجنبية على احداث نيويورك والتفجيرات التي حصلت عام 2001، ام اننا نتفهم ردة الفعل العربية على السياسات الغربية في منطقتهم والتي جعلتهم يتناغمون ويتعاطفون مع ما تقوم به القاعدة من اعمال ارهابية؟.
هنا يكمن السؤال. الا انه يبقى على الصحفي والمؤسسات الصحفية الحذر في انتقاء كلماتها والا، سنبقى سجناء افكار مسبقة لا اكثر ولا اقل، وسنربي جيلاً يكره بعضه بعضا ًدون ادنى شك.





سلمان العنداري ... SA
نُشرت بالتعاون مع  beirutobserver.com

السبت، 2 يونيو 2012

سمير قصير ... وخريف بيروت


ينتحر الكلام في الذكرى السابعة لاغتيال الصحافي - الرمز سمير قصير. في وقت يمرّ الربيع في بيروت الحزينة مرور الكرام. تتلاشى الامال والاحلام، وتنتحب الاقلام الصارخة هرباً من خجل، ومن وعد لم يتحقق، ومن عار ملحوق بشعارات مهترئة.

سمير قصير، بيروت تعيش خريفاً لا سابق له. الشعب الذي آمنت به عاد الى طائفيته ومذهبيته. الوحش الكبير يعبث في كل شيء، حتى في الكرامات. وقيادات انتفاضة الاستقلال تتلهّى بالتحضير للانتخابات، اذ بدأت البواسط تتحضّر لاستقطاب اصوات الناس المساكين مستعينةً بخطاب طائفي قذر.

قد اكون متشائماً، وقد يقال اني اتحدث بنظرة سوداوية لا تمت الى الواقع بصلة. ولكن ما يحدث اليوم على الارض، لا يليق بشعب نزل الى الساحات، وافترش الارض، وزلزل العالم عام 2005.

انتفاضة الاستقلال تحتضر يا سمير. وهذا البلد لم يعد يطاق بهذه الطبقة السياسية المزيفة التي باعت الناس الشعارات بالجملة والمفرّق، وها هي اليوم تعيش على نوستالجيا شديدية الاكتئاب.

وعدونا بالمنّ والسلوى، وبأن انتفاضة الارز ستستمر، ولن تنكسر. الا ان لبنان اليوم لا يشبه لبناننا الذي حلمنا به، وسعينا من اجله. فالمذهبية يا سمير قاتلة، مخزية، مطبوعة بوسمة احتقار.

بيروت لم تعد رمزاَ كبيرا في دنيا العرب كما قلت، صغُرت على مدى السنوات السابقة، ولم تكبر فجأة دون ان يتوقع احد ذلك. بات الخوف يحتويها، والعبث يُتعب انفاسها، وروائح النار والرماد والبارود تُنهكها.

تقزّمت بيروت، وعادت الى خرابها. تبكي على نفسها. اخواتها في العروبة سبقوها. وها هي سوريا اليوم ترسم مستقبلها بالدمّ. اما عاصمتنا التي نحبّها ترسم خطوط العار على جبينها، فبات القتل رخيص، والانسان ارخص بكثير.

لا يا سمير، لم تقم بيروت من الخوف، لقد عادت الى صمتها، الى زمن التسلّط، الى العصر الحجري. ففي شوارعها قمع وذلّ واذلال، وظلم وحقد مدفون. 14 اذار كما 8 اذار، حركات ضائعة في التاريخ، مفصومة، بعيدة عن ناسها وعن شعبها. انتهت الثورة يا سمير لأنهم ارتضوا لأنفسهم ان يتقاسموا هذا البلد، كما ان الناس والثوّار ارتضوا ان يُبقوا على هذه الطبقة السياسية البائسة واليائسة التي تسرق الناس، وتستغلهم في كل شيء.

قبل 37 عاماً، كانت بيروت القتيلة الأولى في مسلسل الموت العربي. وبعد 37 عاماً، بيروت تقتل نفسها وعنفوانها والقها، ومستقبلها ايضاً.

اعذرني يا سمير، على هذه النظرة التي انقلها اليك، الا اني لم اعد اشعر اني مواطن حرّ في بلد حرّ. والدموع تحتبس في عينيّ، لان الناس هنا قرروا بيع كراماتهم بالسخرة، بخطابات طائفية لم تعد تليق بنا كشباب واعد وطموح في هذا البلد.

صديقي سمير، لست مستسلماً على الاطلاق، لقد انتظرت لسنوات على امل انبعاث بيروت من جديد، الا ان رائحة دخان الدواليب المحروقة، وقلوب الامهات الثكلى، وخراب العقول، وتسلّط رجال المال والاعمال انهكني واتعبني، وافقدني الشعور بالانتماء.

ترى هذه الطبقة تزرع اليأس في كل مكان. تصارع كوحوش ضارية وكذئاب متلهفة للموت، من اجل كسرة خبز تسترقها من فم فلّاح او مسكين. يتسابقون على كسب اصوات الناس، ولا يدرون ان شعب لبنان العظيم يموت جوعاً.

سمير... في فمي ماء، واشعر باختناق شديد، اشعر بالغرق في بحيرة وحل قذرة، جرّاء ما يحدث في هذه الارض الملعونة. حكومة ومعارضة. يمين ويسار، شمال وجنوب. يأكلني الحزن... وغضب شديد يعتريني.

الاحباط ليس قدراً ولن يكون يا سمير، انا لست بمحبط، ولن اكون. الا ان الحقيقة تستوجب علينا ان نقف امامها وان نواجهها. على امل ان يقوم اصحاب من يدّعون الثورة بانتفاضة في الانتفاضة، وبثورة على انفسهم علّهم يتغيرون، ويفسحون بالمجال امام طبقة سياسية جديدة.

ختاماً يا سمير،الراقد في السماء، وفي قلوبنا جميعاً. اتمنى ان تصلّي معي لاجلهم. لأجل شعب هذا البلد، لأجل بيروت التي فقدت نكهتها، والتي اصبحت كفنجان قهوة لا طعم له ولا لون. عُد الينا يا سمير، واصرخ بهم في الساحات، علّهم يعودون الى ربيع بيروت، ويتوقفون عن قطف الازهار والدوس عليها كل يوم.

سلمان العنداري ... SA